إقتصاد وأعمال

واقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في ظل الانتفاضة والكورونا في لبنان. د. بلال سهيل الدنـدشي

إن التنافس الاقتصادي الذي يشهده السوق العالمي اليوم، أدّى إلى تسابق العمالقة على كسب أكبر حصة من الربح على حساب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما بات واضحًا التعاون والمشاركة الحاصلة في تكثيف إنتاجهم نحو سبلالتسويق في أنحاء العالم. منهم من اتخذ استراتيجية تسمى “Joint Venture” ، والتي تعرف بالمشروع المشترك أواتفاقية المشروع المشترك ، وهو ما يسمح للفرد أو المجموعة بدخول كيان عمل مؤقت بغرض تحقيق هدف مشترك. منهم من بنى إمبراطورية، أو تحالفًا “Alliances” في سبيل تبادل المعلومات والمهارات ومشاركتها وبالتالي تقليل المخاطرة فيما قد يطال الربح والخسارة، والأهم في ما سبق، أن هذا التحالف يولد ركيزة تنافسية صلبة في مواجهة الشركات المنافسة الأخرى.

من هنا، نكاد نجزم ونقر بسيطرة التحالف “Alliances”والمشاريع المشتركة ” Joint Venture” على الأسواق المحلية وعلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. فمع بداية العام 2020 بتنا نشهد الانحدار الذي نهش الاقتصاد العالمي بسبب:
1- الحروب،
2- إدارات الملفات الفاشلة في هذه الدول.
3- طمع الدول الكبرى في استغلال الدول النامية وسرقة مواردهم.
4- جشع السياسيين في سرقة بلادهم

أما في لبنان، فالوضع الاقتصادي له ميزة خاصة. إذ إن انتفاضة 17 تشرين والتي كشفت بدورها الكثير من الفساد والنهب الحاصل في ما يتعلق بالمال العام دون اتخاذ التدابير اللازمة بالمحاسبة أو حتى إيجاد قانون بمقدوره استرداد هذا المال المسروق حتى الآن. فضلًا عن ظهور ما كان ليس في الحسبان: وباء الكورونا، والذي بدوره فضح بالتالي المزيد من حقيقة هشاشة الاقتصاد اللبناني، خاصة في ما يرتبط بالسياسة المصرفية والتي ساهمت في حتمية تدمير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. بتنا كل يوم نستفيق أمام تسريح الموظفين من المؤسسات التي تلجأ مضطرة إلى ذلك جرّاء تردي الوضع الاقتصادي المتصاعد الذي بات يطال الجميع.

بناءً على تصريح المنظمة الدولية في 7 نيسان 2020 ، بلغ تراجع عدد الوظائف في العالم 185 مليون وظيفة. حتى إن سوء الوضع قد زاد على ذلك، بل تعداه إلى أن طال قطاع النفط أيضًا، بحيث وقعتخسارة كبيرة في الأسواق العالمية فوصل سعر البرميل الواحد إلى 20$ بسبب الركود الاقتصادي الذي فرضه وباء كورونا.

في لبنان، أعرب رئيس جمعية تجار جونيه وكسروان الفتوح سامي عيراني لموقع “القوات”، عن اعتقاده أن “عدد المؤسسات والشركات والمصانع التي أقفلت أبوابها في لبنان في الأشهر الأخيرة، أو على وشك الإقفال نتيجة الوضع الاقتصادي شبه الميت، يتخطى الـ1500”.

فضلًا عن اتخاذ غالبية المؤسسات الأجنبية سياسة تقليص توسعها؛ هذا ما شهده الجميع على سبيل المثال Burger King و شركة “GAP” العالمية للألبسة الرجالية والنسائية والولادية، محلات الماركات العالمية “Zadig et Voltaire” و”Ralph lauren KIDS” التي أقفلت أبوابها في أحد المجمّعات التجارية الكبرى في بيروت. كذلك محلات “605” المعروفة أقفلت في مجمع تجاري كبير، وخوري هوم اللبناني.

كما أن هناك الكثير من المؤسسات الصغيرة التي سبقت المؤسسات الكبرى بأن أقفلت سنة 2019 بسبب غزو الأخيرة للسوق اللبنانية. ففي طرابلس، لبنان على سبيل المثال، لاحظنا مؤخرًا تواجد عدة مؤسسات تركية فتحت في طرابلس فروعًا لها، ما أثر سلبًا علىالمؤسسات الصغيرة وبالتالي وضعها أمام نتيجة واحدة لا مفر منها: الإقفال التام.

وبعد كل ما سبق، نوجه عنايتنا نحو المؤسسات التربوية التي أيضًا لا بد من أن تطالها تلك الأزمة. والتي أقفلت مضطرة بسبب الانتفاضة أولًا وكورونا ثانياً. فطالت الضربة القاضية تلك المؤسسات التي تُعنى بأساس هرم المجتمع. علمًا أن معظم هذه المؤسسات بالأساس تقع تحت ضغط ديون كبيرة إما للضمان وإما لصندوق التعويضات والآن زادت الديون أمام عدم قدرة دفع رواتبالأساتذة والموظفين التي تراكمت لأشهر، وقد زاد تفاقم هذا الدين أمام حقيقة عدم قدرة الأهل على التجاوب والمبادرة إلى دفع الأقساط المدرسية. كما أن المنح المدرسية السنوية التي تدفعها بعض المؤسسات اللبنانية العامة لموظفيها كعنصر تحفيزي من ضمن شروط العمل لم تُدفع حتى الآن، والتي كان من المتأمل بدورها أن تخفف عن كاهل المؤسسة من ضغوط رواتب الموظفين الذين لم يقبضوا معاشاتهم الشهرية ربما لثلاثة أشهر أو أكثر. كما أن الأهالي حتى الآن لم يتجاوبوا مع النظام الجديد للتعليم عن بعد، لعدم اقتناع الأغلبية بأن هذا التعليم هو سبيل كاف ليبادروا إلى دفع الأقساط المتوجبة عليهم.

بالإضافة إلى هذا كله، زاد غلاء الاسعار من حدة الأزمة الاقتصادية التي رزحت تحتها هذه المؤسسات حيث إن القوة الشرائية أصبحت ضعيفة لا بل معدومة بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار السلع، لاسيما الأساسية منها، مما يؤثر سلبًا على مسيرة المؤسسات بشكل عام. كما أنه لا حلول تلوح بالأفق القريب تبشر بالنهوض لاحقًا بهذه المنظومة الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة.

إن الاجتياح الذي تطبقه المؤسسات الكبيرة على الأسواق اللبنانية يأتي بمثابة عملية إبادة لما يسمى “الدكان” أو “المحل”. وبالتالي علينا الاعتماد على أنفسنا في القطاعات المختلفة كالزراعة والصناعة والسياحة على أنواعها وإعادة ترميم القطاع التربوي وخاصة الجامعي كي يسترجع لبنان دوره التاريخي المتمثل بكونه منارة الطلاب الأجانب.

إن أقل ما يمكن تقديمه أمام الانهيارات الحاصلة، تعزيز التجارةالداخلية والصناعة المحلية وتخفيض الضريبة على المؤسسات الصغيرة ولو بنسب تتراوح بين 30% والـ40%، لكي تكون رائدة في التصدير إلى أنحاء العالم. هذا من الأمور التي قد تعيد الثقة بالصناعة اللبنانية والذي بالتالي يؤدي إلى تقليل نسبة العاطلين عن العمل، عندها تنتعش الدورة الاقتصادية بالطريقة العادلة التي من البديهي التوجه نحوها واعتمادها كهدف أسمى في أي وطن يسعى مسؤولوه إلى الحفاظ عليه ورفعه عاليًا منافسًا باقي الدول.

وأخيراً وليس آخراً، كما جاء في الأقوال الشعبية: إيد وحدة ما بتزقّف، فكما هناك حقوق للمواطن اللبناني تحتم على المسؤولين في لبنان تقديم الأفضل في ما يتعلق بمصالحه، وبالتالي مصالح الوطن، هناك أيضًا واجبات تقع على عاتق المواطن تتطلب منه المبادرة في تشجيع استهلاك الصناعة المحلية.

وعليه، على الدولة أن تعمل وتسهر على سلامة وتطور الجودةالمنتجات المحلية، كي تعود الثقة من جديد لتبشر بحياة جديدة للسوق اللبناني مبنية على الصدق والنزاهة من كلي الطرفين: الدولة والشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى