التحقيقات

بين الجانب الجماعي والمسيّس للدين والجانب الفردي – أسامة إسماعيل

المشكلة هي في الجانب الجماعي والمسيّس للدين والمذهب الديني. ففي هذا الجانب يتعرض الفرد للضغوط والإيحاءات النفسية التي تجعله يخضع لمعتقدات ومناسبات وعادات وطقوس تتعارض مع العقل وإلارادة الفرديين والعلم والحرية والإستقلال والراحة والكرامة والحقوق الفردية، فيما يستطيع الفرد النخبوي المستقل الذي يكون خارج نطاق الجماعة أو القطيع الطائفي والمذهبي والعشائري والحزبي والشعبي أن يرفض ما أدخل في الدين والمذهب من شوائب وخلل في مجالات العقيدة والعبادات والمناسبات والعادات والطقوس والسلوك. وكذلك يرفض التبعية والولاء للأشخاص والأحزاب التي تدّعي تمثيل الدين أو المذهب.
النظام الديموقراطي الإنتخابي الطائفي الحزبي يشجع الجانب الجماعي والمسيّس للدين ويقصي الجانب الفردي الذي يقوم على الإيمان الحقيقي والعقل والإرادة الفرديين ويضع العاطفة والغريزة والمصلحة المادية في النطاق الفردي ضمن ضوابط وحدود معينة تمنع التفلت والفوضى من جهة والتعصب والتسلط من جهة أخرى. فكل شيء في هذا البلد يربط بالمذهب والطائفة من انتخاب رئيس الجمهورية والإنتخابات النيابية ورئاستي مجلس النواب ومجلس الوزراء مروراً بالمدراء العامين والبلديات وصولاً إلى تعيين موظفين في الفئتين الثالثة والرابعة وحتى النواطير! وهذا الأمر نتيجة استغلال الجانب الجماعي والمسيّس للدين وتفضيله على الجانب الفردي العقلاني، حيث تعطى الأهمية والأفضلية للإنتماء والولاء للجماعة الدينية المذهبية بدلا”من الصفات والخصائص الفردية كالعقل والعلم والثقافة النخبوية والكفاءة والجدارة والإنضباط والنزاهة والإستقامة والحرية والإستقلال. ويؤدي هذا الجانب إلى ترسيخ دين المظاهر والمناسبات والقشور والأحزاب والطائفية. وهذا الدين يقوم ويستمر ويقوى على المعتقدات الجامدة والجاهزة والعواطف والغرائز الجماعية ومصالح البعض المالية والمادية والجهوية والإنتخابية، وينفّر الإنسان من الإيمان الحقيقي عبر الضجيج والإزعاج والتسلط والتعصب والفوضى والتحقير واستغلال الدين والمذهب من قبل”سياسيين” وأحزاب وسلطات دينية مذهبية لأجل مصالحهم وغاياتهم المادية والمعنوية والسلطة والسيطرة والنفوذ.
إن النظام الديموقراطي الإنتخابي الطائفي الحزبي يشجع الجانب الجماعي والمسيّس للدين، الذي يضع تقديس أشخاص والولاء لهم وتعظيمهم في مرتبة ثانية بعد عبادة الله وتقديسه والولاء له. وهذا الجانب يركز على إظهار الإنتماء والولاء للجماعة الدينية المذهبية ورؤسائها، ومن يحمل هذه الصفة يستطيع أن يتولى إدارة الدولة والشأن العام وأن يشغل المناصب والوظائف وأن يحصل على الراتب أو الدخل المرتفع والتكريم والتبجيل والحظوة في موضوع الإرتباط والزواج بغض النظر عن صفات العلم والثقافة والجدارة والحرية والإستقلال والأخلاق والذوق. ولو كان الجانب الفردي
للدين المستند إلى الإيمان الحقيقي والعقل والإرادة هو السائد لتورع “السياسيون” والأحزاب والمسؤولون الماليون والمصرفيون والإقتصاديون والتجار الكبار ووراءهم دول خارجية عن التسبب بهذه الأزمة المالية والنقدية والإقتصادية التي تضغط على الفرد ذي الدخل المحدود والمنخفض، وخاصة المثقف النخبوي المستقل الذي يزاول عملا”أو مهنة حرة أو تعطل عن عمله بسبب الأزمة، وتؤدي إلى تراجع قدرته الشرائية إلى مستويات متدنية جداً توازي تدني قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 98% مقابل الدولار الأميركي الذي ارتفع سعره، محلياً، بنسبة تفوق 1000%، ولما أقدم البعض على المضاربة بسعر الدولار في ما يسمى “السوق السوداء” أو السوق الموازي، ولما أقدم أثرياء ومصرفيون قبل هذه الأزمة وفي بداياتها على تحويل ودائعهم بالعملة الصعبة إلى الخارج رغم ما يسببه ذلك من ضغوط شديدة على الليرة اللبنانية التي تربط قيمتها بالدولار الأميركي. وهل اهتم السياسيون والأحزاب والمسؤولون المصرفيون والماليون والإقتصاديون والمضاربون بنتائج سياساتهم وإدارتهم السيئة ومضارباتهم وتسببهم بالمشكلات والأزمات؟ وهل هم مهتمون الآن بتغيير هذه السياسات وحل الأزمة أم أنهم مهتمون بأرباحهم ومصالحهم وحصصهم ونفوذهم ونفوذ بعض الدول الخارجية ومصالحها؟ وما نفع ربط المناصب وتولي إدارة الدولة والشأن العام والإنتخابات النيابية والرئاسية والبلدية والوظائف بالإنتماء والولاء للمذهب والطائفة أي الجانب الجماعي والمسيّس للدين؟ هل يسهم ذلك في تقوية الرقابة الذاتية والأمانة والنزاهة والذوق والضوابط والتحرر والإستقلال لدى متولي إدارة الدولة والشأن العام والسياسيين والأحزاب والتابعين لهم في المجتمع والمسؤولين المصرفيين والماليين والإقتصاديين والصرّافين؟ وهل منع التركيز على الجانب الجماعي والمسيّس والحزبي للدين حدوث الفساد المالي والإداري والإجتماعي والهدر والمضاربة والإحتكار والفوضى والتسلط والتعصب والإثراء غير المشروع والربح السريع الفاحش عبر “Fresh dolar” على ظهر الغير وخاصة المثقف النخبوي المستقل الذي يزاول عملا”أو مهنة حرة بمدخول محدود أو منخفض بالعملة اللبنانية؟ وهل يمنع الذين يعلنون ويظهرون الإنتماء والولاء للجماعة الدينية المذهبية أو الأحزاب الطائفية والمذهبية عن القيام بممارسات” التشبيح “و” البهورة”والتشفيط” والإزعاج والإستفزاز والتجسس والمراقبة وقطع أرزاق غيرهم وخاصة من يعتبرونه مختلفاً ومتمايزا” عنهم. فدين المظاهر والقشور والمناسبات والأحزاب والطائفية والمذهبية هو عدو الإيمان الحقيقي والعقل والإرادة والعلم والثقافة النخبوية والحرية والإستقلال والعدالة والراحة وقيمة الفرد، وخاصة النخبوي المستقل. وإن انتقاد هذه الحالة المزيفة والمشوهة للدين ورفضها ليسا كفرا”وإلحادا”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى