شعب واحد في دولتين”: من واقع قهري إلى قناعة واقعية – بقلم:فادي شامية

إلى الآن؛ عرّى الدم السوري؛ المتخاذلين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية في عالمنا العربي. كشف حقيقة المشروع الإيراني بوضوح غير مسبوق. أسقط ستار الممانعة الكاذب عن نظامٍ حقيقته مهادنة الخارج وقمع الشعب في الداخل. ومع ارتفاع رايات انتصار الثوار، سيزول الحرج ويظهر الفارق بين مقاومة حقيقية ألجأها التخاذل العربي إلى دمشق فصمتت، وبين فصائل ارتمت في أحضان النظام السوري، فصارت أداةً بيده، لا للمقاومة، ولكن لنشر الإرهاب والاغتيال وتنفيذ مخططات لا علاقة لها بقضية العرب والمسلمين الأولى، فلسطين. النظام العربي الرسمي نفسه سيرتاح من نظام بشار الأسد، كما ارتاح من قبل من أنظمة أربعة طغاة سابقين في موسم “الربيع العربي” الواعد.
وبما أن جزءاً من التغيير قد حصل، فإنه من الطبيعي أن يتأثر لبنان، الشقيق الصغير لسوريا، قبل غيره بالتغيرات. وحقيقة الأمر؛ أن البلدين المترابطين عاشا عقوداً من الزمن، تحت تأثير التآخي الكاذب. كان النظام السوري في زمن الأسد الأب-كما الابن- يدعي تآخي الشعبين، ويؤسس على ذلك تبعية غير معلنة من النظام اللبناني لـ “شقيقه” السوري، تحت طائلة استخدام الجيش السوري الذي دخل لبنان اعتباراً من العام 1976، الأمر الذي ولّد أحقاداً معلنة أو غير معلنة بين اللبنانيين المقهورين تحت عنوان “شعب واحد في دولتين”، أو تحت شعار “وحدة المسار والمصير”، وبين أشقائهم السوريين المعبئين من نظامهم ضد الخونة (كل من رفض إرادة النظام السوري) وضد الذين “يعملون على تدمير العلاقة بين الشعبين الشقيقين”.
نمت الرغبة “التحررية” في لبنان يوماً بعد يوم، إلى أن وصلت مداها في العام 2005 بالمطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان. ومع اغتيال الرئيس رفيق الحريري انفجر الغضب المغطى بشعار التآخي، واضطر الجيش السوري لخروجٍ غير مشرف من لبنان، فاستغل النظام السوري هذا الواقع، ليحرض الشعبين الشقيقين على بعضهما. السوريون لم يفهموا أسباب الثورة في لبنان، واللبنانيون لم يميزوا كما يجب بين الشعب السوري ونظامه، وتوترت العلاقات، وساد الاحتقان بين النظامين والشعبين لعدة سنوات تالية. كره فيها الأخ أخاه. رفض استقبال عمالته (العمل) لديه. تحاشى زيارته وقَتَله أحياناً.
وبما أن الإذلال والقهر كان واحداً، ومن النظام نفسه، فقد تفجر الغضب مرة أخرى، لكن في سوريا هذه المرة، فيما يمكن وصفه اليوم بـ: “أمجد الثورات العربية”. لم يصدق بشار الأسد -الذي استبق الثورة في بلاده بإعطاء دروس في السياسة وحقوق الإنسان للحكام العرب-، (لم يصدق) أن في بلاده ثورة – وهو لليوم لم يعترف -فاعتبر الثوار مندسين وعصابات مسلحة، وفعل بهم أشنع الأعمال القمعية. وبقدر ما اكتشف العالم شناعة نظام “البعث” الأخير، بقدر ما اكتشف بالمقابل بطولة الشعب السوري العظيم، ذلك الشعب الذي ظن الناس أنه قد استمرأ الخنوع للظالم، فإذا به قمة في الصمود والتضحية لأجل وطنه وحريته وعزته. وإذاك حدث التغير الجذري في العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري.
وبالعودة إلى الماضي، فقد كانت الريبة تسود العلاقة بين الشعب السوري كله والشعب اللبناني كله، عدا أنصار النظام السوري في لبنان، ولكن مع تفجر الثورة السورية صار الشعب السوري كله (عدا أنصار النظام) يشعر بتآخٍ حقيقي مع الشعب اللبناني كله (عدا أنصار النظام السوري). وهكذا؛ فتح اللبنانيون بيوتهم لاستقبال النازحين، وواجهوا مخابرات بلادهم ـ أحياناً ـ إذا ما شعروا أنها تريد مسايرة النظام السوري على حساب النازحين، وعارضوا حكومتهم في كيفية التعاطي مع أهلهم السوريين، ومن لم يستقبل منهم أو يغيث، ناصر الشعب السوري بالكلمة أو الموقف-وحتى الدعاء، فتجسدت للمرة الأولى الوحدة الحقيقية لشعبين، جلادهما واحد.
الشعب اللبناني اليوم هو غيره في السابق، أكثرية تثور تحرّقاً على أشقائها السوريين، وآخرين ارتكسوا تحت عنوان “المؤامرة على المقاومة”. الشعب السوري هو غيره في الأمس القريب، أكثرية تقدم فلذات أكبادها فدى للحرية وسوريا… ولبنان، وشبيحة يناصرون نظامهم المتداعي. على أن اللحمة الشعبية بين البلدين مرشحة لمزيد من الارتقاء، مع تحقق الإصلاح الفعلي المبني على تغيير النظام في سوريا، ذلك أن ملفات كترسيم الحدود، وإحراج العدو أممياً فيما خص مزارع شبعا (إثبات سوريا تابعيتها للبنان بوثائق، ما يعني دخولها ضمن القرار 425)، وحل مأساة المفقودين، وقيام علاقات أخوية وندية بين البلدين، من شأنها أن يعزز عرى العلاقات الأخوية بين شعبين، وُلدا من رحم واحد.
أن تغير الأنظمة فذلك صعب، لكن الأصعب أن تغير توجهات شعب كامل من الريبة والتنابذ إلى التآخي والتراحم. بالأفعال لا الأقوال، أليست هذه من بركات الثورة السورية المجيدة؟
المستقبل –
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development