ترامب يتخطّى الأطماع الصهيونية اللامحدودة: المصالح الأميركية \ د. حسن محمود قبيسي* المصدر موقع اللواء

حرّض اليهود حاكم القدس الروماني بيلاطس على التخلص من السيد المسيح؛ وإزاء تمنّعه شجّعوه: «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا».
ثم نكلوا بالمسيحيين إلى أن أعطت الامبراطورية الرومانية للمسيحيين حرية المعتقد في العام 313 بـ«مرسوم ميلانو»، ثم أصبحت المسيحية دين الامبراطورية الرسمي عام 380 فانقلبت الأمور رأساً على عقب.
سادت التوترات العلاقات بين اليهود لا سيما التلموديين منهم مع المجتمعات التي عايشوا ناسها؛ ويتحمّل اليهود المسؤولية في الفعل وتداعيات ردات فعل الآخرين، فاليهودي إن لم يجد من يقتله يقتل نفسه، وعلى ما قال أحد مفكريهم: «يولد اليهودي وفي يده السكينة التي يُذبح بها». وذهبت العنجهية والعنصرية والمذابح ضد أطفال مسيحيين والربا والانعزالية باليهود إلى أتون الاضطهاد والطرد من معظم البلدان الأوربية في سنوات متفرقة. فكانت أزمات ونكبات.
تقاطعت مصالح الاستعمار الأوروبي ومطامعه مع مصالح الحركة الصهيونية فكان الحل/ الأزمات باستعمار استيطاني لليهود في فلسطين (إسرائيل) على حساب حق شعبها بتقرير مصيره على أرضه، ومصالح الشعوب الأمة العربية ونهب الأستعمار خيراتهم والاستبداد بهم.
لـ«إسرائيل» صنيعة الاستعمار وظيفة.
الخطوة التمهيدية كانت بالقرار الأممي 181 التقسيمي 1947، وبالقرار رقم 273، بعد إعلان «إسرائيل» قبولها دون تحفّظ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهد بتطبيقها من اليوم الذي تصبح فيه عضواً فيها.
ومذ ذلك الوقت، تتجاهل «إسرائيل» قرار الجمعية العامة رقم 194 لعام 1949حول حق العودة. وعلى الرغم من مرور ثمانين عاماً على صدور القرار، لم تتخذ حكومات العدو الصهيوني أي خطوة للامتثال لهذا القرار؛ فانعكس ذلك انقلابات وثورات وقيام حركات تحرر في الوطن العربي بدعوى تحرير فلسطين وأراضٍٍ عربية أخرى، في لبنان بعض منها.
لا جدال في أن الكيان الصهيوني في فلسطين عدوان مستمر على الشعوب العربية كلها، وأن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع العربي – الصهيوني، وأن «ما أُخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة»، ولكن استعمال القوة له حساباته، وبينها القدرة والتوقيت والوسائل و الإعداد وتوحيد الجهود العربية، وتمتين العلاقات مع الدول الصديقة بما يخفف من ضغوطات حلفاء العدو الصهيوني . فهل راعت «حماس » في عملية «طوفان الأقصى» مستلزمات الحرب 2024؟!
تشترط قيادة حماس للإفراج عمن تبقّى من مختطفين، انسحاب «إسرائيل» من غزة، وقبلت بوقف إطلاق نار مفتوح. ولم تعد تتمسّك بإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين وقد ارتفع عددهم بعد العملية إلى الضعف.
فكأنها خسرت عشرات الآلاف من المقاتلين وبينهم عدداً من قادتها، والمدنيين ولم يتبقَّ من مباني غزة شيء – من أجل العودة إلى وضع أسوأ مما كانت عليه في 6 تشرين الأول 2023: وقف إطلاق نار وخروج «إسرائيل» من غزة.
خطأ في الحسابات؟؟!!! حماقة؟؟؟!!!
وماذا نكتب حول استدراج «حزب الله» و«توريطه» في حرب الإسناد التزاماً بالقضية الفلسطينية مع مراعاة المصلحة الوطنية ومقتضياتها والنزاع بين اللبنانيين.
منذ ذلك التاريخ ولبنان من جديد في مرمى الأهداف العدوانية التوسعية الصهيونية، وآخرها وأخطرها كان مع دخول القوات الصهيونية برّياً إلى جنوب لبنان يوم الثلاثاء 1/10/2024، واحتلالها أراضٍ لبنانية جديدة؛ فكانت ضغوطات أميركية (على الحكم اللبناني) في محاولة مضللة لإحياء القرار 1701 بدءاً من 27/11/2024، واختلف في جغرافية تطبيقه.
دخل الـ1701 حيز التنفيذ الافتراضي بضمانة الولايات المتحدة وفرنسا. وفشلت كل الجهود الدولية الشكلية باستجابة المطالبات اللبنانية المزمنة المتكررة بإلزام «إسرائيل» بالامتثال للقرارات الدولية، وآخرها القرار 1701.
تجاهل نتنياهو احتجاجات العالم والمصالح الأميركية ووقع في مأزق، العالم يضغط لإنهاء مجازر غزة.
أُحرجت حكومات العالم لا سيما الأوروبية أمام شعوبها؛ فخرج الملايين مندّدين، وتراجعت نسبة مؤيدي الكيان الصهيوني.. هذا التحوّل الجذري في الرأي العام دفع دولًا كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى دراسة فرض قيود تجارية وحتى حظر تصدير الأسلحة لإسرائيل، وأصدر وزراء خارجية اثنتين وعشرين دولة ومسؤولون أوروبيون بيانا، قالوا فيه: «سكان قطاع غزة يواجهون خطر المجاعة بعد منع إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية»، وأضاف البيان أنه «يجب أن يحصل سكان غزة على المساعدات التي يحتاجونها بشكل عاجل»، مشدّدين على ضرورة عدم تسييس المساعدات الإنسانية إلى غزة مطلقا.
حمل تهور نتنياهو الدموي وتقديمه مصالحه الشخصية ومصالح الكيان الصهيوني على المصالح الأميركية، وتسعيره الحرب على غزة وشعبها بحجة القضاء على حماس وحماية «إسرائيل» وبسط سيطرته على كل فلسطين و… هرباً من مصيره الأسود بمساءلة الصهاينة ومحاسبته وتقديمه للمحاكمة، حمل ترامب على سياسة جديدة في الصراع العربي – الصهيوني.
حذّر مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حكومة الاحتلال، من التخلّي عنهم، في حال «لم تنتهِ الحرب» في قطاع غزة، على ما قالت صحيفة «واشنطن بوست»، 25/4/2025.
وطرد ترامب غلاة مؤيدي الكيان الصهيوني من الإدارة الأميركية.
نتنياهو و«إسرائيل» بحاجة للولايات المتحدة أكثر من حاجة الأخيرة له، فواشنطن توفر الأسلحة ومليارات الدولارات من المساعدات الأميركية دون مساءلة أو محاسبة والغطاء والفيتو في الأمم المتحدة، ودونها لا يمكن لـ«إسرائيل» في تفوّقها البقاء الحالي.
ومع ذلك استخفّ بكل رئيس أميركي وقوض السياسة الخارجية الأميركية وقت تطلّبت مصالحه الشخصية، وعارض علانيةً اتفاق إدارة أوباما مع إيران، ويحاول عرقلة المفاوضات الأميركية – الإيرانية.
مصلحة ترامب وبلاده تتضارب مع مصلحة العدو الصهيوني، وفي حساباته أجدى لترامب أن لا يضيّع وقته مع المتمرّد نتنياهو، فامتنع عن زيارة الكيان الصهيوني، وبدأ رحلته الخليجية بالمملكة العربية السعودية لتنسيق سياساته معها وهي المتمسّكة حتى اليوم بقيام الدولة الفلسطينية [تحاول «إسرائيل» تأخير قيامها ولكن ليس إلى ما لا نهاية] وفق مبادرة السلام العربية، ودول الخليج العربي استلحاقاً، وتوظيف استثماراتها في الولايات المتحدة، وتفهّم المصالح الإيرانية داخل حدودها الإقليمية والتفاهم معها و«احتوائها» فلا تعود «دولة مارقة ترعى الإرهاب» برفع العقوبات عنها وتقبل تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية فوق أراضيها.
تحركات ترامب هذه بعد ربط النزاع مع «أنصار الله» في اليمن، وإقامته نظاماً جديداً في سورية يماشي السياسة الأميركية ويطبع علاقات سورية مع العدو، ويزيد من ضغوطاته على الحكم في لبنان بعد تراجع نفوذ وهيبة «حزب الله» ومقاومته، واستغلاله المستجدات الأخرى في المنطقة، لصناعة سلام أميركي بذريعة أنه يؤمّن استقراراً في المنطقة، وبالاستقرار ازدهار اقتصادي مردوده الأكبر للولايات المتحدة، والمتضرر الأكبر منها هو الكيان الصهيوني وسيحاسب الصهاينة نتنياهو على ذلك.
انصرف ترامب وتفرّغ لاستمرار وزيادة ضغوطاته ومبعوثيه على لبنان باشتراط التخلص من سلاح حزب الله لوقف مسلسل الاعتداءات الصهيونية على لبنان، و للمساعدة في إعمار لبنان دون التطرق إلى انسحاب كامل للعدو من الأراضي اللبنانية المحتلة والإفراج عن الأسرى اللبنانيين.
واضح أن ما يقلق ترامب هو إمكانيات المقاومة الإسلامية في الدفاع عن لبنان وحفظ سيادته بعيداً عن السيطرة والنفوذ الأميركيين، وهو ما تفتقده الأنظمة العربية، وتفتقر إليه «حماس »، مما دفع ترامب كما العدو الصهيوني إلى تحجيم قوة المقاومة الإسلامية، عديداً وأعداداً وعتاد وإضعافها في أولى أولوياته لشرق أوسط جديد يحمل على التحصر على سايكس بيكو، أو الإعداد لمقاومات اعتاد وطننا العربي على أفرازها بعد كل انتكاسة، فـ«كل ضربة لا تميتنا تقوّينا».
هل ينجح ترامب في تحجيم وظيفة الكيان الصهيوني ولجم طموحات نتنياهو بلعب دور قدامى ملوك اليهود؟ أم ننتظر موجات الرفض الشعبي والعنف الثوروي؟
- مؤرخ وكاتب سياسي
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development