كي لا ننسى

الكيان الإسرائيلي… حتّى في ديمقراطتيهم عنصريّون؟! هشام منوّر- باحث وإعلامي – الاردن

ما من شكّ أنّ الكيان الإسرائيلي لا يزال يعيش تحت وقع الذعر الذي خلّفه الحراك الشعبيّ العربيّ وثوراته التي اجتاحت العالم العربيّ في أكثر من دولة عربية، ورغم أنّه لطالما باهى وفاخر بكونه “واحة الديمقراطية” في الشرق الأوسط، بالاستناد إلى ممارسة ناخبيه لحريّة التعبير وإجراء الانتخابات الديمقراطية لاختيار حكوماته وزعماته السياسية، إلا أنّه ومنذ اندلاع موجة الثورات العربية، التي بشّرت بانتفاض الشعوب العربية ضدّ أنظمتها الديكتاتورية، ورغبتها بإنجاز تغيير ديمقراطي حقيقي على حياتها السياسية، تبدّل الحال في الكيان الإسرائيليّ تماماً إلى درجة أن تنتقد وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، الكيان الإسرائيلي، وتبدي مخاوفها من تفشي عدوى الاستبداد والتسلّط التي نافح العرب طويلاً للتخلّص منها!
انتقادات لا سابق لها، وجّهتها وزيرة الخارجيةِ الأميركية، “هيلاري كلينتون” لإسرائيل، أعربت فيها عن خشيتِها على مستقبل نظامِها الديمقراطي عقِب المحاولات التشريعية في الكنيست، ومحاولاتِ إقصاء النساء عنِ المراكز العامِّة التي تذكرها بإيران، على حدّ تعبيرها.
وزير الداخلية الإسرائيلي، إيلي يشاي، من حزب شاس المتشدّد، لم ينكر مواكبة حكومته والكنيست المهيمن عليه من قبل تيّارات متطرّفة، لموجة التشدّد داخل الكيان الإسرائيلي، ولم يدافع عن مواقف حكومته أمام كلينتون، بل ذهب إلى القول: “حين يقوم الكنيست بتشريع قوانين، فإنّه يفحص كلّ شيء بعمق. ودولة إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرقِ الأوسط”.
اعتبار الكيان الإسرائيلي وزعمائه أنفسهم الديمقراطيين الوحيدين في المنطقة وربما في العالم، لا يكشف عن حجم الصلف والعنجهية التي يمتاز بها هذا الكيان المأزوم، بقدر ما يكشف استطلاع للرأي أجري مؤخراً عن مدى العنصرية التي يتمتع بها ناخبوه المتمرّسون في ألاعيب الديمقراطية وأحابيلها التي لا تأتي إلا بالمتطرفين منهم إلى هرم السلطة!؟
ووفقاً لاستطلاع للرأي العام الإسرائيلي، أجرته صحيفة “جيروزليم بوست” حول أهم وأكبر قضية في عام 2011 بالنسبة للإسرائيليين، جاءت النتائج على النحو التالي: في المرتبة الأولى الربيع العربي بنسبة 55% من المصوّتين، وحلّ التهديد النووي الإيراني في المرتبة الثانية، وفق تصويت 23%. وبحسب الصحيفة، فمع بزوغ فجر جديد في الشرق الأوسط مع الربيع العربي، كان ثمّة القليل من التصفيق في “إسرائيل”، فالإسرائيليون لا يريدون رؤية جيرانهم العرب في مجتمعات ديمقراطية مزدهرة، فـ”إسرائيل” تقع في قلب الشرق الأوسط وعلى دراية بالمدّ الإسلامي الذي يرتفع تدريجياً في جميع أنحاء المنطقة.
واعتبر عدد من المراقبين الإسرائيليين أن المفاجئات والتغييرات في المنطقة من غير المرجّح أن تجلب قوى ديمقراطية معتدلة، بحسب رأيهم، ولكنّها فتحت الباب لتطلق العنان للأيديولوجيات والحركات المتعصبة التي كانت منذ عقود تحت وطأة الدول القمعية. وبحسب المحلّلين الإسرائيليين، فإن الربيع العربي سيتحول إلى شتاء إسلامي مظلم، وأهم دولة عربية هي مصر التي أكملت مرحلتين من الانتخابات من أصل ثلاث ونجحت الحركة الإسلامية “الإخوان المسلمين” في المرتبة الأولى، بينما حلّ حزب النور السلفي “الأكثر تعصباً”، بحسب تعبيرهم، في المرتبة الثانية، أمّا الليبراليون والعلمانيون واليساريون، فلم يأخذوا سوى ومضة صغيرة على شاشة الرادار، ولن يكون لديهم أيّ رأي في مسار مصر في هذه المرحلة من التاريخ.
ونتيجة لذلك، فإن “إسرائيل” الآن تعد نفسها لحكّام مصر الجدد، وهم الإخوان المسلمين؛ نفس الحركة التي أنشأت حركة حماس التي تدير حالياً “النظام الإرهابي” في غزة، على حدّ تعبير الصحيفة.
وفي المقابل، فإن الجيش المصري، المؤسسة الوحيدة التي يمكن أن تختبر الحكومة الإسلامية، ولكنه لا يحظى بشعبية، وبحسب التقديرات، فإن الجيش الذي يكافح من أجل البقاء في السلطة، إذا فشل كقوة سياسية، فإن مستوى معاهدة السلام مع “إسرائيل” سينخفض وسندخل في هدنة غير مستقرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن نفس السيناريو ممكن أن يتكرر مع الأردن ولكن باحتمالات أقل، الديوان الملكي الهاشمي يحظى بشعبية أكبر من حسني مبارك ولكن كما ظهر في عام 2011 من المستحيل أن نتوقع ماذا سيحدث غداً، عندما جاء الإسلاميين إلى السلطة في تونس، والمغرب، وانهيار أنظمة إقليميّة قديمة.
وفي الشمال، توجد سوريا، حيث تفجرّت الأحداث واقتربت البلاد من حافة الحرب الأهليّة، بالتأكيد يجب على “إسرائيل” أن تراقب ترسانة الأسلحة التي تملكها دمشق بما فيها صواريخ تحمل رؤوس كيماوية التي يمكن أن تصل إلى حزب الله. وبحسب المراقبين فإن انهيار نظام بشار الأسد سيجلب نتائج مختلطة من المنظور الإسرائيلي:
الخبر السار، هو أن الحليف الموالي لإيران والراعي الرئيس لحزب الله سيختفي من المشهد، وسيحدّ ذلك من قدرة إيران على نقل الأسلحة إلى وكيلها “الشيعي” في جنوب لبنان والذي سيتضرّر بشدة، وسيكون الحدّ الأدنى لنفوذ إيران في الشرق الأوسط. أما الخبر السيئ، فهو أن حكومة سنيّة إسلامية قد تحلّ محل الأسد، وستنضم إلى القوى الإسلامية الأخرى في المنطقة بما فيها مصر.
ووفق الجيرزوزليم بوست، فإن الأكثر إحباطاً هو عدم قدرة حماسة الربيع العربي على اختراق إيران، حيث أن المعارضة لا تزال تضمد جراحها بعدما تعرّضت للضرب من قبل السلطة الرسمية في 2009. وفي وسط هذه الاضطرابات، فإنّ إيران لا تزال تسابق الزمن للحصول على سلاح نووي، والوقت ينفذ بالنسبة لـ”إسرائيل” لاتخاذ قرار بشأن كيفية المضي قدماً لمواجهة هذا المشروع، وفي مثل هذه البيئة غير المستقرة، فإن خيار توجيه ضربة عسكرية لبرنامج إيران النووي أصبح أكثر تعقيداً.
عنصرية الكيان الإسرائيلي إزاء ما يحصل حوله من تحرّكات شعبية أعادت إلى الواجهة بعض القوى السياسيّة التي كانت مغيّبة عن المشهد السياسيّ بفعل قوى القهر والكبت والاستبداد، كما في مصر وتونس وليبيا، يمكن تفسيرها برغبته في ممارسة الحدّ الأقصى من الضغوط على مسارات الثورات العربية لحرفها عن بوصلتها لمصلحته وخدمة للقوى التي كانت متحالفة معه، أو عندها استعداد للتحالف معه مستقبلاً، بما يؤكد ويثبت أنّ شعارات الديمقراطية وواحتها الغنّاء التي لطالما تغنى بها الكيان الإسرائيلي ما هي إلا سراب يحسبه الظمآن ماء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى