المقالات

هل تجاوز التدقيق الجنائي المالي مرحلة الخطر – عبدالله خالد

حين اتخذت حكومة دياب قرار التحقيق الجنائي المالي للمصرف المركزي واستبقته بتوقيع إتفاقية مع شركة الفاريز ومارشال لإجراء هذا التحقيق كانت تدرك أن هذا التدقيق لن يتم تحقيقه بسهولة خصوصا وأن الإطلاع على الحسابات سيواجه بعقبات وعراقيل كثيرة لأنه سيكشف تورط المصرف بالإتفاق مع أصحاب المصارف في حماية شبكة الفساد المستمرة منذ 1992 حتى اليوم عبر ما سمي بالهندسة المالية لسياسة المصرف التي وفرت أرباحا بعشرات المليارات للشبكة الحاكمة وحلفائها وأن حاكم المصرف رياص سلامة سيمتنع عن إعطاء الوثائق المطلوبة متذرعا بالسرية المصرفية وقانون النقد والتسليف وهذا ما دفع الشركة للإنسحاب لعدم قدرتها على متابعة تدقيقها إذا لم تحصل على المستندات المطلوبة.
والواقع أن التدقيق الجنائي المالي في حسابات المصرف المركزي من شأنه أن يشكل مدخلا للإصلاح الذي تصر الدول المانحة للمساعدات المطلوبة لبدء مسيرة إنقاذ الإقتصاد المنهار والذي ترافق مع تهريب مليارات الدولارات إلى الخارج وأدى إلى تجميد أموال المودعين في المصارف وزيادة سعر صرف الدولار وغلاء الأسعار وتفاقم البطالة وفقدان أغلب الأدوية وقلص تواجد المواد الغذائية والطحين والغاز وغيرها من المواد الضرورية الأمر الذي زاد حالة الفقر وشبح الجوع وانعكاسات تزايد انتشار وباء كورونا… وهذا ما دفع الكثيرين للتشديد على أهمية وضرورة التركيز على بدء مسيرة التدقيق الجنائي المالي وبالتالي الإستجابة لمطالب اللبنانيين والمجتمع الدولي لتحقيقه خصوصا وأن المبادرة الفرنسية شددت عليه أيضا. وتوج كل هذا بإستخدام صلاحياته الدستورية لإرسال رسالة إلى مجلس النواب مطالبا إياه بدراستها واتخاذ القرار المناسب بشأنها لوضعها موضع التنفيذ. وقد استجاب مجلس النواب لرغبة الرئيس عون وعقد جلسة نيابية أمس درس خلالها الرسالة وأقر بالإجماع الحرص على تنفيذ التدقيق الجنائي المالي للمصرف المركزي دون معوقات بالتزامن مع العمل على تسهيل إقرار القوانين الموجودة في المجلس المتعلقة بهذا الموضوع ومنها تخطي موضوع السرية المصرفية وتوسيع عملية التدقيق لتشمل الجميع وليس المصرف المركزي فقط.
وهكذا أصبح رئيس الجمهورية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء في مناخ من التوافق على موضوع التدقيق الجنائي الأمر الذي يجعل عدم الإلتزام مخالفا للتوجه العام ويشكل خطوة متقدمة حسمت الجدل حول موضوع مركزي من شأنه أن يمهد الطريق لمعرفة مصير المال العام للدولة ويكشف مصير الهدر ويمهد الطريق لإصلاح مالي ومتابعة جادة له وخطوة متقدمة إلى الأمام وصولا إلى التدقيق في حسابات الدولة كلها الأمر الذي يرسم نواة إجماع حول منطق جديد في التعامل يقلص دور مراكز النفوذ التي كرستها الشبكة الحاكمة حماية لمكاسبها ومحاصصتها على امتداد سنوات طويلة من الفساد والهدر ونهب المال العام… ويبقى السؤال: ترى هل يتحول القرار إلى قانون تصدره الدولة يتبناه المجلس النيابي أم تظهر عراقيل وعقبات جديدة تعيد التدقيق الجنائي المالي إلى المربع الأول؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى