المقالات

أبونواس والعموديه

بقلم :حنان مصطفي

جه تليفون لوالدي أن أخوه مات في القرية ولازم يحضر الجنازة ، في الحقيقة عمري منزلت قريتنا نهائي .. يمكن ده بسبب والدتي ال عمرها محبيتها ، علي الرغم أن العمودية بتاعت القرية تقريبا بناخدها بالوراثة ، وال ابويا رفضها وقرر أنه يسافر القاهرة ويكمل تعليمه هناك علي الرغم من رفض جدي ليه لانه ابنه البكري وان عمدة القرية هتبقي ليه، ابويا كان لما بتوحشوا القرية بيسافر لوحده مع أنه ديما كان بيحاول أنه ياخدنا معاه بس بسبب رفض امي ال مكنش ليه مبرر ليا وانا صغير كان بيتقابل الاقتراح بالرفض ، وبتبدي المناوشات بنهم أن ابوه اكل وشه ازاي مش عارف يجيب ولاده يشوفوا اصلهم ، بس لما كبرت شوية امي ذودتلي شوية من ادراكي عن القرية بتاعت ابويا ، يعني زي مهو بيقول إنهم بيمتازوا بالطيبة وكرم الاخلاق إلا أن الحماقة والجهل والمفاهيم الخاطئة بتنتشر فيهم ، امي قالتلي أن عندهم مصطلح لاسم مهنة كتير من القرية بيمتنهوا بيها وهي “”العارف”” ودول بيبقوا متخصصين في السحر والشعوذة وكل أمور الجهل ، وعلي الرغم من ده قررت اني انزل مع وابويا المرة دي بكامل إرادتي ، حبيت اسكتشف البلد بعد مانتهيت من جامعتي وقررت اني انزل عشان أقف في ضهره في مراسم الدفن ..

الطريق كان كبير اخد فوق ال ٧ ساعات عشان نوصل الضهر ،ولما وصلنا كانت أهل القرية كلها في انتظار ابويا علي مشارف البلد .. كأنه استقبال ملوك ، واول منزل فضلوا يحضنوا ويبوسوا في ، ولقيت كمية ناس بترحب بيا ترحيب شديد ! .. وبعدها روحنا لبيت جدي الواسع البيت كان كله صراخ وندب من حريم البيت ، ابويا وط عشان يبوس أيده وانا قلدته ، مكنش بيتكلم وبعدين بصله وقاله

— انت توك افتكرت أن ليك أهل ياسعيد ؟

نظرة ابويا كان علي الأرض وهو بيتاسف وبيبكي ! .. ساعتها بصلي وقالي ..

— وانت تعرف انا مين يابن مصر ولا مجالش ليك ؟..

كانت نظرته صلبة وقاسية بلعت ريقي وانا بقوله
— ايوه حضرتك جدي حسان ..

ابتسم وقام من علي كرسي .. وبدأ يخرج عشان يحضر الغسل بتاع ابنه وبعدها قررنا ندفن .. في المقابر كانت بتبعد عن البيت بحوالي ٢ كيلو اخدناهم مشي وسط حشد من القرية ، المقابر عكس ال انا معتاد عليها ، دي كانت مصفوفة جمب بعضها كانها قرية مهجورة وفيها أشجار قربت تدبل وبتصارع الحياة باحثة عن مياه ، والدي كان منهار بشكل كبير اول ماخوه دخل اللحد اخواته ال خطفهم الموت بدري علي الرغم أنه أكبر واحد ، حتي بعد مالناس مشيت قرر يقعد ويبكي ، لحد ماجدي اتكلم من وراه وهو بيقول
— كفاية نواح .. الميت مبيعدش والبكاء ملوش لازمة علي رأي ابو نواس ولا انت مستني ابو نواس زي زمان ! ..

لما والدي سمع اخر جملة بالتحديد سكت من البكاء ومسك منديله وبصله وقام وقاله
— بلاش السيرة دي ياحاج احنا مش لوحدنا وجاين زيارة عزاء يلا بينا ..

جدي ضحك وقاله
— ايه خايف علي الولد لقول مين ابونواس ؟ .. ثم مين قالك انك ماشي ..!

قالها ولف ضهره ومشي ، فضلت ابص لابويا ال كان ساكت وهو بيشدني من كتفي بهدوء عشان نتبع جدي ..

العزاء كان غريب استمر اسبوع تقريبا عمري محضرت عزاء بالطريقة دي .. اتعرفت علي ولاد عمي .. كانوا مش حبني معادة واحد اسمه محمود ويمكن العلاقة بينا ذادت وعشان افتكرت حاجة سألته عليها .

— انا سمعت جدي بيقول عن حد اسمه ابونواس ؟ مين ده يامحمود ..

ساعتها محمود حط ايدي علي بؤي وهو بيقولي اوعي تجيب السيرة دي هنا .. احنا النهاردة السابع جايين نزور الموتي ونمشي .. هبقي احكيلك بعدين ..

استنيت لحد ممشينا وبعدين فضولي قالي اسئله تاني وساعتها اتنهد وحكالي ..

— بلدنا دي مليانة بسحر والأعمال .. في كل ضاحية هتلاقي بيت مشهور بالأعمال دي ، بس اشهر واحد في قريتنا هو علام بيقوله سحره فتاك .. وبيستخدم ابونواس ساكن المقابر .. انا عمري مشوفته بس في ناس شافته ، بيقولوا أن ابوك كمان شافه لما امه ماتت وكان بيعيط هناك .. وجه وقاله أن النواح ملوش فايده ولما بص عليه اتخض وشعر ابوك الأبيض ده من صغره مش عشان كبر سن.. ويمكن ابوك كره البلد وعمايلها من اللحظة دي ..

كان كلامه مش مقنع مكنتش عايز اضحك .. بس فعلا راي امي صح .. وبعد الاسبوع جدي اجتمع بناس كتير في القرية وقال وسط الحشد

— ولدي سعيد عمدة البلد الجديد خليفة لأخوه حارث ..

كانت عنيا علي نظرات ابويا وجدي ، كان نظرات ابويا كلها دهشه واستغراب !! .. اما جدي ملامحه كانت ثابته وهو باصص عليه ..

وبعد الانتهاء من المجلس لقيت ابويا رايحله وهو بيقوله

— انت ايه ال بتقوله ده يابا ؟ .. مين قالك اني عايز عمودية انا ماشي القاهرة انا وابني دلوقتي ..

جدي ساكت ومبتكلمش .. لحد مدخل واحد لابس عباية سوداء وتقيلة وعمامه حمراء وشه عليه غبره ومجرد متشوفه تحس برجفه تصيب جسمك ..

ابويا اول مبص ليه عنيه اتفجأت وبص لجدي بسرعة وقاله

— العارف علام ؟؟ .. مالك ياحاج انت بالناس دي ؟ دي عالم كفرة بتاعت سحر ؟ ازاي تدخله الدار !

جدي اتكلم وهو بيبتسم !

— العمودية متخرجش من نسب عيلة نصار مهما كلف الامر ؟ .. وانت تحت طوعي انت وعيلتك كليتها .. انا مش همنعك تمشي ومتكملش ال كمله اخواتك .. بس انت عارف علام عمل ايه ! .

ابويا قرر يمشي .. اول حدث غريب حصل ، واحنا علي مشارف الخروج من القرية ابويا بدأ يكح بكثرة وبعد كده لقيته بينزف من بؤء .. بصلي وهو بيقولي كمل سواقه انت !! ..كان باين عليه التعب ! .. وبعد أيام معدودة دخل في غيبوبة استمرت لاسبوع ، من بعدها حاله اتبدل .. بقي رفيع جدا !! .. بيكرهنا كلنا تقريبا مبينمش ولا بيخرج من اوضته ، بسمعه بليل بيقول كلام غريب ! ..امي كمان بقيت تخاف منه ورافضه تحكي ، وعشان كده لقيت خالي سمير عندنا .. خالي جالنا علي الساعة ١٠ بليل تقريبا ، كانت زيارة مفاجئة .. ابويا خرج من اوضته مكنتش شوفته بقالي اسبوع .. واول مخرج قال جملة واحدة
— ايه ال جابك هنا ؟

خالي ابتسم وقالوا ..

  • ايه ؟ .. مش حابب وجودي ياسعيد !! ..

اول مرة اشوف عين ابويا بالاحمرار ده ، كان خالي بيبص لامي وبيهز رأسه ، حسيت اني ترجمت شوية زيارة خالي سمير معالج روحاني وأمي ال قالته أن حالة والدي مش مظبوطة .. والدي كان قاعد بيبصله بغيظ شديد !! .. وخالي قاعد علي الكرسي مبيتكلمش ! بس اتكلم وقاله
— عامل ايه ياسعيد !

  • انا مش سعيد ..

خالي طلب أنه يدخل معاه الاوضة ، وبعد اكتر من ساعة كلها رعب علي البيت كله.. خالي طلع بينهج وهو بيقول لامي !! ..

–سعيد ال عليه ده تقيل شوية ! ومعمول عمل في قبر ! بس خير ان شاء الله خير هو نام دلوقتي ! ..

كان بيقول الجملة دي ، وانا شايف ابويا وراه بيضحك وماسك في ايده سكين !! شاورت بايدي !! .. وبمجرد ما خالي بص عليه كانت سرعة ابويا غريبة وهو بيغرز السكينة في !! وبيقول بفحيح !

— قولتلك اسمي ابونواس مش سعيد !! ..

الشرطة جت وقبضت على ابويا ال مكنش فاكر اي حاجة .. وفي عزاء خالي شوفت عربية جيا داخله علينا .. نزل منها ٣ كنت عرفهم كويس ! .. دول ولاد عمي .. عزوني وادوني ورقة مكتوب فيها

“” ازيك ياسيد جدك .. ال حصل لابوك لسه منتهاش ، بس انت قادر تخلصه ، عشان انت ال هتكون ال عمدة الجديد لعيلة نصار “””

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى