المقالات

تحالف الوقت – كتب: د. قصي الحسين أستاذ في الجامعة اللبنانية

تحالف الوقت علينا. تحالف الوقت ضدنا. حتى دخلنا في “الكوما”. نفض المسؤولون جميعا، يدهم، من ورقة العشرة آلاف ليرة، مقابل الدولار الواحد. تساوى الناس في تسول الورقة الخضراء، فثخن صوت أصحابه. تصعرت خدودهم. وتعالوا حتى طالوا السحاب بأعناقهم. خرس الملأ أمامهم. و”قعمزوا”، يضربون أخماسا بأسداس. يلطمون وجوههم، من سوء ما بشروا به. يضربون القاع بأرجلهم، وينطحون السحاب.
أصبح سواد الناس في الأرض “يا حكم”. إلا أصحاب البنوك والصيارفة، ورجال الياقات السوداء، ومن في دولتهم في القصور الرئاسية و المجالس والإدارات. ومن مثلهم من زعماء الأحزاب، ومن أصحاب المعابد ودوائر الأوقاف.
الكل خرس: صم وبكم. لا يرد على أوجاعنا، من أحد. قالوا: لا وقت لديهم لمثل هذةالتفاصيل، ومثل هذة الترهات ومثل هذي التفاهات. فهم يمضون وقتهم الآن، في تتبع الأعداء. في ترصد الغارات. يترصدونهم، ويعدون العدة لهم. للإيقاع بهم. للقضاء عليهم، وإراحة البلاد، مرة واحدة. وإلى الأبد، بالضربة القاضية.
نعم، صدقوني. يمضون وقتهم في ترصد الأعداء، وهم يضمون “الضفة”. ويضمون “الغور.” ويمضون تباعا، على عجل، في “صفقة القرن”.
وينزلون آلاتهم في شفط الغاز والبترول. بالأنابيب المستقيمة أو المائلة.
يسرقون ثروتنا، ويمنعون عنا الإقتراب من النزول، بملابس البحر إلى الماء. يمنعون قوارب الصيد، من حمولة حسكة أو سمكة. يمنعوننا من نزول البحر، بصنارة صيد. ويعلونا الجدار.
ونحن مستمرون، مسمرون. نمضي الوقت في ترصدهم،حتى “يحين الوقت”.
تحالف الوقت ضدنا. صنع لنا تحفة، إسمها “الوقت المناسب”. لا نستطيع أن نراجع بحليب الصغار، ولا بدواء المسنين الكبار. ولا بالدفتر المدرسي، ولا بالكتاب الجامعي. فالمسؤولون، عفوا، مشغولون، بتتبع العدو. “تحفة الوقت”، لم تأت بعد، حتى نربح معاركنا، وندخل في عصور الإنتصار.
تحالف الوقت ضدنا. صنع لنا تحفة نلهو بها. جعل الدمى على المسرح، ونادوا علينا بالهدوء وبالإنتظار.
لم تعد بلاد سوريا خلفنا. وقعت عن السطح، عروس الأقاليم، بثوبها المطرز بالياسمين. وتحطمت مثل تحفة خزفية قوقازية. في ساح النضال.
تداعت عليها الأمم.
لم تعد هذي البلاد- جدارنا الأهلي- جدارنا المتماسك. صارت من شظايا الجدر. تساقطت حتى التفاصيل الصغيرة. حتى العناوين الدقيقة. لم تعد فصلا من كتاب الشرق. صارت نثارا من “بلاد إدلب” وإنطاكية والإسكندرون. ومن بلاد دير الزور. ومن بلاد كوباني/عين عرب. ومن بلاد السويداء. ومن بلاد حوران والجولان. في زمن النضال على قمم جبل الشيخ، وتلال حرمون.
تحالف الوقت ضدنا. تحفة الوقت، ذابت من الإنتظار.
علينا أن ننتظر بعد. ننتظر سادات موسكو وطهران وإسطنبول. علينا أن ننتظر ،حتى تطل القمة على الأمة. قمة مأمولة مأمونة. تهدينا تفاهما. في عصر التفاهمات، التي تعودنا عليها. ورقة تطير وتحملنا إلى زمن يسير.
لعلنا بعد ذلك، نحصل على طريق آمن، وعلى علبة حليب، وعلى رغيف خبز، وعلى تنكة مازوت أو بنزين و ساعةكهرباء.
تحفة الوقت ضدنا. جعلتنا نسابق أرجلنا. جعلتنا في سباق مع الوقت: في ليبيا، وفي السودان، وفي مصر وفي غزة.
كم ننتظر بعد، حتى يعود المناضلون من إنتصاراتهم، ويعود المقاتلون من جبهاتهم. يحملون إلينا غار الإنتصارات، وبعض حوائجنا: علب الحليب، عقاقير الكآبة، ومصلا بائتا للأحزان.
يمددون تقنين الماء والكهرباء لساعتين. ولو بثمن وزير، للطاقة، بخدمة ساعتين.
تحفة الوقت، في جميع الجهات ضدنا اليوم. فلننتظر حتى مساء الغد. لا بر .لا بحر. لا جو، لنا الآن.
فالقوم في أشغالهم اليومية من الصباح حتى المساء، مع الأعداء.
سدت منافذنا. سدت منافذ الخلاص في وجوهنا. والأمل صار شارة سوداء في الأفق البعيد.
أمل، وعدنا به لشهور قليلة، يبرق علينا الآن في سحب الجحيم.
تحالف الوقت يمضي بنا سهما. مثل سهام الموت. في طريق مستقيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى