المقالات

آفاق المرحلة القادمة – بقلم المهندس عبد الله بابتي

لا أرى من أن يتوقف الانسان العربي اليوم وهو في عز شموخه وعنفوانه يدفع عن كاهله تركة ثقيلة منذ نصف قرن من سنين عجاف رضخ فيها لأعتى الدكتاتورية العربية على أيدي أبناء جلدته بعد أن قامت أنظمة وسقطت أخرى إثر هزيمة العرب في حرب 48 على أرض فلسطين وقد توالت الانقلابات التي بدأت عام 52 في مصر وعديد منها في سوريا واليمن والعراق والجزائر وما قابلها من تشبث على نهج استمر في الأردن والسعودية وبعض المغرب العربي مع كثير من محاولات التغيير لم تبلغ سوى الأخذ ببعض التعديلات التي لم تخرج قطار الحكم فيها عن السكة ذات الوجهة الواحدة …كل هذه الأوضاع السياسية في العالم العربي المعتدلة  فيها والممانعة لم تنقذه ولم تخرجه من أزماته بل هي منذ 76 حتى اليوم وضعته في أسوأ حال بحيث تدرج من الهزيمة الكاملة إلى الاستسلام المشين وضاعت كل اللاءات ومعها سيطرت أجواء العبث بالحريات العامة والنيل من أبسط قيم الانسان العربي في الحياة الكريمة والعيش الرغيد مع فقدان الحد الأدنى من الأمن والأمان.
لقد تمكنت هذه الأنظمة تحت شتى الشعارات أن تهزم شعوبها وتنكل بالأحرار لديها وتحقق ادنى المستويات على كل صعيد رغم امتلاكها لأكبر ثروة نفطية وأخطر مواقع استراتيجية وأغنى قدرات بشرية وطبيعية … لقد أحكمت هذه الأنظمة قبضتها على الحكم في بلادها وأمعنت إفقاراً لشعوبها بعد الاستيلاء على مواردها المالية واستطاعت أن تصرفها عن كل اهتمام لها سوى تحصيل لقمة الخبز لا سواها … بل هي على المستوى المصيري تخلت عن كل قضايا الأمة وفي مقدمتها اغتصاب فلسطين ومواجهة العدو الصهيوني الذي خضعت لمعادلة وجوده وهيمنته وهي من سعى لنيل الخطوة لدى أميركا الدولة الكبرى الداعمة له في كل الأحوال ظنا منها في ذلك أنها تضمن استمرارها وبقاء حكمها وتوريثه لمن تريد من بعدها للابن أو الأخ أو الزبانية التي أنشأتها كل ذلك خلال مشاركتها في دعم احتلال العراق وسرقة نفطه وعزل مصر عن مواجهة ربيبته والتخلي عن انتفاضة الشعوب ومقاومة احتلالها وأخيراً ترك السودان ليتم فصل جنوبه واليوم أمام كل هذا الواقع العربي المرير الذي تساوى فيه المعتدل والممانع في رفض مصالحة الشعوب واستيعاد إرادتها بل عمدت إلى إسقاط وقمع الحريات والقيم التي لا تعيش بدونها … وأمام حلف إسرائيل وعدوانيتها التي تجلت في إعلان دستورية دولتها واستباحة كل شيئ من توسع الاستيطان إلى ضرب المقدسات وتمزيق القدس وإلغاء المعاهدات المذلة ورفض الحقوق لشعب مضى على تهجيره زهاء ستين عاماً إضافة إلى تفريغ ما تبقى منه في أراضي 48 وبالتالي لا عودة ولا حكم ذاتي ولا دولة له بعد أن ضاعت الأرض وتآمرت عليه كل الهيئات والمجالس الدولية بشكل ظالم كي يبقى حيث هو في الشتات أو مع إخوانه العرب دون حاجة ولا عناء ليصبح التوطين حلاً نهائياً للقضية وضياع فلسطين … أمام هذا كله انطلق المارد من قمقمته لكن هذه المرة على أيدي الشباب العربي الذي ولد من رحم المعاناة وأبصر النور على كل هذه المآسي دون أن يشارك فيها واستفاد من اهم موقفين: الول غياب الأحزاب الموالية والمعارضة بعد أن عبثت بها أنظمة الحكم الدكتاتورية لتكون اليد التي تبطش بها فدعمت الأولى وأجهضت الثانية التي تدجن البعض منها وصهر البعض الآخر بعد اضطهاد كبير لها ؟! والموقع الآخر كان في هذه النافذة التي أطلت على العالم كله وعرفها العرب رغم كل محاولات الأنظمة لمنعها فاستفاد الشباب المتوثب لفعل شيئ مميز عن كل ما مضى فكان الـ FAYCE BOOK ووسيلة الانترنت حيث أصبح العالم كله قرية صغيرة في متناول الشباب وقد وجد ضالته عبر الحوار والاعلام ليعلن ثورته ويثبت وجوده ويبادر لإنقاذ شعبه وبلاده…
إنها ثورة الشباب التي تعم العالم العربي المقهور اليوم في تونس ومصر وغداً في ليبيا والجزائر وسائر البلدان العربية إنها ساعة العمل للتغيير لكل آفات الماضي السحيق بكل الوانها ومسمياتها، لافرق في ذلك بين حكم وآخر طالما أن الحرية مفقودة والكلمة ممنوعة وإرادة الجماهير مكبلة وعلى الجميع أن يعرف أن لا نصر يحقق في غياب الديمقراطية ولا صك بالمواطنية والتحرر ومواجهة أعتى القوى إذ استبد النظام وحكم بالحديد والنار أو عجز عن الاستماع للكلمة الحرة ولو كانت له جارحة ولأساليب حكمه رافضة إنها ثورة انطلقت فلنعرف كيف نوجهها نحو الأهداف الكبرى لتحقق النقلة النوعية ولنحذر كل من يعمل على استيعابها لتحويل مسارها الصحيح في الداخل والخارج … وليعلم الجميع أنه تتسع لهم طالما هم أيقنوا أنه للاصلاح والتغيير لا للمذاهب والتكبيل.
فلنتفق جميعاً معها ليصبح بهذا العالم العربي قيمة دولية وتستعيد شعوبه دورها الأصيل في صنع الحضارة الانسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى