المقالات

من دفاتر مخيم اليرموك (164) اليرموك وأبو بكر بقلم علي بدوان

قبل أربعون عاماً تقريباً، وتحديداً مع عصر يوم التاسع عشر من حزيران /يونيو 1974 كان مخيم اليرموك على موعد لتشييع جثمان الشهيد حفظي قاسم (أبو بكر) الذي صرعته رصاصات الغدر في بيروت، ساعات الصباح، في مخيم شاتيلا وعلى مقربة من مكتب فصيلٍ فلسطيني معروف.

شخصياً، وكُنتُ في فتوة عمري، وسنوات إشتعال الوطنية، شاركت بتشييع الشهيد، في مسيرته التي مرت من بداية المخيم وعلى شارع فلسطين بإتجاه مقبرة الشهداء، وعلى صلاة العصر. وقد لفت إنتباهي مشاركة أعدادٍ جيدة من رفاق الشهيد في تشييعه، وأقصد من رفاقه المقاتلين في القطاع العسكري، عدا عن القيادة السياسية والعسكرية. وكنت وحتى قبل لحظات محنة اليرموك الأخيرة أحتفظ بملصق الشهيد الذي تم توزيعه أثناء تشييعه، وهو الملصق الذي أستشهد مع دارنا التي تدميرها عن بكرة أبيها في مخيم اليرموك قبل أقل من عامٍ مضى.

الشهيد حفظي قاسم (أبو بكر) رأيته مرة واحدة في معسكر عين الصاحب بداية العام 1974 عندما كنت بزيارة المعسكر مع صديقي محمد يونس للقاء قريبه أبو طارق (ع ي)، وعندها كان اللقاء مع أبو بكر والأخرين في المعسكر وقد تناولنا الغداء معاً.

الشهيد حفظي قاسم (أبو بكر)، إبن فلسطين، إبن (يافة الناصرة) قضاء الناصرة، القريبة من (المجيدل) قضاء الناصرة أيضاً، الفلسطيني الحر الكريم الذي رأت عيونه النور على أرض فلسطين وقد خرج منها عام النكبة طفلاً صغيراً بإتجاه سوريا وتحديداً لدمشق وحي جوبر القريب منها، حيث أقامت أعداد جيدة من لاجئي ومنكوبي فلسطين.

أبو بكر، سليل عائلة وطنية فلسطينية، فوالده أبو حافظ الفلسطيني، الذي ظل حتى سنوات عمره الأخيرة، أيقونة وطنية فلسطينية، يلبس العقال على رأسه، وقد أنجب عائلة، كان منها الرواد في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، من أبو بكر الى شقيقه (الشهيد الحي) صديقنا (حافظ قاسم) الذي بتنا منذ سنوات طويلة نُطلق عليه مُسمى (الحجي أبو محمد)، وهو المناضل الصلب العنيد الذي قضى سنوات طويلة في سجون الإحتلال أثناء عبوره أرض فلسطين في الدوريات والعمليات الفدائية الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة. ولاننسى في هذه المقام باقي إخوة وأشقاء الشهيد أبو بكر : هشام وبلال …

الشهيد حفظي قاسم (أبو بكر) عشق وطنه فلسطين، وعشق ريادة العمل المسلح والعمل الوطني بشكل عام من خلاياه الأولى التي بدأت تتشكل من مخيم اليرموك حتى جوبر والى عموم مواقع العمل الوطني الفلسطيني في الساحتين السورية واللبنانية، والساحة الأردنية. فشارك في جميع تلك المحطات الكفاحية، وقد تبوأ مواقع عملية على الأرض، أذكر منها ماذكره أمامي شخصياً أحد القادة الفلسطينيين من خارج تنظيميه، من أنه كان ومع مجموعته لوحده يقود عملية الدفاع عن مقر القيادة الفلسطينية في عمان إبان احداث العامين 197 و 1971، وقد أطلق عليه في حينها لقب صانع المعجزات في أيلول الاسود 1970، حيث إستطاع ان يدافع عن قادة المقاومة الفلسطينية جميعاً في دوار مكسيم في مواجهة الهجمات التي كانت تريد السيطرة على مقر القيادة الفلسطينية.

الشهيد حفظي قاسم (أبو بكر) كان قائداً لمعسكر17 ايلول في منطقة عين الصاحب على الطرف القريب من دمشق لجبال القلمون، بعد عوته من دورة عسكرية في الإتحاد السوفييتي، وبدأ مع رفاقه بحفر الأنفاق، وبعدها تم البدء بالتخطيط للعمليات الإستشهادية الى جانب رفاقه وكان منهم الشهيد فؤاد زيدان (أبو العمرين) عضو المكتب السياسي، وقد أستشهد في حادث سيارة على طريق دمشق بغداد في آذار/مارس 1974، أثناء توجه وفد من تنظيمه إلى العراق، وتوفي معه في الحادث كلاً من أحمد دياب الشيخة، وحسني علي عبويني، والشهداء الثلاثة من طيرة حيفا.

أثمرت جهود وأفكار الشهيد أبو بكر، ففي الحادي عشر من نيسان/إبريل عام 1974 إهتز كيان الدولة العبرية، حيث الذي رأوه لم يكن في حسبانهم أبداً في عملية الخالصة التي كانت العملية الفدائية الإستشهادية الأولى في الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة إبن مخيم اليرموك، أبن مدينة يافا الشهيد خالد المغربي، ورفيقيه السوري أحمد شاكر، والعراقي موسى الفوزاني. وبعد أقل من شهرين من عملية الخالصة (كريات شمونة) زلزلت الأرض في (أم العقارب)  (مستعمرة كفار شامير)، ليتأسس هذا النهج في العمل الفدائي الفلسطيني في تلك المرحلة التي كانت تتطلب أنماطاً وأساليب جديدة.

أستشهد حفظي قاسم (أبو بكر) برصاصة خسيسة، عمياء، كما أستشهد بعده العديد من المناضلين، فحقنا أن نقول باسمه، كما قالها من تلاه بالشهادة برصاص الخسة والنذالة :

قتلوني ياعار بنادقهم

قتلوني وأنا خبز الفقراء اليومي

لم يدروا  أن أسمي غابة أسماء

لم يدروا  أن العشب الأخضر ينبت من أضرحة الشهداء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى