ثقافة

محمّد حسين فضل الله رائد الوحدة والحوار

من ضمن إصدارات المركز الإسلامي الثقافي صدر حديثاً كتاب تحت عنوان: “محمد حسين فضل الله، رائد الوحدة والحوار” (ط.أولى – 2014). والكتاب يحوي على وقائع المؤتمر السنوي الأول (1434 – 2013م) الذي أقيم بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لرحيل سماحة العلاّمة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(قده) وذلك على مدى يومين بتاريخ 4 و5 تموز 2013 م… وقد حضرت المؤتمر وفود من لبنان والعالم العربي، وقُدِّمت فيه مداخلات وأبحاث فكرية متعدّدة تناولت شخصية السيّد(قده) الوحدويّة والحواريّة…

يتضمن هذا الكتاب إضافة إلى المقدمة، العناوين التالية: “لماذا مؤتمر الوحدة والحوار” للسيد شفيق الموسوي، “كلمة سماحة العلاّمة السيد علي فضل الله في افتتاح أعمال المؤتمر، “داعية وحدة، صادق اللهجة، صادق القصد” للدكتور عدنان السيد حسين، “أصيل في فكره” لآية الله الشيخ محمد علي التسخيري، “الحوار ضرورة إسلاميّة وإنسانيّة” للشيخ مرسل النصر، “المشتركات بين السنّة والشيعة أكثر بكثير مما يختلفون عليه” للمطران كيرلليس بسترس، “شيّد جسور المحبّة والمعرفة بين المسلمين والمسيحيين” للأستاذ محمد السمّاك، “الحرية الفكرية للحوار” للسيد جعفر فضل الله، “الحقيقة بنت الحوار” لفادي ضو، “في البدء كان الحوار” للسيد محمد الحسيني، “الإنسان جوهر ومحور فكر السيّد فضل الله” للدكتور حبيب فياض، “أصل الدين سعادة ورفاهية أمان الإنسان” لنهلة الشهال، “القيم الدينية والإنسانية المشتركة عند السيد محمد حسين فضل الله” للأستاذ والباحث الفضل شلق، “الحوار هو المدخل الطبيعي للحياة الاجتماعية” للدكتور وجيه فانوس، “الاستكبار العالمي زعزع الوحدة الإسلاميّة” للشيخ حسين الراضي، “تبنّي القضية الفلسطينية والثورة الإسلاميّة والعمل للوحدة بين المسلمين” للشيخ ماهر حمود.

وهنا كلمات التي ألقيت بالمؤتمر، بداية قال السيد شفيق الموسوي: “في ظل هذه الحمّى الطائفية والمذهبية.. وفي حمأة هذا الاحتراب الفظيع والمرعب… تبرز الحاجة إلى حوار ووحدة، وتبرز الحاجة إلى أكبر مفكّر إسلامي نظَّر بكلِّ صدق وأمانة ومسؤولية للحوار والوحدة.. لأنّ السيد فضل الله(قده) كان يرى في الحوار كما يقول: “أن نتحاور أن أدخل إلى عقلك وقلبك وأكتشف خلفياتك وأتعرّف من أنت في كل ما يحيط بك، وتفعل ذلك معي، فإذا فهمنا بعضنا استطعنا أن نعرف كيف نتخاطب وكيف نختلف”. إننا نتحدث عن الوحدة بين المسلمين، وهناك من يتحدث عنها بين المسيحيين، لأننا إذا انطلقنا من خلال وحدة كبيرة تتحدث عن وحدة أكبر، فعندها يسهُل معرفة القواعد الكبيرة التي يمكن فيها اللقاء.

ومن ثمّ كلمة سماحة العلاّمة السيّد علي فضل الله: لا نستطيع أن نذكر سماحة السيد(قده) إلا ونذكر معه هويّته وحواريّته وانفتاحه على الآخر.. تحدّث عن هذه المفردات.. شِعراً في بداية حياته.. بحث عنها في “أسلوب الدعوة في القرآن”، في “الحوار في القرآن”، في “آفاق الحوار الإسلامي المسيحي”.. ومارس الحوار في كلّ المراحل ولم ينقطع عن الحوار حتى في الأوقات التي كان فيها الحوار عملية نادرة، وهو الذي كان يردّد في كل حواريّته: ليس هناك من سؤال محرج أو تافه.. الحقيقة بنت الحوار”.

وكما أن القضايا الكبرى والاستراتيجية في واقعنا تحتاج إلى بذل التضحيات حمل سماحة السيد(قده) لواء الحوار والانفتاح ومدّ الجسور… كان يرى الوحدة وإزالة الحواجز أمام الحوار أو فتح ثغرة في جدار عقل الآخر أو قلبه للوصول إليه جهاداً.. لأن من يقم به يواجه الممنوع في دوائر الاستكبار العالمي حيث من الممنوع على الشعوب العربية والإسلامية أن تتحاور وتتوحد..

ونحن نرى المشهد الحالي كيف هو ضحيّة، ليس لبروز الطائفيين فحسب بل أيضاً هو ضحية غياب الإطفائيين المأمول منهم إخماد الحرائق في ساحاتهم.. كيف بنا إذا ما صار من ينبغي أن يكونوا إطفائيين هم الذين يوقدون شرارة الفتن… هذا هو المشهد السوريالي بعض الشيء الذي نواجهه اليوم والمحزن إلى درجة كبيرة جداً.

والاختلاف الذي هو طابع الحياة مبرَّر ومشروع، ولكن عندما لا تكون مرجعياته أخلاقية فإنه ينفذ من عقاله، وعند ذلك يتحول إلى فتنة. ولا شك أن الاختلاف في حضرة الأخلاق ومهما كان نوعه يكون صحياً وسليماً ومن دون مفاعيل سلبية.

وقال د. عدنان السيد حسين: إذا جاز لي أن أبدأ بكلمة موجزة عن آفاق الوحدة والحوار دون أن أقطع من وقت العالمين المحاضِرين الكريمين، أقول إن سماحة السيد(قده) هو وحدويّ بامتياز، وهو داعية وحدة، صادق اللهجة، وصادق القصد.. وكانت الوحدة الإسلامية محور عمله في حياته.. ما نشاهده اليوم من تعصّب هو مذهبية عشائرية، أراد أن نسمّيها مذهبية طائفية.. هي ليست انتصاراً للمذهب لأن المذهب في الأساس هو مدرسة فقهيّة..

أما آية الله الشيخ محمد علي التسخيري فقال: لقد آمن السيد(قده) بالصحوة الإسلامية في هذه الأمة ونظّر لها في تأليفاته ومواقفه وخطبه، ودافع عنها، وزار الأقطار المختلفة وحضر المؤتمرات العالمية في الجزائر وإيران وأميركا والغرب، وقد حضرت بعضها وشهدت مدى التوعية والتأثير الذي كان يحظى به. كما آمن بالحركة الإسلامية في كل مكان، ورآها أملاً في خلاص الأمة من وضعها البائس.

وتلاها الشيخ مرسل النصر الذي قال: حاول البعض أن يجعل الإسلام الواحد عدّة إسلامات، لا يرتبط بعضها ببعض.. وجعل الاختلاف في المذهب الكلامي أو الفقهي مسألة تتصل بالإسلام والكفر، فاعتبر السيد(قده) أن الأخذ بهذه الاعتبارات التفصيلية والجزئيات الشرعية واعتبارها أساساً للإيمان.. يقود إلى القول إن لدى كل مذهب إسلامي شيئاً من الكفر التفصيلي فيما يخطئ المفكرون أو المجتهدون مما يعذرون فيه أو لا يعذرون.

وأكد المطران كيرلليس بسترس أنه عندما نصل جميعنا إلى أن نقول: أولاً نحن لبنانيون ثم نحن مسيحيون أو نحن مسلمون، عندئذ نضمن خلاص لبنان، فهذه الأمور مشتركة. فبين السنّة والشيعة أمور مشتركة أكثر بكثير من الأمور التي نختلف عليها، ثم أضاف بين المسيحيين والإسلام أيضاً أمور مشتركة أكثر بكثير من الأمور التي نختلف عليها.

وقال الأستاذ محمد السمّاك: يصف القرآن الكريم المؤمنين بأنهم إخوة، ويصف أهل الكتاب رغم أنهم لا يؤمنون بنوة محمد(ص) بأنهم مؤمنون، لأنهم يقولون بإله واحد، ولا يستطيع أن يفهم كيف يسمح مسلم لنفسه بأن يقدّم على سفك دم مسلم آخر، بل إن من درس الآداب الدينية الإنسانية عند علاّمتنا الراحل لا يمكن أن يستوعب كيف يعطي مسلم لنفسه حق الاعتداء على مسيحي أو على أي إنسان آخر.

وكلمة السيد جعفر فضل الله: الحوار يكتسب ضرورة ذاتية، بمعنى أن الحوار ليس مسألة اختيار طارئ وإنما هو ضرورة ذاتية تنبع من مقولة أطلقها السيد: “لا إيمان في عمق الفكر بدون حوار حتى كأن الإسلام كله حركة حوار”.

وقال الأستاذ فادي ضو أن ليس من السهل أن تتبع غزارة فكر كفكر العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله(قده) خاصة وأن مسألة الحوار شكّلت إحدى الموضوعات الأساسية في إنتاجه الفكري، لا بل أدّعي أنّ الحوار يُشكِّل بذاته لدى السيّد منهجاً في تكوين فكره.

ورأى العلاّمة السيّد محمد الحسيني أن لسيّد الكلام.. كلمات تعبّر عن فهم فلسفيّ عميق لموضوعة الحوار.. كان أوّل نشاط أفصح عنه الخالق هو أنه حاور بعض مخلوقاته.. فاختصر السيد ذلك فقال في جملة رائعة شديدة الإيجاز ضمّنها في كتابه: “الحوار في القرآن الكريم فقال: في البدء كان الحوار”… يشير إلى الحوار بين الخالق وبين الملائكة بصدد هذا المخلوق الجديد..

وقال الدكتور حبيب فياض: الدين المطلق هو الإنسانيّة والإنسانية المقيّدة هي الدين.. طبعاً هذه العبارة يمكن أن لا نجدها بشكل مباشر في تعبيرات العلاّمة فضل الله.. ولكن ما أقوله يمكن أن نجده في كلّ فكره وكتاباته وحياته لأني لم أقف على قطيعة ولو اعتبارية يفترضها بين ما هو ديني وبين ما هو إنساني..

يقول السيّد جملة مكتوبة موجودة عندي في كلّ دفتر – كما قالت نهلة الشهال –  وأنا أنقلها على جلدة كل دفتر احمله وهي: “الله حين خلق الحياة، خلقها جميلة وواسعة ومنفتحة، تفتح قلب الإنسان على لذّاتها المحللة”.. لكي نقول ما هي مركزية الإنسان في فكر السيد فضل الله. وقال السيّد إنّ المرأة هي إنسان كامل الإنسانية..

أما الأستاذ والباحث الفضل شلق فقال: لا يستقيم أمر مجتمع بشري دون وسيلة للتفاهم والتواصل (أي اللغة) ودون قواعد للسلوك (أي الأخلاق أو الدين). لا إشكالية حول قِدم اللغة إلاّ في محطات قصيرة في التاريخ) لكن الإشكالية تنشأ بخصوص قِدم الدين. تحدثنا كتب التاريخ الطبيعي والأنتروبولوجيا عن تاريخ بشري ممتد على مدى عشرات آلاف السنين، أي هو أقدم بكثير من تاريخ البشرية المذكور في قصص الكتب الدينية.

وقال د. وجيه فانوس أن سماحته كما كنت أفهم يرى في الحوار المدخل الطبيعي للحياة الاجتماعية برمّتها.. فمن دون الحوار لا وجود للحياة الاجتماعية.. إذ أن كل واحد منا يعيش في قوقعته الخاصة. وقد يخيّل إلى بعضنا أن هذه القوقعة انكشفت وانكسرت جدرانها، لكنها من دون الحوار لا تعدو أن تكون قد دخلت مرحلة الجدران الزجاجية الشفافة التي لا تظهر ذاتها ولكنها تبقى موجودة. الحوار هو الذي يكسر هذه الجدران حتى ولو كانت شفافة ويعيطنا الحقيقة على طبيعتها وعلى واقعيتها.

أما الشيخ حسين الراضي قال: حق الاختلاف في إطار الوحدة الإسلامية كتبت موضوعاً مفصّلاً قد لا أتمكن من قراءته ولكني سأقرأ بعض العناوين منه، “الإسلام يوحدنا”، “دور الاستكبار في تمزيق وحدة المسلمين”، “حق الاختلاف عند الشيعة”. فعلى منهاج الوحدة بين المسلمين سار سماحة السيّد(قده).

وختاماً قال الشيخ ماهر حمود: العالِم له موقفه.. عند السُّنة والشيعة، قد لا يجرؤ أحدنا على أن يقول كلّ ما في جعبته.. لأنه يخشى من ردّة الفعل الشعبيّة وهنا عنيت أنّ الشعب أو العامة أقوى من العلماء خاصة فيما يعني الانتماء وفيما يميّز الانتماء ويعتبر هوية مذهبياً أو غير ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى