المقالات

وُحدة طرابلس أولوية الأولويات اليوم ولن ينفعنا الندم غدا ولا القول : اُكلتُ يومَ اُكلَ الثورُ الأبيض – بقلم عبد اللطيف كريم

في الظرف الأستثنائي لا بد من اجتراح حلول أستثناية ، وإذا لم يكن ظرفنا اليوم ظرفا أستثنائيا فمتى بربكم يكون الظرف الأستثنائي ؟ لبنان في وضع أسوأ من الحرب الأهلية بكثير ، الحرب الأهلية تكون بين طرفين أثنين وفي لبنان 18 طائفة أي 18 معسكرا وفي كل معسكر أكثر من خندق واحد فثمة خندق للطائفة وآخر للمذهب وثالث للعشيرة وبعضهم سيصنفه التاريخ بين أكلة لحوم البشر، وفوق كل معسكر أوخندق دولة راعية إقليمية أو أممية تحصي عليه أنفاسه وتضبط كل تحركاته فلا ينطق عن الهوى إن هو إلاوحي يوحى ، حتى لتكاد الساحة أن تستقبل في كل يوم بل في كل ساعة (زعيما) جديدا على رأس عصابة جديدة .
****
علمنا التاريخ الحديث أن الحرب لعنة أشد إضرارا وأذية من أي حل تسووي حتى لوكانت عادلة ونحن نتحارب حرب الوعول بلا قضية سوى ما يكتمه عنا العدو الغريب الذي يدفعنا إلى الحرب من مصالح وأهداف قريبة أو متوسطة أو بعيدة هو أختارها وهو حدد لها سقفيها الأدنى والأعلى وهو وّقّّّت بدايتها ونهايتها .
في التاريخ الحديث تتحارب الأمم على مستعمرات تتحاصصها أو على عنفوان قومي تريد أن ترفع عنه ذل الخضوع لعنجهية أخرى بعد أن كانت في الزمن الغابر تحارب باسم الرب المعبود . ونتساءل نحن اليوم باسم أي لات او عزى أومناة الثالثة الآخرى نتذابح لنرتجي شفاعتهن ؟
****
هذه حال لبنان كل لبنان ومنه طرابلس ولكن يبدو أن الأوضاع في طرابلس أخطر وأدهى  من بقية المطارح والساحات ، في الجنوب طائفة واحدة مقسومة أفقيا لا عموديا لها قيادة واحدة أو تكاد تكون كذلك وهي قادرة على القيادة الذاتية المركزية وواعية لقيمة وضرورة توحدها أو أقله تماسكها ومدركة للخطر المتربص بها لو هي إنشقت بل هي تملك من الذكاء ما يجعل ثنائيتها نعمة لأنها قادرة بهذه الثنائبة أن  توزع الأدوار بين حديها بما يعود بالخير العميم على الطرفين كليهما .
****
وفي الشوف طائفة للموحدين وحدّها حجمها الذي لم يكن يوما حجم ديناصور أقليمي ووحدها أيضا حذرها المتوارث وتجربتها المرة مع جيرانها وشجاعتها المشهودة فصهرها كل ذلك كما تصهر النار حديد الفولاذ ، حول زعامة تاريخية حمتها على مر الأيام من غدرات الأزمان فإذا دورها أكبر بما لا يقاس من حجمها وأوسع بما لا يقاس من مساحتها الفعلية .
****
وفي الوسط يتعملق الجبل بأكثرية مارونية تدور في فلكها كل الأقليات المسيحية الشرق أوسطية تقريبا وتمسك بها حريصا أمساكا محكما مستعينة بكهانة ذات هيكلية حديدية وسلطة على الأرض لا ينازعها فيها منازع يمارسها جيش من الرهبان والقساوسة أهتمامهم بالدين لا يقل أبدا عن اهتمامهم بالدنيا حتى ليخيل إليك أنهم  الأوسبيتاليون في غيرتهم وانضباطيتهم وقد نسيهم الصليبيون عندما رحلوا بعجل عن هذه البلاد . أما السلطة الدنيوية فتقوم بها عائلات تقليدية متحدرة عضويا من الكنيسة وأربابها قلما ابتعدت في حراكها الميداني عن حراك أقصى اليمين بالمفهوم الحزبي للسياسة المعاصرة ، حتى بات الخروج عن النمط الكتائبي يعد هرطقة ثورية لا يقدم عليها سوى شجاع متهور.
***
وحدهم مفكرو إالأرثودوكس أي المستقيمو الرأي مطئنون إلى أنتمائهم إلى هذه الأرض وناسها إطمئنان  صاحب الدارالأصيل إلى أنتمائه إلى الدار وإنتماء الدار إليه مهمم كثر (الضيوف) وتنوعوا .
****
أما بيروت فهي الوعاء الذي  سُكبت فيه كل هذه الأجناس والأعراق والطوائف فلم تمتزج وإن تخالطت لتشكل مجتمعا كوسموبوليتيا ذي شخصية هجينة وإن واضحة في تركيبة عناصرها . قوتها وحمايتها فيما تملك من مال وفي تضافر الكل على التمسك بها ، وضعفها في أنها تخص الجميع ولا تخص أحدا .
****
أما طرابلس فوحدها بلا مرجعية حقيقية ، معظم سكانها من السنَّة أي أهل الجماعة  التي لا كهانة فيها ولا أسرار ولا تقية وإن كانت عمامة شيوخها هي الأرحب وذقونهم أطول من يوم الصوم. هذه الطائفة كانت طائفة الحاكم على مدى كل التاريخ الآسلامي إلا فترات ضيقة جدا تكاد لاتحسب فلما دالت دولة آل عثمان بن أرطغرل الرجل المريض أنكشفت وصارت عبارة عن فرس ماء هائل الحجم مسترخ في مستنقع التاريخ طعاما مغريا لكل ضواري الغابة الجوي منها والبري والمائي مع أن مصر المحروسة قد قامت بمحاولتين لحماية هذه الفريسة السهلة الأولى حملة ابراهيم باشا 1832 والثانية انقلاب عبدالناصر1952 في مطلع الخمسينات ،ولكن تكالب ما يعج به الغاب من ذوي الناب وترهل وجهل الآمة بالحساب وخلو الساحة من الأنصار والأحباب لم يمنع الكارثة من أن تحل حتى صرنا إلى ما صرنا إليه من ضياع وخراب .
****
هل نيأس ؟
وهل يئس بيبرس وقطزفي عين جالوت 1258عندما واجها أعتى قوتين في عصرهما هولاكو والصليبيين فأزاحا الأثنين بالضربة القاضية .  
وهل يئس الشعب المصري وهو يدك صروح الذل المدعومة من أميركا ومن إسرائيل وينزل مبارك عن عرشه
لا بد من الأنتظار ، بولدوزر الربيع العربي قادم والوقت في صالح طرابلس ولكننا الآن في الحضيض في أسفل القعر سياسيا وأمنيا وإنمائيا .
****
وطرابلس بيت القصيد ومربط الفرس ومن أجلها كتبتُ هذه المقالة اليوم  وقد كثر الحديث عن التي أهواها وجاء دوري لأقول فيها ما أعتقد أنه حق  :
في المدينة تياران أساسيان أسميهما حريري وميقاتي إختصاراولكل تيار أنصاره ومؤيدوه ولا أريد أن أدخل في مفاضلة بينهما لا من حيث الحجم ولا من حيث القدرات والأمكانيات ولكنني أنطلق من بديهية  يعرفها الجميع بالحدس ومن مسلمة لا يمكن أن ينكرها إلا مجنون أو مكابر :
•    عندما تلتقي قوتان لقاء تصادميا في أتجاهين متعاكسين فإن الحصيلة هي حاصل طرح هاتين القوتين
•    وعندما تلتقي قوتان لقاء تطابق وتكامل في أتجاه واحد فالحصيلة هي حاصل جمع القوتين  
إنها حقيقة دينامية كما هي حقيقة فيزيائية لا يختلف فيها أثنان
وطرابلس بحاجة اليوم أكثر من أي يوم مضى إلى مجموع القدرتين ولا مجال لأحداها أن تباهي أو تفاخر أو تتشاوف على الأخرى ففي كأس كل منهما كم موجود وكم مفقود وكل إنكفاء عن التلاقي وكل إفتعال للتصادم هو ترف لا تسمح به ظروف طرابلس ، كل الأمم الراقية وكل الجماعات المتحضرة فعلت ذلك وقت الأزمات بشهادة التاريخ المعروف. ومن قصر عن ذلك أو أهمله أو تمهل فيه سحقته جهالته قبل أن يسحقه العدو .
****
والمسافة بين صاحب الدولة القابع سعيدا في شارع المعرض وصاحب المعالي المقيم هنيئا في طريق الميناء لا تتعدى الأمتار إنها مسافة قصيرة جدا ولكنها ضرورية جدا لمصلحة طرابلس وأبنائها وتاريخهم وتاريخها وهي مسافة محتاجة لكثير كثير من الشجاعة ورباطة الجأش وكأني بالمولى عز وجل قد جعل في أحد طرفي تلك المسافة جسرا وابن جسر ومن ضهر جسر ، كل ذلك يدعوكما أن إفعلاها إن لم يكن من أجلكما فمن أجل طرابلس ، لأنها تستحقها ثم عودا بعد ذلك إلى لعبتكما الصبيانية في التنافس على الكرسي عندما يغيب الغول وتشرق شمس يوم جديد .
****
في فجر يوم مثل يومنا هذا من العام 1258 وكان يوما رمضانيا مباركا نهض قطز ونهض بيبرس فصليا صلاة الفجرمعا في عين جالوت على مرمى حجر من القدس الشريف ، وقبّل كل منهما أخاه ثم أعلنا النفير في الجيش فانهارللعدو مجدان بضربة واحدة : مجد التتري هولاكو ومجد ممالك الصليبيين الخمسة طرا ، من فلسطين ألى ما بعد بعد القرداحة .
إني وباسم العمل المدني الذي أنتمي أليه والذي هو أم الصبي أناشدكم أن تلتقوا لأن ففي لقائكم مجد دونه كل أموال الدنيا وذهب الأرض.
عبداللطيف كريّم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى