متى تعود …؟! بقلم أسامة يوسف العويد
في” حي البهاء” الذي يقع على احدى تلال لبنان الشمالي..مكثت أترقب وأنا في السادسة عشر من عمري,”رامي” الشاب الذي عرفه الحي بأخلاقه وأحبه الصغير والكبير وأعطى بإبتساماته جرعات من حب لكل من التقى به أو لمحه…
“ماغي” الفتاة البلورية التي كانت تتصف بجمال الاخلاق الذي ما كنت أجد له مثيل ايامها الا في أخلاق رامي..كنت أراهما زوجين في شاشة المستقبل القريب..
علمت في احدى الايام من احدى الاقرباء لـ”رامي” أنه معجب بـ “ماغي” وينوي التقدم اليها بالزواج…
وبعيد شهرين أو ما يزيد..علمت بأن “رامي” قد تقدم للزواج من “ماغي” ..الا أن الصدمة كانت بإنتظاره وكان الرفض من الأب لأسباب شخصية جواب واحداً لا يخالطه ثانٍ…
مرت الايام لتطوي شهور وتطوي الشهور سنين ويكبر الحب بين الطرفين ولا حلحلة في الافق..
بعد سنيتين من قصتي هذه شاء القدر بأن تعرفت الى “رامي” الشاب المولع وأصبحت من المقربين اليه وبدأت أتعرف الى تفاصيل حياته…ولعل أبرز ما شعرت فيه ذاك التواضع في شخصيته…كان يعاني من قلة في المال..ويبحث عن وظيفة بعدما تخرج من جامعته…وكانت “ماغي” تتواصل معه عبر أمها التي كانت تحب رامي جداً..
خمس سنين من الصبر ويأتي اليوم الذي تتغير فيه أحوال “رامي”…يجمع أصدقائه في حرِّ يوم من شهر آب في احدى المخيمات الكشفية ويقول لهم..”أرجو منكم اليوم الدعاء لي كثيراً فأنا بصدد التقدم لوظيفة مهمة ومنصب رفيع المستوى”..
كان الاصدقاء من حوله ينسونه كل آلام الحياة وصبرُ العشق الدافئ..كانوا له عوناً..سكناً..ومعيناً على تعب وضيق قد ألم به..
بعد مرور شهرين من ذاك اليوم يقبل “رامي” في وظيفته وينتقل الى مكتبه الفخم والمنصب الرفيع..يدخل اليه الاصدقاء يباركون له ويفرحون بهذا الاخ الذي لطالما تمنو له كل السعادة والهناء..
لم يمض طويلاً على استلام المنصب ويتقدم من جديد الى الزواج بـ”ماغي” التي كانت تضرع ليلاً نهاراً الى الله وتسأله أن يكرمها بـ”رامي”..
..قبل الاب وتحقق الحلم المنشود لـ”رامي” و”ماغي” ودخلا بيت الزوجية..
فرح الاصدقاء من حول رامي بزواجه..هنأه الجميع..ومرت الايام بهناء..
قدر الله لي في هذه الايام أن أغيب لفترة عن الانظار بسبب عملي,وتنقطع أخبار العروسين عني وأخبار الحي..لأعود بعدها..وأصعق بما أرى..
…على نفس الطريق الذي كان رامي يسير بقدمين نحيلتين كنت أمشي قرب منزلنا..سيارة سوداء قد بدا عليها الفخامة والرفاهية تمر بسرعة بقربي..وتقف سريعاً..تُفتح النوافذ ويظهر لي شاب وسيم يضع نظارات سوداء بقربه سيدة ماثلته في النظارات..نظرت قليلاً..وقلت:”آه..من رامي”..اقتربت منه واذا به هو وزوجته…سلم عليّ ولكن..كان سلاماً بارداً أنسى ذاكرتي عبق السنين..وصداقة ومرارة الأيام الخوالي..ثم قال لي:”أراك لاحقاً أنا مشغول جداً..”وانصرف…
تابعتُ سيري ولكن بخطى ثقيلة وأخذتْ ذاكرتي تعيد لي الاحداث..ماذا حلّ بـ”رامي” و “ماغي” هلى منصب وسيارة أنسياه حرّ الشمس وحلاوة الصداقة…أين جمال الذكريات وأين صبر السنين وأين الاصدقاء..
سريعاً قررتُ أن أستفسر عما جرى” ببطليّ قصتي” أخرجت هاتفي واتصلت بأحد الاصدقاء المقربين من رامي..
..أغلقت ببطئ هاتفي بعدما أخبرني “أحمد” وهو صديق مقرب جداً من رامي أن الايام قد تبدلت وأن “رامي” بات لا يهتم بأصدقائه ولا يستقبلهم في مكتبه ولا يزورهم وأن “ماغي” باتت لا ترى الا في المناسبات الرفيعة المستوى وباتت فتيات الطفولة لا تعني لها شيئ …
…ربما هي الحياة..ربما المنصب..ربما المال..حلّ القدر ولم أستطع فعل أي شيئ أمام مشهدي هذا…
وبعد أيام قررت العودة الى عملي وترك الحي مجدداً ولكن هذه المرة بدون ذكريات..أو بذكريات أليمة..قررتُ أن ألقي سلام الوداع على صديق الطرقات والحر والدعاء…”رامي”..دخلت الشركة التي ترأسها..فأشار لي أحد الموظفين أن المدير في مكتبه..انتظرتُ قليلاً حتى أذن لي بالدخول..أذكر كيف كان يدخل بيوت أصدقائه ليلاً نهاراً..كانت زوجته “ماغي بقربه” تدير له الأمور وتنسف له أجمل لوحات أخوية خطها منذ سنين…سلمتُ عليه فقابلني ببرودة..ورحتُ أقول :”الدور والقصور..أنستك القبور..أنستك حر الشمس في أيام ملأتها الزهور.. كنت لا ترى فيها الاّ وأصدقاؤك من حولك…النعيم أنساك الابتسامة..وانت يا “ماغي” هل سيارة سوداء جعلتك لا ترين وأنت كنت تخرجين من صباح لمساء مشياً حتى تدخرين المال وتعينين “رامي” حتى تتزوجين…لقد علمت أنك هجرت الحي وعلمت أن المال قد أرخى ظلاله عليكم وأنساكم ما أنساكم..بئس الحياة حياتكم..نعم الحياة حياتهم”…ختمتُ كلامي بالسلام وخرجت من المكتب وأنا أقول..”رامي” و”ماغي” ان كان المال قد أنساكم شوارع السعادة وصحبة الفقراء والمساكين ,فبوركت لكم القصور والدوروللفقركم المنسي أقول..:”متى تعود.. حتى ننعم بذاك الزمن المفقود..”.
قصة واقعية…أسأل الله” لبطلي” قصتنا هذه عودة سليمة لمرتع الصداقة الوفية..
بقلم أسامة يوسف العويد
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development