الأخبار اللبنانية

المطران مطر: كل إصلاح سيكون مشروعا إذا ما أرسى العيش على الشراكة الحقيقية

احتفل رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، قبل ظهر اليوم، بقداس الميلاد في كاتدرائية مار جرجس المارونية في بيروت، عاونه فيه النائب العام للأبرشية المونسنيور جوزيف مرهج والمونسنيور اغناطيوس الأسمر والأبوان بول مطر وجو دكاش، في حضور النواب: فؤاد السعد وإيلي عون ونديم الجميل وناجي غاريوس والان عون وحكمت ديب، الوزراء السابقين: ماريو عون وجو سركيس وسليم الصايغ، رئيس المؤسسة المارونية للانتشار ميشال إده، رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن، رئيس الرابطة المارونية جوزيف طربيه، رئيس بلدية الناعمة العميد خليل مطر والأمين العام للاتحاد من أجل لبنان مسعود الأشقر ومؤمنين.

بعد الإنجيل ألقى مطر عظة قال فيها: “عيد الميلاد هو عيد الفرح بامتياز. إنه أولا فرح السماء التي تحقق مشروعها بتفقد الخالق لخليقته، وإعادة وصل ما انقطع بينهما منذ القديم، بفعل شرور هذه الخليقة ونكرانها الجميل. وهو أيضا فرح الأرض لاستقبالها الزائر الإلهي الذي أراد الانتساب إلى عائلة أهلها لينسبهم جميعا إلى عائلة السماء، فتتدفق عليهم خيراته محبة وسلاما. وإذ نعرب عن هذه الحقيقة الإيمانية الكبرى، نستنتج منها أن فرح هذا العيد لا يتم، إلا باللقاء الشخصي الذي يجري بيننا وبين الطفل الآتي إلينا برحمته. فهذا اللقاء وحده ينتج فرح العيد، وأي فرح من دون هذا اللقاء لا علاقة له بالعيد وقد يكون خروجا منه وفي بعض الأحيان خروجا عليه. فتعالوا في هذا العيد المجيد الذي ينقلنا إلى أجواء بيت لحم منذ ألفي سنة ونيف، وإلى صباحها المشرق أنوارا على الجالسين في بقعة الموت وظلاله، لنستقبل رب المجد في قلوبنا الملهوفة إليه والتائقة إلى خلاصه”.

أضاف: “العيد أولا هو لكل منا، عبر لقائنا المذكور بيسوع المسيح، فنسجد بعرفان وحب أمام طفل المغارة كائنة ما كانت أعمارنا أو مكانتنا أو ظروف حياتنا. وفي غمرة الفرح العظيم نقدم آيات الشكر لله الذي أرسل إلينا الكلمة المتجسد، الذي يطرق بابنا ويداه مملوءتان من أنعام السماء وأفضالها. إنه يحمل رعاية خاصة لنفوسنا وعناية تثبتنا في الوجود فلا نشعر فيه لا بالغربة ولا باليأس من أية حال تعترض حالنا. أما جوابنا على محبته التي لا توصف فيكون بإيماننا المطلق به وتصديقنا لكلامه وقبولنا بمشيئته تجري بنا على الدوام قولا وعملا. هكذا يمنحنا العيد مناسبة لتجديد فعلي للعهد القائم بين الله الذي تبنانا بابنه الحبيب، وبين أشخاصنا الضعيفة والخاطئة والتي يغمر كيانها المحدود فيض من السعادة التي لا حدود لها. فلك أيها الطفل الإلهي في عيد ميلادك المجيد بعض ترجيع للمحبة التي أحببتنا بها، والوعد بأن نكون لك أمناء ولحق إنجيلك شهودا أوفياء”.

وتابع: “ثم يحمل العيد ثانيا بركة خاصة لكل عائلة من عائلاتنا البشرية، آباء وأمهات وأبناء. أليس الله من جمعها أصلا وأعلن في الإنجيل الطاهر أن ما جمعه هو لا يفرقه إنسان؟ لقد خلق النظام العائلي في الكون منذ البدايات. وهو الذي يمنح لكل أب صفة الأبوة التي تحاكي أسرار الآب في أبوته، ولكل أم صفة الأمومة التي منحت للكنيسة ولأم الكنيسة. لقد اختار لابنه الحبيب أن يستقبل على الأرض في أجواء عائلية تكرس قدسية العائلة وعظمتها في تدبير الخليقة. فكانت لنا أجمل التفاتة من السماء بعطيتها مريم التي اختارها أما للقدوس، وجعلها الأجمل والأقدس بين النساء، كما اختار للابن الصائر طفلا أبا ومربيا بشخص يوسف الصديق؛ فصار شفيعا للعائلات بفعل حراسته العائلة المقدسة وتكريس ذاته لخدمتها. فيا أيها الطفل الإلهي المطل علينا عبر عائلة لك خاصة قدستها وقدمتها لعائلاتنا قدوة ومثالا، بارك عيالنا وثبتها في محبتك فتصمد في وجه الأعاصير على أنواعها وأرجع قلوب الآباء إلى أبنائهم وقلوب الأبناء إلى آبائهم فنعرف في المجال العائلي أيضا خلاصك الإلهي”.

وقال مطر: “يشرق العيد ثالثا بأنواره على عائلتنا اللبنانية الكبرى وعلى هذا الوطن الذي يحتضننا أحياء وأمواتا. أفلا يحمل طفل العيد رسالة يخصنا بها نحن اللبنانيين وبركة يغدقها علينا بفيض من محبته؟ لقد قال البابا يوحنا بولس الثاني في بلادنا قولا تاريخيا يجب أن نستحقه على الدوام، عندما أعلن أمام الدنيا أن لبنان هو أكثر من وطن وأنه رسالة في العيش المشترك الحر والكريم بين مسيحييه ومسلميه. فالاحترام الذي يكنه أحدنا للآخر في حياتنا الوطنية والإنسانية يجب أن يبقى قاعدة راسخة من قواعد سلوكنا. وإن كان التاريخ قد جعل طوائفنا حرة بإيمانها أمام الله والناس، إلا أنه وحدنا أيضا على هذه الأرض وقسم لنا قسمة ونصيبا بأن نندرج في الإطار الوطني الجامع فنعطي عن وحدتنا هذه وعن تنوعنا أيضا مثالا يحتذى به بين الأمم. فالمسيح الذي هو الحق يبارك مساعينا إذا ما أردنا أن نحفظ حقوق كل طائفة فلا تشعر أي منها بالغبن ولا بالتهميش أو بالاختزال. وكل إصلاح سيكون عندنا مشروعا إذا سلك هذا المنحى وإذا ما أرسى العيش الوطني على الشراكة الحقيقية وغير المنقوصة في الحكم وفي الحياة. لكن طفل المغارة يقول لنا أيضا: أن لا خلاص لنا دون أن نجتمع على الحب المتبادل والثقة الراسخة في العقول وفي القلوب، ودون أن يضمنا بالنهاية مصير واحد. فلندرك إدراكا واعيا أن لا قيمة لوطننا ولا لطوائفنا في ميزان الحضارة وفي مصير الأمم ما لم نكن وطنا واحدا وشعبا مقيما على المودة والصفاء. فليكن فيكم من الحب أيها اللبنانيون بعضكم حيال بعض ما في المسيح صاحب العيد، فالحفاظ على تنوعكم وعلى وحدتكم معا هو الطريق الذي لا طريق غيره لإنقاذ لبنان”.

أضاف: “ما من شك في أن طفل المغارة يرنو أيضا بعين حبه في هذا العيد إلى البلدان العربية التي تعرف اليوم تحولات تاريخية خطيرة. هو الذي أراد أن يولد فقيرا في مزود والذي قبل فيما بعد أن يحمل صليب الفداء حبا بكل إنسان، لا بد أن يقول لإخواننا من حولنا، على تنوع أفكارهم ومواقعهم، ألا تذكروا الله وترفعوا في الوقت عينه يد الحقد والبغضاء بعضكم على بعض. إن الدين رحمة وكلنا من طينة واحدة جبلنا، فلندع الله يرعى نفوسنا الرعاية الحقة، وليكن لنا ديانا وحده فلا ننبري بعضنا لبعض مكانه ديانين. ولنعرف أن المذاهب ما كانت أصلا سوى طرق تؤدي إلى الله فلا نجعلن منها متاريس تقام داخل الأفكار والقلوب قبل أن تقام في جوانب الساحات. وإذا أردنا تطورا في حياتنا أو تقدما حقيقيا فليكن محكوما بمزيد من الإنسانية وليس بتنقيص منها، وبمزيد من الوحدة المتضامنة وليس بالتفريط بها ولا بتمزيقها”.

وتابع: “من المنطقة العربية يكمل يسوع زيارته إلى مناطق العالم بأسره. فهو لا فرق عنده بين شعب وشعب، وافتقاد الخالق لا يكون لنصف خليقته بل لخليقته كلها. وهكذا محبة المسيح، فهي للناس أجمعين. وقد ظهرت بظهوره مشيئة الآب في أن يجمع أبناءه المتبددين إلى واحد. ولئن كان العديد من الناس ما زالوا بعد ألفي سنة من الميلاد يفضلون الضلال على الهدى، والظلم على العدل والقوة والقهر على المحبة والسلام، فإن رسالة المسيح لهم ولنا أن لا خلاص ممكنا بقوة السيف الذي لا بد أن ينكسر، فالغالب اليوم مغلوب غدا. إنما الخلاص بحضارة المحبة التي تعلو على حضارة القتل والموت. وإن طفل المغارة المتواضع هو الأقوى بحبه الناس وبتحريره إياهم من كل نزوة تؤدي إلى ابتلاعهم في لجة الغرق والموت”.

وختم مطر: “المسيح الآتي هو الرجاء المستعاد للبشرية كلها، وهو الذي يمنحنا قوة العمل في سبيل الخلاص فلا تخور في الدرب قوانا ولا نستسلم لليأس ولا للإحباط. إنه الربيع الحق المطل على الدنيا، ربيع الحب والتضامن والحرية والسلام. ولن يكون في الدنيا ربيع إلا بروحه ومحبته. فأعطنا أيها الرب يسوع، يا رجاء الآباء وانتظار الشعوب، ويا طفل المغارة الأجمل وأمير السلام، أن نؤمن بربيع حبك ونعمل على نشره في الربوع وفي القلوب. وليعطنا تذكار ميلادك العجيب أن نستقر في الفرح فنمتلئ على الدوام بفيض من أنعامك علينا ومن بركاتك المجيدة، آمين”.

قداس نصف الليل

وكان مطر احتفل بقداس نصف الليل في الكاتدرائية بمشاركة حشد من المؤمنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى