المقالات

حماس من دون خالد مشعل؟ بقلم: علي بدوان

أثار طلب خالد مشعل من مجلس شورى حركة «حماس» عدم ترشيحه لفترة جديدة لرئاسة المكتب السياسي للحركة ردود فعل مختلفة داخل الأوساط الفلسطينية وخارجها. فنظر البعض إلى الأمر باعتباره امتداداً لحالة الحراك الجارية في المنطقة، وموقفاً تجديدياً من خالد مشعل في ظل زعامات عربية وفلسطينية اعتادت على الاحتفاظ بمواقعها. فكيف نقرأ موقف خالد مشعل، وما هي حقيقة ما جرى في اجتماعات مجلس شورى حركة «حماس» الأخير؟
في البداية نقول، إن حالة الجمود في المواقع القيادية في عموم الفصائل الفلسطينية ميّزتها على الدوام في سيرتها التنظيمية، حين سيطرت القيادات التقليدية على مسار العمل السياسي الفلسطيني قبل النكبة، واستتبعت الفصائل الفلسطينية السيرة ذاتها ولو بقالب جديد جاء برموز تعتقت في مراكزها من دون حراك.
وفي هذا الصدد، يسجل لحركة «حماس» أنها وبتجربتها (على رغم كونها الأحدث في الساحة الفلسطينية) استفادت من أخطاء الآخرين، واستطاعت أن تفسح في المجال لجيل الشباب للارتقاء نحو المواقع المقررة في بناء السياسات. وبالعودة إلى اجتماعات مجلس شورى «حماس» التي تمت مؤخراً، فان المعلومات المؤكدة تشير إلى أن خالد مشعل قدم جردة حساب للمرحلة الماضية، التي كانت بكل تأكيد مرحلة غليان. وقد عقد الاجتماع الموسع في ظل الظروف الصعبة لتنقلات قيادات الحركة ومجلس الشورى فيها، حيث تمثلت فيه قيادات التنظيم في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس والشتات والجناح العسكري للحركة (كتائب الشهيد عز الدين القسام)، إضافة إلى السجناء (الذين حضروا الاجتماع بكلماتهم ومداخلاتهم عبر رسائلهم المرسلة قبل وقت كاف للاجتماع).
وناقش الاجتماع الذي عقد برئاسة مشعل جدول أعمال متكاملاً، كان من بين بنوده أمران: الوضع السياسي العام وتقديم جردة حساب لأداء حركة «حماس» طوال السنوات الماضية. والتطرق إلى الوضع الداخلي للحركة والوقوف أمام المطبات والعثرات وبعض الظواهر السلبية التي اعترت مسارها خلال السنوات الأربع الماضية، وعلى أكثر من صعيد.
والمهم في المعلومات التي أشيح عنها النقاب من مصادر فلسطينية مقربة من حركة «حماس»، أن النقد الذاتي كان حاضراً على لسان خالد مشعل في اجتماعات مجلس الشورى لجهة تقييم الأداء، والوقوف أمام الأخطاء التكتيكية التي طرأت على المسار العام لسياسات وأداء الحركة خلال السنوات الماضية. من دون إهمال الإنجازات التي تحققت في مرحلة صعبة، ونجاح الحركة في تثبيت حضورها على الأرض، وصولاً إلى الإقرار العربي والدولي بمكانتها على رغم ضغوط اللجنة الرباعية الدولية على عموم الحالة الفلسطينية لتطويع حركة «حماس» وإدخالها نادي التسوية.
ولعبت شخصية خالد مشعل الوسطية والمعتدلة، والكاريزما التي يتمتع بها، ودائرة علاقاته الواسعة، دوراً مهماً في تمكين حركة «حماس» من عبور المطبات واحتواء الكثير من الإشكاليات ذات الطابع الفلسطيني، وذات الطابع الداخلي في حركة «حماس»، ومنها ما له علاقة بالمصالحة الفلسطينية حيث دفع خالد مشعل باتجاه الوصول إليها إيماناً منه بأنه لا بد منها لمواجهة المرحلة التالية من الحراك السياسي الكبير الذي يعتمل في المنطقة بأسرها، وتداعياته المؤثرة على مسار الصراع مع إسرائيل. كما دفعته تلك الوسطية للإشادة ببراغماتية الأحزاب الإسلامية (حركات «الاخوان المسلمين» خصوصاً في مصر والمغرب وتونس.
في هذا السياق، ما زال خيار المصالحة الفلسطينية يصطدم بعقبات داخلية عدا العقبات الخارجية الكبيرة. فالعقبات الداخلية موجودة عبر أشخاص متنفذين هنا وهناك عند هذا الطرف أو ذاك، الذين لا يريدون للمصالحة أن ترى النور.
لكن صوت خالد مشعل وحكمته لعبا دوراً في كبح جماح بعض الشطحات التي برزت لدى البعض القليل من قيادات «حماس» من أعضاء مجلس الشورى أو من أعضاء المكتب السياسي، وكان من بينها على سبيل المثال رفضه لما حصل مع وفد حركة «فتح» عند معبر بيت حانون أثناء توجهه إلى قطاع غزة برئاسة عضو اللجنة المركزية لـ «فتح» صخر بسيسو والوفد المرافق له. كما كان من بينها تعليماته المتتالية التي كان يعطيها لقيادات الحركة في قطاع غزة بالتخفيف من ظهور الأعلام الخضراء لمصلحة رفع العلم الفلسطيني باعتباره علم الوحدة الوطنية.
وفي هذا السياق، تأتي المهام القاسية التي تنتظر حركة «حماس» باعتبارها قوة أساسية في الوضع الفلسطيني إلى جانب «فتح»، وهو ما يتطلب وجود قيادات على مستوى المرحلة من حيث التجربة والحنكة. ومن هذا المنطلق رفض مجلس شورى «حماس» طلب خالد مشعل مغادرة رئاسة المكتب السياسي في نهاية دورته الحالية في رئاسة المكتب، ويتوقع على ضوء هذا الرفض إعادة طرح اسمه من قبل مجلس شورى الحركة كرئيس قادم للمكتب السياسي لدورة جديدة.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى