غياب البصيرة في زمن التحولات / قراءة في مشهد الشرق الاوسط ( المتغير ) . عماد العيسى

على الهواء مباشرة وسط اضواء الشاشات التي نقلت لحظة العدوان الاسرائيلية على المدن الايرانية انطلقت موجات صاخبة من التعليقات الموجهة والمبتهجة – ( يالله خليهم يذوقوا متل ماذقنا ) ( اللهم اضرب الظالمين بالظالمين ) وغيرها من الجمل المركبة . وهنا بدا المشهد العام وكأنها مباراة لكرة القدم سجل فيها فريق هدفآ في مرمى الخصم المصطنع منذ زمن ؛ ولكن الحقيقة المرة التي لم يعرفها هؤلاء ان هذا العرس الافتراضي انما في الحقيقة يكشف عن قصور خطير في الوعي وهنا هي نظرية ( كي الوعي ) التي عمل عليها لفترة زمنية ليست بسيطة ولكنها اثمرت ما اثمرت للأسف ، وعن تَبنٍّ ساذَج لعقلية «تصفية الحسابات» الطائفية التي لم تعد تَصلح حتى لخشبة مسرحٍ متهالكة. .
1 : مأتمٌ في ثياب عُرس
في لحظة الفرح الأجوف تلك، يتجاهل المُحتفِلون أنّهم يُصَفِّقون لعدوٍّ تاريخيٍّ يتربّص بالجميع. لقد انتهت صلاحية ما يسمى ديانة المسرحية, أي الاكتفاء بمشهدٍ دراميٍّ قصير يَظهر فيه العدو وهو يُسوِّي خصماً بالأرض، فيظنّ المشاهد أنّه انتصر. غير أنّ الصراع مع (إسرائيل ) ليس مسابقة ضربة بضربة، بل مواجهة وجودية تتجاوز الانتماءات المذهبية والحدود المُصطَنَعة.
2 : التوازن الإقليمي: ميزانٌ إذا اختلّ سقط على رؤوسنا جميعاً من منظور سياسيٍّ واستراتيجيّ، يشكّل الحضور الإيراني بكل ما له وماعليه أحد الأعمدة القليلة المتبقّية في معادلة الردع الإقليمية لذلك ان غياب الجمهورية الاسلامية الايرانية سينتج عنه :
1 : افراغ الساحة من منافسٍ ثقيل واساسي أمام المشروعين الأميركي والصهيوني، فيفتح المجال أمام إعادة رسم الخرائط بالقوة الناعمة والخشنة معاً.
2 : يُربِك اسلام آباد وأنقرة ؛ فتجِدان نفسيهما مكشوفتين أمام ضغوط الغرب في ملفات الطاقة والسلاح والحدود.
3 : يُضعِف الدول السُّنية قبل غيرها؛ إذ تُرغَم على مزيدٍ من الارتهان للضمانة الأميركية – الإسرائيلية، فيما تتزايد صفقات التطبيع مقابل حمايةٍ مُوهومة ظهرت بشكلها الحقيق وهي ان الدولة الوهمية التي كانت تسوق لنفسها انها ستحمي مقابل التطبيع المقترح هي بحاجة لمن يحميها وهذا ما يجري فعلآ .
4 : شرق أوسط على مقاس تل أبيب
أ. ممر داوود: من الأسطورة إلى الواقع لطالما حَلُم المخطِّطون الصهاينة بممرٍّ بريٍّ يبدأ من حيفا ويمتد عبر الجولان وشمال الأردن وصولاً إلى العقبة. بعيداً عن التصريحات الرنانة، فإن تدمير ما تبقى من النفوذ الإيراني – والروسي – في سوريا يحوِّل هذا الممر إلى مشروع جاهز للتنفيذ بقوّة الأمر الواقع هذا الممر يربط إسرائيل بالفرات، ويطوّق الحدود العراقية . يبدأ من شواطىء البحر المتوسط مرورا بالجولان ودرعا والسويداء، والرقة ودير الزور، والتنف ( مكان تواجد القواعد العسكرية الأمريكية حالياً ) حتى الوصول إلى نهر الفرات، ما يعني أن جزءاً كبيراً من تلك القواعد العسكرية الأمريكية موجودة بالأصل على طول هذا الممر.
ب. سحق الجنوب السوري
بعد تفريغ الجنوب من أي فصائل مقاومة، ستنشأ منطقة عازلة تُؤمِّن حدود الجولان وتسمح للجيش (الإسرائيلي ) بالانتشار شرقاً بلا كلفة سياسية تُذكَر، ما يعني فعلياً استكمال «صفقة القرن» على الأرض لا على الورق وبشكل فعلي .
ج. التضييق على تركيا وباكستان : لن تحتاج تل أبيب إلى حربٍ مفتوحة؛ يكفي تسويق أنقرة وإسلام آباد كـ«تهديد أمنيٍّ محتمل» لتُفرَض عليهما عقوبات وحصارات متتالية تُقلِّص الطموحات الدفاعية وهي من اقل الحقوق الدولية وتفرمل برامجهما الصاروخية والنووية.
د. شرعنة الاصطفاف العربي بزوال «التهديد الإيراني»، يصبح التطبيع الكامل مع الكيان سرديّة رسمية: «إمّا إسرائيل حليفاً أو إيران عدوّاً». وحين يزول العدوّ الأخير من المعادلة، يُصنَّف الإسلاميون داخل هذه البلدان خطراً داخلياً لا «غطاءَ» خارجياً له، فتُفتَح أبواب السجون على مصاريعها باسم «مكافحة التطرّف» وهناك تجارب سابقة .
4 : هل من يعتبر؟
أخطر ما في الأمر أنّ قسمًا من الرأي العام العربي يتعامل مع المشهد ــ حتى اللحظة ــ بروح السخرية. التعليقات على وسائل التواصل على سبيل المثال «فَلْيحترق الفُرس » وفي الحقيقة فمثل تلك السخرية تُخفي جهلاً مركَّباً: أولاً بطبيعة الأطماع الصهيونية، وثانياً بترابط الأمن القومي العربي والإسلامي. تصوَّروا شرق أوسطَ تُديره تل أبيب من البحر إلى النهر، بمعزلٍ عن أي قوّة إقليمية موازنة؛ كيف سيكون حال لبنان ومصر والخليج والاردن ؟ ومن يضمن أنّ حدود عام 1948 ستظلّ آخر ما يبتلعه المشروع الصهيوني الاستيطاني؟
5 : ما العمل؟
1 : إعادة تعريف الصديق من العدو : المشكلة ليست في حبٍّ أو بغضٍ مذهبي؛ المشكلة في مشروعٍ إحلاليٍّ يسعى لتفكيك المنطقة. الوعي لهذه الحقيقة هو الخطوة الأولى.
2 : تحسين أدوات الخطاب: لا يكفي أن نردّد شعارات «المقاومة»؛ يجب اعادة بناء السرديةً الجامعة لتتجاوز القوالب الطائفية، وتربط الأمن العربي بمفهوم «الأمة» لا بمفهوم الثأر.
3 : بناء خطوط ردعٍ بديلة: إن تراجَعَ محورٌ فيجب أن ينهض آخر؛ وإلا استُبيح الفراغ. المقصود هنا تعاونٌ دفاعي عربي–تركي–باكستاني–إيراني لا يقوم على الحبّ، بل على معرفة أنّ البديل هو الذوبان التدريجي حكمآ ولا يوجد بديل آخر .
4 : حماية الجبهات الداخلية: التخلّي عن ورقة الحركات الشعبية لصالح صفقاتٍ عابرة مشبوهة ووهمية ستؤدي إلى تفكّك النسيج المجتمعي وزيادة الاحتقان، وهو بالضبط ما يحتاجه الاحتلال ليقدّم نفسه ( واحة سلام )
ختامآ رحم الله الشيخ الدكتور فتحي يكن صاحب كتاب , يا ليت قومي يعلمون
وهنا لا بد من القول بأنه ليس أجوفَ من فرحٍ يَنشُر رقصةً سريعة على أنغام صاروخٍ عابر، بينما التهديد الوجودي يطرق أبوابنا جميعاً. فلتطوي الأمةُ جمعاء ( ديانة المسرحية) التي تُغذّيها منابر الكراهية المبرمجة ، ولتقرأ المشهد بلغة المصالح العليا، لا بلغة ( تصفية الحسابات). إنّ سقوط حجرٍ ثقيلٍ من ميزان القوى لن يَدفن تحت ركام ( الايرانيين ) وحدهم، بل سيُهلِك كلَّ من ظنّ أنّ نار العدوّ بعيدةٌ عن عَتبة بيته.
من يتمنَّ اليومَ الموتَ ليرتاح من رؤية الشرق الأوسط الجديد، فليعلم أنّ الأحياء وحدهم قادرون على منع قيامه؛ وما لم نفعَل، فسنبكي غداً على أطلال واقعٍ كنّا فيه شهود الزور على خراب بيوتنا بأيدينا
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development