المقالات

بين الديمقراطية والدين.- بقلم: سعد الله غمراوي

ثورات مشتعلة، تخبّط سياسي، فوضى أمنية، هكذا حال البلاد العربية اليوم فبعد أكثر من عام على بدء الثورات لم يتضح بعد شكل النظام السياسي الذي ستستقر عليه هذه البلاد. فبالرغم من أن الحركات الإسلامية كان لها الدور الأكبر في تجييش هذه الثورات وإنجاحها والحشد لها،إلا أن الديمقراطية هي ما تنادي به هذه الأحزاب فهل ستصلح الديمقراطية ما أفسدته النظم السابقة؟ وهل ستقبلها كافة أطياف الشعوب محققة العدالة التامة لهم؟ وهل الديمقراطية هي الشكل الأفضل للنظام الذي يحفظ حرية الإنسان وكرامته؟
الديمقراطية مصطلح يوناني تعريفه حكم الشعب للشعب ويتحدث عدد من مفكري الغرب عن عيوب موجودة فيها. ففي الدول الرأسمالية يسيطر رجال الأعمال على وسائل الإعلام التي تبث حملات المرشحين ومعظم الأفراد يعتمدون على الصحف في استقاء معلوماتهم وهذه الصحف تعتمد على الإعلانات كما أن إصدار الصحف باهظ بحيث لا يستطيع أن يؤسسها إلا الأغنياء، فيتحتّم عليها أن تنشر الأخبار التي ترضي هذه الفئة ما يعني تحيّزا واضحا لفئة سياسيّة معينة. كما أننا نلاحظ أنّ نسبة المشاركة في الإقتراع في دول الغرب تبقى ضئيلة ما يعني أن الحزب الذي يفوز لم يفز لأنه حصل على أغلب أصوات الشعب بل على أغلب أصوات المقترعين. كما أن أعداداً كبيرة تنتخب إرضاء لربّ العمل أو بضغط منه. ويقول اليكسيس كاريل معلقاً على قضية التساوي في هذا النظام: صحيح أن الناس متساوون لكن الأفراد ليسوا متساوين .. ومن ثم يجب ألا يتساوى ضعيف العقل مع الرجل العبقري أمام القانون. لقد ساهم مبدأ الديمقراطية في انهيار الحضارة بمعارضة نمو الشخص الممتاز ولما كان من المستحيل الارتفاع بالطبقات الدنيا كانت الوسيلة الوحيدة لتحقيق الديمقراطية هي الإنخفاض بالجميع إلى المستوى الأدنى من الشخصية. كما أنه من الملاحظ في هذا النظام عدم وجود سياسة متجانسة لمدى طويل؛ فأغلب الحكومات لا يتجاوز متوسط بقائها في السلطة ثمانية أشهر ثم تأتي بعدها حكومة أخرى ببرنامج سياسي جديد تضع أجندته لجان الحزب الفائز.
هذه بعض عيوب الديمقراطية الغربية، أمّا في الإسلام فيقوم النظام السياسي على حكم الله للشعب عبر تحكيم الشريعة التي أنزلها الله على رسوله فيقول “إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه” والمتابعة في التشريع والطاعة في ذلك عبادة والدليل على ذلك (عن عديّ بن حاتم قال: أتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال يا عديّ: اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة/ 31) قال: أما إنّهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنّهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئا استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئا حرّموه» ) * الترمذي (3095) وحسّنه الألباني في غاية المرام (20) ،فهنا اوضح ان تحليل الحرام وتحريم الحلال كفر ،فالذي يقوم بذلك اي المشرع يكون اتخذ نفسه آلهة دون الله حين حلل وحرم مناقضا لشرعه والله يقول “قل أأنتم أعلم أم الله” كما أن المشرع طاغوت يجب اجتنابه والتبرؤ منه فالطاغوت هو كل مخلوق تجاوز حدّه الذي خلق له فالإنسان خلق لعبادة الله أما التشريع فهو للإله ويقول تعالى” ألم ترى إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به..”والنص على انه لا احد افضل من الله في الحكم قوله “ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون” والامر بالحكم بما أنزل الله ولا تتبع اهواءهم وأن احكم بينهم بما أنزل الله” فالديمقراطية مخالفة لهذه الآيات بشكل صريح حيث أن الإنسان هو الحاكم فيها بما يملي عليه هواه ورأيه وقال تعالى “ولو اتبعت السموات والأرض أهواءهم لفسدتا”.
فلنر بما حكم الياسق الذي وضعه جنكيز خان وكانت قوانينه وشرائعه من عدة كتب سماوية كاليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها الكثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعا متّبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل وكثير, قال الله تعالى” أفحكم الجاهلية يبغون” وقال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية (13/119): (من ترك الشرع المحكّم المنـّزل على محمد وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه، ومن فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين).
أختم بحوار الصحابي الجليل ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس أمام ملئه حين قال: “الله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله, ومن ضيق الدنيا إلى سعتها, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام…” فكيف نرضى وقد أكرمنا الله العزيز الحميد بحمل هذه الأمانة العظيمة أن نخرج من عبادة الله إلى عبادة العباد, من عدل الإسلام إلى جور الأنظمة الوضعية التي تحكم بغير الإسلام؟ أنخرج من ديكتاتورية ظالمة إلى ديمقراطية كافرة بدين الله محاربة لإهله؟ أم من ديمقراطية فاسدة إلى ديمقراطية أخرى أفسد وأضل؟ أرضينا بالحياة الدنيا من الآخرة؟ والله لن نجني من هذه الأنظمة الدنيوية إلا ذل الدنيا والآخرة, ومن أحسن من الله قولاً حيث قال جلّ في علاه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى