المقالات

السنية السياسية …في الأدراج المنسية…كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف

بدءاً من الإعلان عن قيام دولة لبنان الكبير ، وفصله عن بلاد الشام بحدوده الجغرافية وسيرته التاريخية ، مع إيجاد قوانين و نظام خاص به ، متناسقاً مع النظام الفرنسي وقوانينه، بصيغة معرَّبة ، مع إمتيازات خاصُة لمن بات يردد : أن فرنسا أمٌُنا الحنون …
وقد بني النظام اللبناني على ركائز طائفية إستكمالاً لنظام المتصرفية المعهود ، مع ضم محافظات جديدة في الشمال والجنوب والبقاع لتشمل طوائفها وفق أكثريتها، على أن يكون التوافق بميثاق جديد تصدرته الطائفتان السياسيتان : المارونية والسنية ، فكان ميثاق ١٩٤٣ ، الذي جسّد النظام اللبناني من بعد جلاء الجيش الفرنسي عن الأراضي اللبنانية ، وهو ما إعتبروه بمثابة الإستقلال وقيام الدولة اللبنانية…
وإثر ذلك… فقد بدأت معها الصراعات الداخلية في إثبات وتثبيت كل طائفة قد إعتُرفَ بها لمكاسبها ووجودها بمؤسسات الدولة وأجهزتها ، وكيفية توزيع المغانم والمراكز والمناصب ، وفق الإمتيازات التي فرضت بالقانون والدستور المعتمد لهذه الدولة الجديدة …
مثال ذلك : إعتماد /٩٩/ نائباً منهم /٥٤ /للمسيحيين و/٤٥/ للمسلمين… والأبرز منهم عند المسيحيين هم الموارنة ، وعند المسلمين هم السنّة…
دام هذا الصراع السياسي على مدى العهود الإستقلالية ،حتى إجتاحت لبنان الأحداث المأساوية سنة/ ١٩٧٥ ، والتي فُسِّرت من كل طرف وفق الأهواء والإتجاهات التي تتبع لها كل طائفة داخلياً وخارجياً ، بل كل مذهب لبناني …
وإستمرت بشكل جنوني حتى جاءت دعوة قيام مؤتمر الطائف و تكريس ميثاق جديد للبنان وتجسد ذلك في دستوره ، الذي إعتمد المناصفة في توزيع المناصب والتوظيفات للفئة الأولى ، مع تثبيت الرئآسات الثلاث : الأولى للموارنة ،والثانية للشيعة ، والثالثة للسنّة ، مع توزيعات متناسقة للطوائف الأساسية الأخرى…
ومنذ سنة / ١٩٩٠ تاريخ توثيق الطائف وحتى كتابة هذا المقال ، لم يتم تنفيذ بنود هذا الميثاق كما هو مطلوب ، أو كما هو متفق عليه ، إلا بأمور شكلية بالمناصب والمكاسب لأمراء السياسة اللبنانية ، وتكريس وتثبيت وجودها عبر التلاعب في تفسير ميثاق الطائف وإضافة ما يناسبها كإعتماد الميثاقية… أو التوافقية السياسية… أو التوزيعات الثلاثية… والمحاصصات في المشاريع والتوظيفات الشعبوية الى آخر فئة ، والوزارات السيادية ، والوازنة ، والخدماتية… والمراسيم والقرارات المشروطة على قاعدة : ( ما لنا ، لنا وحدنا ، وما لكم لنا ولكم…) … إلخ..
كل ذلك سار على درب المكاسب وعلى مستوى الصراع في المنطقة العربية ، وما دار من أحداث دامية في سوريا خاصة ، والتي إنعكست بصورة مباشرة على الطوائف اللبنانية ، وخاصة الطائفتين السنيّة والشيعية ، حيث بفعل مواقف وتداخل أسياد هذا الصراع فقد ضمرت الطائفةالسنيّة ، و قويت شوكة الطائفة الشيعية…
وإنعكس ذلك على كل مكاسب السنّة في ميثاق الطائف ، وفي النظام اللبناني الذي إختلّ توازنه وبات على شفير الهاوية ، التي أوصلته المنظومة السياسية الى جهنم الفساد المالي والإقتصادي والسياسي والقضائي ، وربما الأمني الذي يداهمه عطفاً على ضغوطات تصعيد الصراع في المنطقة …
وقد لاحت ملامحه في التدخل المباشر من أطراف لبنانيين في أجواء الحروب والأحداث الأمنية والسياسية في المنطقة ككل والخليج العربي على وجه الخصوص…وهذا أيضاً ينعكس على الطائفة السنيَّة مزيداً من الإنتكاسات والإنحسار في عملية لعب الدور الشامل الذي كانت تلعبه الطائفة منذ وجود لبنان وقيام دولته ، حيث كانوا السند الأساسي لمتانة نظامه ومؤسساته…
هل المشكلة السارية على الطائفة السنيّة عامة ، وفي لبنان خاصةً ، هم أبناء الطائفة أنفسهم …؟؟؟
هل عدم الإلتزام بتطبيق بنود ميثاق. الطائف ، والخروج عنها يعود لأبناء الطائفة السنيّة…؟؟؟
هل أن التدخل الفئوي أو المذهبي في معارك سوريا والعراق واليمن عسكرياً … وفي البحرين والسعودية والإمارات والكويت أمنياً وسياسياً ومخدراتياً ، يعود لأبناء الطائفة السنية في لبنان حتى يشملهم العقاب بالتخلي عن مؤآزرتهم ونصرتهم لما يواجهونه من تحديات ومواجهات معكوسة على طبيعة الصراع في المنطقة…؟؟؟
هل الساسة والقادة السنّة في لبنان قد إتخذوا المواقف السلبية من أي طائفة أخرى ، أو كانوا مساهمين في الصراع الإقليمي والعربي كإسناد عسكري أو أمني أو حتى سياسي لفئة دون أخرى في المنطقة … وحتى لو حصل ذلك بخطأ عند أحدهم ..فهل يعاقب أبناء الطائفة بعامتهم وتعطيل مصالحهم ومشاريعهم وحياتهم ودورهم السياسي في لبنان…؟؟؟
تساؤلات عديدة وكثيرة تطفوا على وجه الصورة التي تتظهر على الساحة اللبنانية ..والتي تؤثر على مسرى الأمور للدولة اللبنانية ، وعلى الساحة السياسية العامة ، والتي تتحول الى سياسة عنصرية وفئوية ومذهبية قد تؤدي الى فرط عقد ميثاق ١٩٤٣ / وأيضاً ميثاق الطائف /١٩٩٠ ، والذهاب الى مؤتمر تأسيسي وليس ميثاقي ، حيث يكون فيه البحث بتغيير المعادلات والتوازنات الطائفية والمذهبية، حيث أن الطائفة السنيّة ليست على إستعداد لما يدبر لهذه المنطقة وللبنان بالذات…
الدعوة الى أبناء الطائفة السنيّة ، (ولو جاءت متأخرة) أفضل من ألاّ تأتي ، ليكون لهم مؤتمراً تأسيسياً خاصاً بهم ، يمكنهم من لملمة أوضاعهم وتأمين الحد الأدنى من شؤونهم السياسية والحياتية والإجتماعية ، بإعتبارهم يمثلون الطائفة الكبرى في لبنان ، والسند الأقوى لقيام الدولة ، وعلى كاهلهم يجثم مبدأ الوحدة والتضامن والتكافل ، بدل التقسيم والتشتيت والتدويل… وهذا من منكرات السياسة المعتمدة في مبدئهم وتاريخهم وتراثهم لمئات السنين والعهود …
إن هذا الأمر الواجب بتثبيته وإعتماده في السياسة الشرعية التي يمكن للقادة والساسة من أبناء الطائفة السنيّة في لبنان وعلى التاريخ أن يسجل هذا الموقف الواحد الموحد في أي ميثاق أو مؤتمر تأسيسي جديد ، يجري الإعداد له على حساب المنطقة ككل ،ولبنان تحديداً…
الأمور التي تجري على الساحة العربية واللبنانية ليست بالمزاح ، ولا تؤخذ بالهرطقة السياسية التي تدخل بالحسابات الشخصية والضيقه على قياس : زعيم منطقة أو حزب أو تيار … إنما الأمر مصيري للطائفة بمجملها ، وقد باتت بمهب الرياح ، التي تجتاح المنطقة وتعيث فيها فساداً وخراباً ودماراً وتشتيتاً …ولن ينفع معها القول : عند هبوب العاصفة إحنِ رأسك… ولكن القول النافع معها : (وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة) …
فقوة المواجهة تكون بالإعداد على مستوى القضية … والحالة المرئية … والمسألة الوجودية…
أين أنتم منها يا قادة وأبناء الطائفة السنية … لتكونوا الند للند في الأبحاث السياسية … حتى تأخذوا الحق في المؤتمرات التأسيسية … ومكانة طائفتكم بالتوزيعات السيادية… والتوازنات الطائفية… حتى لا تبق حقوقها بالأدراج المنسية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى