المقالات
شعبة” المعلومات: إنجازات أكبر من الافتراءات (6)الأستونيون السبعة بقلم: فادي شامية-
لمجموعة التي تولّت خطف الأستونيين ليست نفسها المجموعة التي تسلمتهم واحتجزتهم لاحقاً، وأن المجموعة الأولى قامت بعملية الاختطاف لقاء مبالغ مالية، وأنها لا تعلم من هي الجهة الخاطفة، وأن تحليل “داتا” الاتصالات الهاتفية تفيد بأن قائد المجموعة الأولى التي تولت عملية الاختطاف هو وائل عباس (مطلوب بجرم قتل عسكريين وجرائم أخرى)،
وأنه سلّم الأستونيين إلى المجموعة الثانية في مجدل عنجر، مساء يوم 23/3/2011، ومنذ ذلك الحين لم يعد يعرِفُ شيئاً عن المختطَفين. في أثناء بحثها عن المجموعة الأولى؛ تعقبت “شعبة” المعلومات المطلوب أدهم خنجر (متهم بقتل الرائد في الجيش عبدو جاسر والرقيب زياد الميس في 21/2/2011)، واشتبكت بالنار معه، ما أدى إلى استشهاد المؤهل أول؛ راشد أيوب صبري (10/4/2011)، ومقتل درويش خنجر الذي كان برفقة وائل عباس ومحمد ظريفة، على الأرجح. على أثر التحريات والتوقيفات اللاحقة، تمكنت “شعبة” المعلومات من تحديد أعضاء المجموعة الأولى، وهم: وائل عباس، وأدهم خنجر (قُتل في المواجهة مع “المعلومات”)، وكنان ياسين، ومنير جلول، والسوري محمد أحمد المعروف باسم محمد ظريفة. وهكذا أوقفت أو قتلت “شعبة” المعلومات عدداً من المتورطين بعملية الاختطاف أو الذين سهّلوها (بلغ عدد المدعى عليهم في هذه القضية في حينه 11 شخصاً أحيلوا إلى القضاء العسكري في 8/4/2011 بينهم 7 موقوفين، بتهمة: “إقدامهم بالاتفاق والاشتراك في ما بينهم على خطف سبعة أشخاص من الجنسية الأستونية، بقوة السلاح، وإخفائهم في مكان لا يزال مجهولاً حتى تاريخه. كما أقدموا على إطلاق النار من أسلحة حربية غير مرخصة باتجاه دورية من شعبة المعلومات أثناء مطاردتهم، ما أدى إلى إصابة الدركي محمد فواز برصاصتين في رجله”). تكثف بعد ذلك العمل للوصول إلى المجموعة الثانية (جهة الخطف الأساسية)؛ حيث شكّلت الرسائل الإلكترونية الثلاث التي أرسلها الخاطفون (اثنان منها نُشرت، والثالثة سُلمت لأهالي المخطوفين) مادة جيدة لتقصي أثر هذه المجموعة، حيث تبين أن مصدر المراسلات هو سوريا، رغم أن مرسليها حاولوا التلاعب بعنوان بروتوكول الإنترنت لتظهر الرسالة وكأنها مرسلة من أوروبا. كما توفرت دلائل لاحقة تفيد بأن الأستونيين قد نُقلوا إلى منطقة قريبة من عرسال ما بين الحدود اللبنانية-السورية، وقد نُقلت هذه الاستنتاجات جميعها إلى السلطات الأستونية والفرنسية، لتكون على بينة بالجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية اللبنانية. أستونيا تختار التفاوض!منذ أن اطمأن الخاطفون إلى وضعهم بدأوا بإرسال إشارات التفاوض، لكن اللافت في الشريط الأول الذي ظهر فيه المخطوفون؛ أن الأستونيين طلبوا من فرنسا -وليس من أستونيا- التدخل لإنقاذهم! (فضلاً عن الملك عبد الله بن عبد العزيز والعاهل الأردني والرئيس سعد الحريري!). شكّل ذلك إشارة واضحة إلى طلب تدخل فرنسي في الموضوع، وهو ما حصل بالفعل.في 5/5/2011 وخلال اجتماع ممثلي الدول الأوروبية لبحث العقوبات على النظام السوري، جراء قمع المحتجين، ظهر موقف لافت للغاية لأستونيا؛ إذ طالب ممثلها بسحب اسم الرئيس السوري بشار الأسد من قائمة الشخصيات المعاقَبة، معللاً ذلك بوجود رهائن لها؛ خطفتهم جهة على صلة بالنظام السوري!. أعقب ذلك بعشرة أيام (15/5) موقف لافت لوزير خارجية استونيا أورماس بايت أشار فيه إلى طلب المساعدة من الحكومة السورية في كشف مصير المخطوفين. بعد أيام على طلب المساعدة هذا؛ أرسل الخاطفون شريطاً مصوراً جديداً إلى أهالي المخطوفين هذه المرة، الأمر الذي اعتبرته وزارة الخارجية الأستونية “إشارة إلى رغبة الخاطفين بالوصول إلى حل”!. بدا واضحاً إذاً؛ أن الرغبة في التفاوض مع الخاطفين تنتظر الاتفاق على الآليات، وأنها رغبة مشتركة في الأساس، طالما أن الأجهزة الأمنية اللبنانية عاجزة عن تحرير المخطوفين بالقوة. مع نهاية شهر حزيران الماضي؛ فتح الأستونيون بمساعدة من الفرنسيين خط اتصال مباشر مع جهة قدّمت نفسها على أنها “يمكن أن تساعد في الحل”. وقد وصل وزير الخارجية الأستوني أورماس بايت إلى بيروت لمتابعة هذا الاتصال. (صرح وقتها أن “السلطات اللبنانية تمتلك معلومات أن المخطوفين السبعة ما زالوا على قيد الحياة”!). بعد نحو ثلاثة أسابيع من التفاوض أُبلغت السلطات اللبنانية أن اتفاقاً قيد الإنجاز مع جهة “تساعد في الحل”، وأن هذه الجهة اشترطت عدم تدخل السلطات اللبنانية أو أي من الأجهزة الأمنية اللبنانية!. كان ذلك قبيل عقد اجتماع بين وفد فرنسي و”الوسيط” في البقاع، جرى خلاله الاتفاق على إطلاق المخطوفين السبعة. مع فجر 14/7/2011 انتقل الأستونيون من الأسر إلى الحرية بعد تركهم مقيدين قرب بلدة الطيبة في البقاع، وفي يد أحدهم مقص ليفك القيود ويتصل عبر الجهاز الخلوي الذي تُرك معه، بالرقم الذي سيجيب عليه الطرف الفرنسي الذي سيستلمهم. ثمن إطلاقهم – كما عُلم فيما بعد- كان فدية مالية دفعها الأستونيون عبر الفرنسيين، بعدما زالت الموانع السياسية، وقد قضت الصفقة –التي لم تكن الأجهزة الأمنية اللبنانية ولا وزارة الداخلية طرفاً فيها- أن لا يتواجد أي جهاز أمن لبناني خلال العملية، ولا سيما “شعبة” المعلومات، علماً أن السلطات الأستونية لم تكن قادرة حتى على التفاوض؛ لو لم توقف “شعبة” المعلومات عدداً من الخاطفين وتزود نظيرتها الأستونية بنتائج التحقيقات (أعلن وزير الخارجية الأستوني أورماس بابيت قبيل وصوله إلى بيروت لاستلام مواطنيه أن عملية إطلاق مواطنيه “تمت بمساعدة فرنسية وألمانية وتركية مع جهات أخرى … وحصلت على الأراضي اللبنانية”). ولم تمر ساعات على عودة المخطوفين إلى بلادهم حتى صرّحوا بأنهم كانوا في: “ثلاثة مواقع سرية مختلفة من قبل ثمانية إرهابيين، في لبنان وسوريا. وفي إحدى الفترات أقمنا جميعاً في نفس الغرفة مع الخاطفين الثمانية الذين كانوا يحملون رشاشات كلاشنيكوف”. (تلقى اللواء أشرف ريفي فيما بعد كتاباً من مدير عام شرطة أستونيا أبغيو إيغ، أعرب فيه عن خالص تقديره لما بذلته قوى الأمن الداخلي من جهد في القضية). الملف بقي مفتوحاً لدى “المعلومات”لم يتوقف عمل “شعبة” المعلومات في هذا الملف بعد تحرير الأستونيين السبعة؛ فبتاريخ 11/9/2011 اقتربت “شعبة” المعلومات من أحدهم وكادت أن توقفه، لكنه تمكن من الفرار بعد تبادل إطلاق النار. بعد ذلك بخمسة أيام (16/9/2011) تعرضت إحدى دوريات “شعبة” المعلومات لكمين مسلح في محلة جلالا، ما أدى إلى إصابة رتيبين أحدهما إصابته بالغة. وبنتيجة التحقيقات تبين أن المجموعة نفسها قامت بنصب الكمين بعد قيام أفرادها بسلب سيارة من محلة جب جنين، بغية استعمالها في تنفيذ العملية، ثم عمدت المجموعة إلى إحراق السيارة بالقرب من مكب النفايات في بلدة جب جنين. تمكنت “شعبة” المعلومات من التعرف على السيارة التي يستعملها أفراد المجموعة (شيروكي ليبرتي لون أسود سُرقت من محلة خربة قنافار بتاريخ 31/8/2011)، فتبين أن مستقليها قاموا بعمليات تخريب لعدة مزارات دينية في منطقة عمّيق ومحيطها. وفي ليل 19-20/9/2011 رُصدت السيارة المذكورة على طريق عام راشيا، فأقامت “شعبة” المعلومات في محلة طريق عزة – قضاء البقاع الغربي حاجزاً لتوقيفها، ولما اصطدمت سيارة الشيروكي بالحاجز حاولت تخطيه بالقوة، فحصل تبادل لإطلاق النار، ما أدى إلى مقتل شخصين كانا بداخل السيارة على الفور، وإصابة عنصرين من رجال “الشعبة”، وما لبث أن تبين بأن القتيلين من الأفراد الرئيسيين في عملية خطف الأستونيين، وهما: كنان ياسين ومنير جلول. وبتفتيش السيارة عثر بداخلها على أسلحة وقنابل يدوية وأقنعة ومستندات عائدة لأشخاص تعرضوا للسلب، كما دوهمت الشقة التي كان يستعملها المذكورون، وعُثر بداخلها على أسلحة وقنابل وصواعق كهربائية. غداة كشفه عن العملية مشيداً بـ “شعبة” المعلومات؛ كشف وزير الداخلية مروان شربل في اليوم التالي أن الخاطفين كانوا يخططون لعملية خطف جديدة، بعدما ثبت حصولهم على فدية مالية مقابل الإفراج عن الأستونيين السبعة في تموز الماضي. كان هذا التصريح أول خروج عن التكتم الذي اعتمدته الأجهزة الأمنية اللبنانية ووزير الداخلية بالذات حول الصفقة التي حررت الأستونيين، وهو تكتم دفعت إليه أسباب كثيرة، من أهمها أن السلطات اللبنانية أو الأجهزة الأمنية لم تكن طرفاً في الصفقة، ولا أحيطت بتفاصيلها كاملةً. ويبدو أن ظروفاً سياسية طرأت منذ وقوع عملية الاختطاف إلى لحظة تسليم الخاطفين؛ سهّلت إطلاق سراح الأستونيين السبعة، فالعملية بالأساس كانت موجهة ضد من اعتقد الخاطفون أنهم فرنسيون، فأرادوا خطفهم لتحقيق أهداف لها علاقة بـ “الجهاد” (إما فدية وإما المساومة لإطلاق سراح موقوفين)، لكن العثرات كانت كثيرة، وقد دخل غير طرف على الخط، وبالدرجة الأولى السوريون، الذين طلبوا من “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” (فصيل فلسطيني تابع لسوريا سياسياً) المساعدة على الحل، بعد تصاعد الاحتجاج الدولي على الاعتداء من قبل محتجين على السفارتين الفرنسية والأمريكية في سوريا. قائد الخاطفين والثقة الزائدة بالنفس!مع وصول ملف الأستونيين إلى خاتمته السعيدة، ومعاقبة جميع المتورطين في تنفيذ العملية (اعتقالاً أو قتلاً)، بدت “شعبة” المعلومات مرتاحة لما أنجزته، لكن بقي شخص واحد مطلوب القبض عليه حياً أو ميتاً؛ إنه رأس مجموعة الخطف وائل عباس. أعدت “شعبة” المعلومات ملفاً كاملاً عن عباس؛ من هو، وماذا فعل، وأين يقيم، وحوّلته إلى السلطات السورية، طالبةً تسلمه باعتباره موجوداً فوق أراضيها ومطلوباً في جرائم متعددة (مسؤول عن عمليات قتل وسلب وعن متفجرة زحلة وتخريب المزارات في الكنائس في البقاع الغربي وعين الرمانة والشياح أيضاً)، وملاحقاً من قبلها ومن قبل مخابرات الجيش، وفي رقبته دماء أمنيين وعسكريين… فضلاً عن تورطه بملف الأستونيين السبعة. جاء الجواب من سوريا أن عباس لا أثر له. وبالفعل فقد تبين لاحقاً أن عباس الموجود في سوريا كان يتنقل بجواز سفر فنزويلي مزور وباسم كاذب، مما يجعل عملية توقيفه بناءً لأوراقه الثبوتية –أي دون التعرف عليه- صعبة. فرار عباس لم يدم طويلاً؛ فبعد أن انتقل إلى الدوحة عن طريق مطار دمشق في طريقه إلى البرازيل، في شهر أيلول 2011، مستخدماً جواز سفره الفنزويلي المزور، باسم شخص من عائلة الفليطي من منطقة عرسال؛ دخل مكاناً يُمنع فيه التدخين ليشعل سيجارة، فتلاسن مع شرطي في المطار؛ يبدو أن عباس كلمه بفظاظة، فما كان من الشرطي إلا أن أوقفه، وقام بالإجراء المعهود في الحالات المشابهة، وهو التأكد من صحة جواز السفر، وإعادته من حيث أتى. اكتشفت السلطات الأمنية القطرية أن جواز السفر مزور، فكبّلت عباس وأعادته إلى دمشق، وبما أن عباس لبناني فقد أعادته السلطات السورية إلى لبنان ظناً منها أنها تعيد لبنانياً من آل الفليطي، ووفقاً للإجراءات المعهودة فقد تسلّمه الأمن العام اللبناني على هذا الأساس، لكن إرسال صورته إلى “شعبة” المعلومات عن طريق الأمن العام كان كافياً لكشف الحقيقة: الفليطي هو عباس المطلوب الأول. وعليه؛ فقد تسلّمت “شعبة” المعلومات وائل عباس، بعدما أوقعته ثقته الزائدة بنفسه، فأتت به مكبلاً من الدوحة إلى بيروت. حققت “الشعبة” مع عباس مدة ثلاثة أيام، ثم أحالته على القضاء المختص في 5/9/2012، طاويةً بذلك الملف. في ملف الأستونيين قدمت “شعبة” المعلومات، أقصى ما تستطيع، وهي نجحت إلى حد كبير في تحديد المتورطين، وتوقيفهم أو قتلهم، وقدّمت في سبيل ذلك شهداء وجرحى… وذلك بغض النظر عن سبيل التفاوض الذي اعتمدته أستونيا وفرنسا، بقرار منفرد ولاعتبارات خاصة، من أجل الحصول على المخطوفين!.
اللواء-
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development