الأخبار اللبنانية

وسط حضور جمع مختلف المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية في “مركز الصفدي الثقافي”:

“المجلس الثقافي للبنان الشمالي” و”مؤسسة الصفدي” يحتفلان بالتكريم الخامس لكوكبة من رجالات طرابلس والشمال

للسنة الخامسة، تستمر المبادرة التي أطلقها المجلس الثقافي للبنان الشمالي بالشراكة مع “مؤسسة الصفدي” لتكريم المميزين بعلمهم وأخلاقهم وعطائهم المثمر لمجتمعهم ووطنهم، تقديراً لهم وتشجيعاً لغيرهم على الاقتداء بمسيرتهم ومناقبيتهم.
وقد اختيرت لهذا التكريم ثلاث شخصيات من المميزين بكفاءتها ونشاطها المهني، هي: القاضي الرئيس وليد غمرة تحدث عنه معالي وزير الشؤون الاجتماعية النقيب رشيد درباس، النقيب المهندس والشاعر عبد الفتاح عكاري الذي تحدث عنه المحامي والشاعر شوقي ساسين، والباحث الأستاذ مارون عيسى الخوري حيث تحدث عنه الدكتور جان توما، وذلك وسط حضور حاشد تقدمه إضافة إلى ممثل الوزير محمد الصفدي السيد أحمد الصفدي، وزيرة شؤون المهجرين القاضية أليس شبطيني، مطران طرابلس والشمال للروم الكاثوليك المتروبوليت ادوار ضاهر، رئيس اتحاد بلديات الضنية حمد سعدية، الدكتور جلال كساب ممثلا نقابة اطباء الأسنان في الشمال، رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي الدكتور نزيه كبارة وأعضاء المجلس، المدير العام لـ”مؤسسة الصفدي” رياض علم الدين، وفعاليات جامعية وثقافية واجتماعية، وأصدقاء وأهالي المكرمين.

كلمة مؤسسة الصفدي

بعد النشيد الوطني وكلمة الافتتاح من نهلا المنير، ألقى علم الدين كلمة “مؤسسة الصفدي”، فرحب بالحضور في “مركز الصفدي الثقافي”، وقال: “اللقاء الذي يجمعنا اليوم هو إحدى أنوار الحراك الفكري والأدبي والفني والاجتماعي الذي يحتضنه مركز الصفدي الثقافي ليصل مداه إلى لبنان والعالم”. أضاف: “أردناه مع شركائنا في المجلس الثقافي، تحية تقدير واحترام لشخصيات تميزت بكفاءتها ونشاطها المهني، فأعطت الكثير في المجالات القضائية والمعمارية والأدبية والفكرية. فما يجمعنا في هذه الأمسية، حبنا لطرابلس، ورغبتنا في مشاركة المكرمين تجربتهم الغنية بالعطاءات والحافلة بالإنجازات”. ولفت إلى أن “هذا اللقاء يشكل المحطة الخامسة من محطات مشروعنا الذي أطلقناه وشركائنا في المجلس الثقافي للبنان الشمالي… “. وهو إذ وجه تحية تقدير وامتنان للمكرمين، اكد لهم أن الفيحاء “ستحفظ في ضميرها دائماً لكم جميعاً كل التقدير والحب والامتنان والإعجاب.  ونحن معنيون بأن تبقى طرابلس مدينة التواصل الإجتماعي والحوار الإنساني الراقي والعيش المشترك”. وشدد علم الدين بالقول: “إننا في “مؤسسة الصفدي”، دعاة تطوير وانفتاح، ونعتبر أن من واجبنا الحفاظ على تراث طرابلس وتسليط الضوء على إنجازات أبنائها، وتأمين التواصل بين الأفراد من مختلف الثقافات والتأكيد على مفهوم الإنسانية والمشاركة.  ولعل هذا الدور هو الأكثر تأثيراً، لأن الأفكار هي التي تصنع التاريخ وهي المعبر إلى التغيير والارتقاء”. وختم موجهاً التحية للمجلس الثقافي على التعاون المثمر والشكر الكبير للمداخلين على إضاءتهم المميزة على مسيرة المكرمين، والحضور على المشاركة في هذه اللفتة الحضارية الراقية.
كلمة المجلس الثقافي للبنان الشمالي
ثم ألقى الدكتور كبارة كلمة المجلس فنوه بأهداف التعاون القائم مع مؤسسة الصفدي ضمن هذا المشروع، لجهة تكريم شخصيات تميزت بالكفاءة والمناقبية وحسن الاداء والحس العميق بالمسؤولية والنظرة الإنسانية النبيلة والإخلاص في العمل.. وعن المكرمين قال: “نكرم اليوم القاضي الرئيس وليد غمرة الذي شغل أعلى المناصب في القضاء، فكان رئيساً لإحدى غرف التمييز، ثم رئيساً لهيئة التفتيش القضائي واضعاً ميزان العدالة الماسي نصب عينيه، هاجسه إحقاق الحق ورفع الظلم عن المظلومين،.. ولانه كان يعرف أن اهل النفوذ اعتادوا التدخل لدى القاضي، ولا سيما النائب العام، فقد رفض تولي منصب النائب العام التمييزي تحاشياً لقبول أي تدخل في شؤون القضاء.. وها هو اليوم يكمل رسالته: فقد عكف منذ سنوات بعد تقاعده، على تصنيف معجم للمصطلحات القانونية بالفرنسية، وما يقابلها في لغة الضاد، والمعجم في طريقه إلى النشر… وعمله هذا الذي جاء وليد خبرته الطويلة وعلمه، مساهمة علمية مشهودة في التحديد والتوحيد، تحديد المصطلحات القانونية وتوحيدها في قوانين البلدان العربية”. وعن النقيب المهندس والشاعر الرقيق عبد الفتاح عكاري قال: نكرمه لمزايا رفيعة يتحلى بها: تقى لا حدود له، وصبر على المكاره، وتواضع جم، ودماثة خلق، ونظافة كف وضمير، وتعاطف لافت مع الناس في همومهم ومعاناتهم، وانشغال بالشأن العام وبأحوال الوطن والأمة. كما نكرم في شخصه الشاعر الشاعر صاحب الدواوين الخمسة: عندله، رسائل من ماريز، الموت ومخاض الغضب، لن تمطر السماء لؤلواً، ورحيل إلى النسيان..”. اما عن المكرم الثالث الأستاذ والمفكر والباحث مارون عيسى الخوري، فقد وصفه بأنه علم من أعلام الفكر والأدب، كرس حياته للتربية والتعليم. فقد تخصص في الصحافة ثم في الفلسفة في جامعة القاهرة. قام بتدريس الأدب العربي والفلسفة في العديد من الثانويات الخاصة، وهو باحث في ثقافة المدينة التي يعيش فيها ويحب، ومؤرخاً لمرحلة التنوير فيها، ومحاضراً ومشاركاً في العديد من الندوات، ورئيساً للرابطة الثقافية الأدبية الشمالية، وعضواً نشيطاً في اتحاد الكتاب اللبنانيين، واتحاد الكتاب العرب، عاكفاً باستمرار على الاطلاع على المصادر والمراجع، تعميقاً لمعرفته، وتوسيعاً لثقافته، هاجسه الوصول إلى الحقيقة الموضوعية في ما يؤلف ويصنف… أضف إلى كونه نظم القصائد الشعرية لكنه لم يشأ أن يخرجها إلى النور، فظلت رهينة المحبسين: الوجدان والذاكرة. ولا بد أن يدفع بها إلى النشر يوماً، وبخاصة أن فيها نفساً نضالياً مشلعاً بحب فلسطين التي كانت أرضها المقدسة ملعب صباه.

الوزير درباس عن المكرم القاضي غمرة
وبعد عرض بالصور عن أبرز مراحل حياة المكرمين الشخصية والمهنية التي سبقت كل مداخلة، قدم النقيب رشيد درباس مداخلة وجدانية مستفيضة تناولت إضافة إلى مسيرة المكرم العملية والمهنية الحافلة بالإنجازات، القاضي الرئيس وليد غمرة. ولعل أبرز ما جاء في مداخلته البلاغية الملفتة، سرده لبدايات معرفته بالرئيس غمرة.. وتوجه إلى صديقه غمرة بالقول: سأوجزك كعنوان لمرحلة شديدة الثراء والتناقض في آن، لأنني كنت ولا زلت أراك في حيوية حصان امرئ القيس، كما أراك أيضاً فارساً ارستقراطياً ذهبي الشعر غربي السمات، مع قربك من أهلك البسطاء الذين أنت بضعة منهم… عرفت عنك كثيراً من صديقك القديم، ومعلمنا اللطيف أمين الرافعي الذي شاركنا الفكرة والنظرة، لكن ذلك تخطى إلى محبة بيننا انتقلت إلى أبنائنا… من تناقضاتك المنطقية أن الثائر فيك الرافض لنمط الدولة الطبقية، كان هو نفسه القاضي المتمسك بشكليات الدولة حتى التزمّت، يمارس مهامه مستقل الفكر والنفس والقلم… توليت التفتيش في ظروف صعبة وعانيت ما عانيت من الخيبات حين أوصلك عقلك البراغماتي إلى ان محراب الحكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما المناصب ذات الصيغة الإدارية، فمحفوفة بالعراقيل والصعوبات… ثم توجه إلى الحضور فقال: أحببت هذا الفرنكوفوني المعتز بفرنسيته حتى المفاخرة، رغم ما يخلفه هذا في نفسي من شعور بالتقصير.. لكنه عندما تصدى لتأليف قاموسه القانوني، راح يجبر خاطري بين حين وحين بالسؤال عن صحة هذه الكلمة أو تلك في اللغة العربية، فكنت أجيبه بحسب ما توصلت إليه من معرفة، وأستعين أحياناً بالعلامة الدكتور أحمد الحمصي والصديق الشاعر شوقي ساسين،… وختم بالعودة إلى المكرم فقال: يا أبا زياد، إنك من جيل كل رجاله أبناء انفسهم.

الشاعر ساسين عن النقيب عكاري
بدوره قال الشاعر ساسين في مداخلته عن النقيب عبد الفتاح عكاري: يوم انتسبت إلى نقابة المحامين، صحبت نخبة من الزملاء الرفيعة أقدارهم، وتعرفت بفضلها إلى قضاء ناصعي الضمائر والأيدي والجباه، وفيها “اكتشفني” بهمة صديقنا المشترك الأب نقولا مالك، صاحب المعالي سعادة النقيب رشيد درباس. اقول اكتشفني فكشفني لمنتدى طرابلس الشعري الذي كان يجتمع في مكتبه بإمامة المحتفى به النقيب عكاري، فانضممت إلى هذه المعية الراقية حيث تأتى لي ان اعيش معها تجربة فريدة… فتلذذت بسماع قصائده واخذت بوداعته في إسداء النقد ومرونته في تقبله، وعرفت انه بمنزلة المؤسس الأول لهذه الجماعة، وانه صاحب الديوان الأول المنشورالمنشور بإشرافها، عنيت ديوانه “رسائل إلى ماريز”. وظهر لي أنه الأغزر بين شعراء المنتدى نتاجاً شعرياً مطبوعاً، إذ له خمس دواوين منشورة واثنان مخطوطان… عبد الفتاح عكاري هذا لا أعرف ماذا أقول عنه، بل انا أصلاً لا أعرفه. فليس أمامي من الرجل سوى الشاعر الذي وإن احترف لرزقه الماء والخضرة والتربة والِجار، فإنه حول الأثلام سطوراً والبذور حروفاً والسنابل أشعاراً، واختزان كل عطر طرابلسي يتيم البساتين.. وأحض من لم يقرأ دواوينه ان يفعل… وبحسبي ان أشير انه أول شاعر طرابلسي نظم على التفعيلة في بدايات النصف الأول من خمسينيات القرن المنصرم… عبد الفتاح عكاري المتقاعد من مهنة الهندسة، لم يتقاعد بعد من شغف الحرف.

الدكتور توما عن الباحث الخوري
اما الدكتور توما فقال في الباحث مارون عيسى الخوري: عقلُ مارون عيسى الخوري طحنَتْهُ ندوبُ الزّمنِ فأثقلته وأصقلته، فجاءت دراساتُه وأبحاثُهُ ترجمةً لمسيرةِ حياتِهِ من حيثُ ارتكازُها على خطٍّ بياني ومضمونِ ملتزمِ بأولئكَ المناضلين، ومن تجاربِهِ الشخصيةِ وقراءاتِهِ حولَ حريةِ الفكرِ في أزمنةِ تأييدِ الأنظمةِ وأتباعِها لمقاومةِ الرأي الحرِّ المستنير. وقال: هو صاحبُ تجربةٍ فكريةٍ تأتي نسائُمها من أفئدةِ المعتقلين، ومن أصحابِ اليقظةِ الواثبةِ الواثقةِ المخترقةِ الحاضرَ، حاملةً خيباتِ الماضيات، لآمالٍ آتيات. وقال: في هذه العُجالةِ سنُطلّ على بعضِ آراءِ مارون عيسى الخوري الذي كتبَ وترجمَ وتصحّفَ وتفلسفَ واشتغلَ في نبشِ الآثارِ الحجريةِ منها والورقيةِ وبيّن فضلَ العربِ في نهضةِ أوروبا في موقفٍ ملتزمٍ في أن “شمسَ العربِ تسطعُ على الغرب”…. أضاف: يخافُ مفكرُنا من السدودِ والحواجزِ والكتبِ المغلقة، كما يخافُ على مكتبتِهِ العامرةِ بالنُّسخِ الأولى وبالمخطوطاتِ الوفيرةِ والّتي تنتظرُ من ينبريَ للدفاع عنها وعن رأسمالِها الفكريِّ بالمحافظةِ عليها لطرابلسَ كذاكرةٍ وكشهادةٍ على أن َّ طرابلسَ ما زالت مدينةَ العلمِ والعلماء، وأنَّ الكتابَ له الصدارةُ فيها، وأنَّ الحفاظَ على التراثِ لا يعني الاستسلامَ له، بل الخروجَ إليه ومعه إلى الآتيات. إلا أن كاتبَنا رغمَ كلَّ شيء يدعو إلى ” صياغةِ خطابِ فكري جديدٍ بإزاء خطابِ التطبيعِ السياسي والاقتصادي الزاحفِ باضطرادٍ علينا وعلى أولادِنا وأحفادِنا، فإذا كنا عاجزينَ عن مواجهةِ الدخولِ في الترتيبات السياسية والاقتصادية للمِنطقة في مناخِ النظام العالمي الجديد، ففي وسعِنَا، على الأقل، أن نصمدَ أمامَ الغزو الفكري، وأن نتحصّنَ من آفاتِ التلوّثِ الّتي تحتلُّ عيونَنَا وطرائقَ تعبيرِنا، وجَبلَتَنَا الفكرية “. وختم متوجهاً إلى المكرم بالقول: يا مارونُ الناسكُ في محرابِ الثقافة، الليلةَ أعادَ المجلسُ الثقافيُّ للبنان الشمالي رفعَ الستارةِ لأنَّ المشهدَ الثقافيَّ لم ينته، ولأنَّ الجمهورَ هنا ما زالَ يصفّقُ تكريمًا لمرورِك ولحضورِك.

دروع تكريمية وعبارات شكر من المكرمين
ثم اعتلى ممثلا هيئتي التكريم الدكتور نزيه كبارة والسيد رياض علم الدين المنصة، ليشاركا كلاً من الوزير رشيد درباس والوزيرة أليس شبطيني والسيد أحمد الصفدي ممثلا الوزير الصفدي، في حضور المداخلين ساسين وتوما تسليم الدورع التكريمية للمكرمين الثلاثة، حيث سلم الصفدي درع التكريم إلى القاضي غمرة، وسلم الوزير درباس درع التكريم إلى النقيب عكاري، وسلمت الوزيرة شبطيني درع التكريم إلى الباحث الخوري، وسط تصفيق وتهنئة من الحضور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى