المقالات

اعتداءات على السيادة البرية والبحرية والحكومة مستقيلة من واجباتها – بقلم: فادي شامية

النظام السوري يريد إثبات قدرته على التخريب عندما خرج مركب الصيد اللبناني الذي يقل الشبان الثلاثة كان تحت نظر المركز الحدودي السوري. كان واضحاً أن المركب خرج للصيد وقت خروج الصيادين، ومع ذلك أطلق الجنود السوريون النار عليه، قبل أن ينتهك زورق حربي سوري المياه الإقليمية اللبنانية بعمق 4 أميال بحرية، ويسحب المركب اللبناني براكبيه الثلاثة، وقد أصبح أحدهم ميتاً، والثاني مصاباً (الثلاثة من آل حمد؛ شقيقان وابن لأحدهما). وفيما بعد عثر على ماهر حمد (16 عاماً) ميتاً في أحد المستشفيات السورية!.

وفي حادث منفصل، في الليلة نفسها تعرض مواطنان لبنانيان آخران؛ أحدهما من آل السمرة والثاني من آل خضر، لإطلاق نار من الجهة السورية، ما أدى إلى مقتلهما على الحدود تماماً. لم تُعرف الملابسات بعد، وما زال ذووهم المقيمون في قرية داخل الأراضي السورية بانتظار تسليمهم الجثتين!.

في كلا الانتهاكين السابقين للسيادة؛ البحري والبري، لم تكن الدولة اللبنانية حاضرة، لا سياسياً ولا أمنياً، مع أن خرق السيادة في كلتا الحالتين جاء مضمخاً بالدم. لم يتحرك وزير الدفاع الحريص جداً على السيادة وأمن اللبنانيين، ولم يوجه وزير الخارجية إلى نظيره السوري رسالة احتجاج شديدة اللهجة، ولا رقيقة اللهجة، بل على العكس من ذلك تلقى “تعليمات” من السفير السوري في بيروت في كيفية ضبط الحدود، و”تمنيات” بضرورة وقف استيراد وبيع هواتف الثريا في لبنان، بحجة أن الناشطين يدخلونها إلى سوريا!.

ولأن الحكومة غائبة، بل أكثر من وزير فيها متواطئ مع النظام السوري على حساب سيادة بلده وأمنه ودم شبابه، ولأن عدداً من القوى التي تتشكل منها الحكومة تعمل ليل نهار من أجل دعم النظام السوري بأي ثمن، بما في ذلك توافدها على منزل أحد رموز “الحزب السوي القومي”، يوم الجمعة الماضي، أثناء استقباله أحد عمداء القمع في سوريا، وذلك للتشاور في كيفية الدعم الأمني والسياسي والإعلامي، ولأن القوى الأمنية؛ وعلى رأسها الجيش اللبناني متأثر بسياسة الحكومة الخاضع لها، بما يعني العجز عن الرد على انتهاكات السيادة-ولو استعراضياً- وإظهار القسوة بالمقابل تجاه تحركات النازحين، بما في ذلك اعتقال خمسة مصابين منهم يوم أمس على حاجز بريتال… لأن الواقع على هذا السوء، فقد تمادى النظام السوري في الاستخفاف بسيادة لبنان وأمن اللبنانيين.

ليس سراً في هذا المجال؛ أن الرئيس بشار الأسد يريد إثبات قدرته على زعزعة أمن المنطقة، ابتداءً من الخاصرة الرخوة؛ لبنان، وليس سراً أنه حاول فعل الشيء نفسه في الملف الفلسطيني، لكن وعي حلفائه السابقين المسيطرين فعلياً على الأرض في الداخل حرمه من هذه المقامرة، وليس سراً كذلك أن النظامين الإيراني والعراقي جاهزان للدعم بما يلزم لإقناع العالم بأن إسقاط بشار يعني زعزعة الاستقرار في المنطقة… هذا كله مفهوم ومتوقع أن يفعله من يرى أنه على وشك السقوط، لكن غير المفهوم أبداً أن ترضى حكومة “كلنا للوطن.. كلنا للعمل” بإدخال الوطن كله ليكون ورقة مقايضة للأسد، حتى ولو كان معلوماً أن الذي أراد لهذه الحكومة أن تولد هو النظام السوري نفسه.

بالعودة على الاعتداء على مركب الصيد اللبناني؛ ثمة من سيتبرع للقول إنهم كانوا يريدون تهريب السلاح، وربما يخرج أحدهم ليعترف على نفسه –كما اعترف الذين سبقوه إلى الاعتقال بملء إرادتهم الحرة- وفي الحد الأدنى سيقول حلفاء النظام السوري إن خطأً وقع، لكن الملابسات التي يعرفها أهالي المنطقة جميعاً أن المركب استُهدف عن سابق تصور وتصميم، وأنه كان سهلاً السيطرة عليه بلا إطلاق نار، وأن الأجهزة الأمنية اللبنانية “متعاونة” لو كان ثمة اشتباه في تهريب السلاح، ما يعني –استنتاجاً- أن إطلاق النار جرى بقصد توتير أجواء الشمال في لبنان، وخلق القلاقل، ودفع الناس للتصادم مع القوى الأمنية، والدعوة للتسلح لحماية نفسها، لا سيما في المناطق الحدودية.

وما هو أخطر في هذا الإطار؛ عمليات التسليح الواسعة والمؤكدة في عموم الشمال من قبل أنصار النظام السوري، بل عمليات المراقبة والاستعلام الجارية بحق نواب في البرلمان اللبناني بانتظار لحظة ما، وهذا كله معناه مخطط لتفجير الوضع وليس أخطاء ولا حتى مجرد استخفاف بالسيادة اللبنانية.

إزاء ذلك كله؛ فإن الصمت على تواطؤ الحكومة لم يعد مقبولاً، خصوصاً أن الحكومة نفسها لم تعد قادرة على إقناع نفسها بنظرية “النأي بالنفس”، إلا إذا كان معنى النأي بالنفس أن يُقتل الإنسان ويقول لقاتله قبل قتله: “لا بأس عليك فأنا أنأى بنفسي عن الدفاع عن نفسي”!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى