المقالات

لبنان… إلى أين؟ -13- كتب: عبد الله خالد

في السابع عشر من تشرين الأول 2019 بدأ حراك شعبي مطلبي سلمي استنكارا لفرض ضريبة جديدة من الشبكة الحاكمة المنغمسة في محاصصة بين أفرادها هي حصيلة فساد ونهب وهدر للمال العام وفره لها اقتصاد ريعي يحميه نظام طائفي مذهبي وطغمة مالية متوحشة ويسانده نظام مصرفي جنى مليارات الدولارات هربها إلى الخارج خوفا من مصادرتها عندما تعم البطالة وتتبلور ملامح الفقر والجوع والمرض والوقوف على أبواب المشافي لعدم قدرتهم على دخولها لأنهم بالكاد يملكون قوت يومهم في حدوده الدنيا بعد أن تعذر عليهم شراء الدواء لمرضاهم والحليب لأطفالهم. وعلى الرغم من أن هذا الحراك قد تأخر كثيرا الا أن مقوماته وأسبابه كانت متوفرة دائما وقد شهدت البلاد مؤشرات لها وبدايات لا تلبث أن تتلاشى بعد نجاح الشبكة الحاكمة في إضفاء الطابع الطائفي والمذهبي عليها بهدف إبعاد الطابع الإقتصادي الإجتماعي عنها لضمان شرذمتها وعودتها إلى إنقساماتها السابقة.
والواقع أنه منذ اليوم الأول للحراك ظهر بوضوح أنه يضم مجموعتين يصعب تصور إمكانية تفاهمها على برنامج موحد. تضم المجموعة الأولى جمعيات ومنتديات وأندية وتجمعات مرتبطة بمساعدات غربية تقدمها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تحت شعار حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية وغيرها من الشعارات البراقة التي تغري الشباب بالإنضمام إليها تحت شعار الحداثة والعصرنة واللحاق بتقدم الغرب بحيث تصبح في النهاية مجرد أدوات تخدم مخططات الغرب وقد اتفق على تسميتها بجمعيات الإنجي أوز.
أما المجموعة الثانية فتضم اليسار التقليدي مجسدا بالحزب الشيوعي وجماعات يسارية متعددة بعضها على يمين الحزب الشيوعي وبعضها على يساره وقوى وشخصيات وطنية وقومية وتقدمية تريد تغيير الواقع والخلاص من العصبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية أخذت مؤخرا بعدا عنصريا يفوق بخطره العصبيات الأولى التي منعت على امتداد 100 عام تحول لبنان إلى دولة حديثة معاصرة تعتمد المواطنة وتحقق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وتنتقل من مرحلة المزرعة المستندة للعصبية إلى دولة المؤسسات المعتمدة على الكفاءة والعلم والوعي والمعرفة ورغم كل ما تقدم لا يمكن إنكار أن حراك السابع عشر من تشرين الأول خلق واقعا جديدا لم يشهده لبنان من قبل. لقد تدفقت الجماهير الكادحة والمسحوقة والفقيرة من كل حدب وصوب وشاركت فيه مناطق لم تعتد على المشاركة بمثل هذه الأنشطة من قبل يدفعها لذلك شعورها بالخطر الذي يهدد حياتها في حدودها الدنيا ويقضي على مستقبل أبنائها بعد تفاقم الوضع الإقتصادي وخطورة الوضع الإجتماعي وامتناع الدولة عن القيام بدورها في إيجاد الحلول الملائمة لتفادي الأخطار المحدقة بالبلاد وسعيها للحفاظ على مصالحها ومكاسبها وامتيازاتها وتجاهل مؤشرات الفقر والجوع والمرض نتيجة الإنهيار الإقتصادي وزيادة الأسعار بشكل جنوني. وهذا ما دفعها لأن تشكل- لأول مرة- تيارا عابرا للطوائف والمذهاب والمناطق يطرح علنا ضرورة القضاء على الفساد والهدر والنهب والمحاصصة ومن يحمي استمرارها وصولا إلى تقليص الإقتصاد الريعي والإفساح في المجال لتنمية الإقتصاد المنتج الذي ينعكس إيجابا على مكونات المجتمع المهمشة نتيجة هيمنة أصحاب الثروات على مصادر الدخل المحرومة منها والواقع أنه الحراك لم يستطع أن يوحد صفوفه ويفرز قيادة موحدة تنطلق من صياغة خطة عمل قابلة للتنفيذ- ولو على مراحل- وصولا إلى بدء مسيرة التغيير.
كما أن الشبكة الحاكمة والمهيمنة على الأوضاع الإقتصادية والمالية والسياسية شعرت بالخطر وبدأت بتنفيذ خطة عمل تخترق الحراك وتحرفه عن مساره الحقيقي… وهذا يحتاج لحديث آخر.
عبدالله خالد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى