المقالات

تَأَمُّلَاتٌ وِجْدَانِيَّةٌ مَا بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَلْفُ سُؤَالٍ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِبِقَلَمِ: أ.د.غَازِي مُنِيرِ قَانْصُو

صَنَعْنَا، بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى وَرِعَايَتِهِ، وَالْحَمْدُلِلِهِ، أَمَانَيْنَا بِالْقُلُوبِ الصَّافِيَةِ، مَعَ أنّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ اهْتَزَّتْ مَبَانِي ثِقَتِنَا بِهِمْ. فَكَيْفَ يَتَحَوَّلُ الْمَرْءُ مِنْ رَدِيفٍ لَكَ فِي الضَّوْءِ، ثُمَّ يُصْبِحُ عَلَيكَ خَصْمًا فِي الظَّلَامِ، بَلْ يُحَاوِلُ أَنْ يُطْفِئَ الضَّوْءَ مِنْ حَوْلِكَ، كَأَنّمَا لَا يُرِيدُ لَكَ إلَّا سُوءَ الْحَالِ وَخَرابَ الْمَآلِ.

حَاوَلْنَا أنْ نُحَقِّقَ آمَالَهُمْ فِيمَا يَأْمُلُونَ، وَجَدْنَا أَنْفُسَنَا يَائِسِينَ، بَعدَ أن كَسَروا آمالَنا بِهِم، كَانَ يُؤَرِّقُنَا سُؤَالٌ هَلْ هُمْ يَتَفَهَّمُونَ امْ لَا يُرِيدُونَ إصغَاءً وَلَا اسْتِمَاعًا الَى صَوْتِ الْبَيَانِ؟ يَا صَاحِ، لَيْسَ مِنْ السَّهْلِ أَنْ تَضِيعَ الْأَحْلَامُ الطَّيِّبَةُ، وَلَا مِنْ السَّهْلِ انْ يَعُودَ الْحَالُ الَى مَا كَانَ بَعْدَ جُرْحٍ بَعْدَ الْتِئَامِ؟

فِي مِحَكِّ قَسْوَةِ الْحَيَاةِ، نَبْحَثُ عَنْ حَقِيقَةٍ تَسْتَحِقُّ أَنْ نُحْيِيَهَا، فَلَا أَجِدُ الًّا حَقِيقَةَ الِايْمَانِ، وَلَكِنْ مَا الِايْمَانُ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ عَمَلًا بِصَالِحِ الْأَرْكَانِ؟ هُوَ هُرَاءٌ كَمَسجِدِ ضِرَار،. لِأَنَّ الِايْمَانَ مَا كَانَ الًّا صِدْقًا فِي الْحَدِيثِ، وَأَدَاءً لِلْأَمَانَةِ، وَمَقَامًا بِلَا ذِلَّةٍ، وَرِفْعَةً بِلَا كِبْرِيَاءَ، وَأَخْلَاقًا مُفْعِمَةً بِالرَّحْمَةِ، وَقلبًا مليئًا بالْمَحَبَّةِ، وَسخاءً بالْعَطَاءِ، وَوجهًا بالْحَيَاءِ، وًالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَعَدَمِ النُّكْثِ فِي الْوَعدِ، هُوَ مَسِيرَةٌ فِي صَلَاحٍ، وَعَمَلٌ مَعَ رَجَاءِ الْقَبُولِ.

غَرِيبٌ، أنْ يُحَاوِلُ أحًدُنَا أَنْ يُلْغِيَ السُّدُودَ، فَيُبَادِلُونَهُ بِمَحْوِ جَمَالِ الْوُجُودِ. مَنْ هُوَ هَذَا الَّذِي لَا يَطرِبُ لِهُطُولِ الْمَطَرِ؟ مَنْ هُوَ هَذَا الَّذِي لَا يُجِيزُ لِلنَّاسِ أَنْ يَنَالُوا مِنْ ثَمَرَاتِ الشَّجَرِ؟ ذَاكَ الَّذِي يَسْتَقْوِي بِالْحَجَرِ، بِالْمَالِ بِالدُّرَرِ، وَهُوَ فِي ذُلٍ مُحْتَقَرٍ.
فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ”. (قرآن كريم، سورة التوبة)

يَحْسَبُونَ أَنَّنَا ضُعَفَاءُ، وَلَكِنَّنَا أَقْوِيَاءُ بِإِيمَانِنَا الرَّاسِخِ، شُرَفَاءُ فِي أَخْلَاقِنَا الَّتِي لَمْ تَتَغَيَّرْ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ الْآلَامِ الَّتِي عَصَفَتْ بِنَا. نَحْيَا أعِزَاءَ كِرَامًا عَلَى الرَّغْمِ مِنْ صُنُوفِ الْقَهْرِ. نَقْرَأُ آلَامَنَا كُلَّ يَوْمٍ، وَلَكِنَّنَا لَمْ نُنْهِكْ قُلُوبَنَا بِالضَّغِينَةِ، بَلْ تَسْتَمِرُّ سِيرَتُنَا بِطَيبَتِهَا، وَصِدْقِهَا، وَصَلَاحِهَا، وَنَظَافَتِهَا، وَبَرَاءَتِهَا، وَصَفَائِهَا، وَهَذَا يَكْفِينَا.

أَفْهَمُ حَقًا، أَنَّ الْقُوَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ تَكْمُنُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ فِيمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، بِعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، بِانْجَازٍ يُسْتَفَادُ مِنْهُ، بِتَعَامُلٍ أَخْلَاقِيٍّ صَادِقٍ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. يَا صَاحِ، كَذَلِكَ تَكْمُنُ قُوَّتُنَا فِي الصَّفْحِ وَحُسْنِ التَّجَاوُزِ، حَتَّى فِي وَسَطِ عَوَاصِفِ الظُّلْمِ وَالنُّكْرَانِ.
فَهَلْ يَفْهَمُ الْمُتَسَوِّلُونَ مَعْنَى عِزَّتِنَا؟

وَالْحَمْدُلُلَهِ، لَمْ تَخْلُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مِنْ كِرَامٍ، حَفِظُوا الْعُهُودَ، وَحَافَظُوا عَلَى الْوُعُودِ، صُدَقَتْ نِيَّاتُهُمْ، وَجَرَتْ خَيْرَاتُهُمْ، فَهُمْ إِنْ كَانُوا قَلِيلِينَ فَالْكَلَامُ قَلِيلٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، إِنْ اعْطَيْتَهُمْ لَمْ يُحَرِّمُوكَ، وَإِنْ شَكَرْتَهُمْ شُكَرُوكَ وَإِنْ غُبْتَ عَنْهُمْ حَفِظُوكَ، وَإِنْ حَضَرْتَ فِيهِمْ أَكْرَمُوكَ، لَمْ تَنْظُرْ أَعْيُنُهُمْ إِلَى مَتَاعِ الدُّنْيَا، وَلَمْ تَلْتَحِقْ أَنْفُسُهُمْ بِمَفَاسِدِهَا، صَلُحَتْ سَرِيرَتُهُمْ، فَإِنْ أَخْطِؤَا تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيّنُوا. هُمْ مِلْحُ الْأَرْضِ، هُمْ دُفْؤُهَا يَوْمَ الصَّقِيعِ، وَهُمْ نَسِيمُهَا يَوْمَ الْهَجِيرِ. “وَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُحْسِنِينَ”

مَعَ تَحِيَاتِي،
أ.د.غَازِي قَانْصُو
صَبَاحُ الْخَمِيسِ فِي ١١-١-٢٠٢٤

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى