كي لا ننسى

تفاصيل عملية اغتيال ابو جهاد في تونس

تفاصيل عملية اغتيال ابو جهاد في تونس

جنازة الرجل الثاني
قيل إن الرئيس الراحل حافظ الأسد لم يكن ليمانع أبدًا حضور عرفات لتوديع رفيق نضاله أبو جهاد… لكن عرفات لم يكن يتوقع ذلك، فبقي في تونس يبكي صامتًا حتى أعلن الأسد موافقته صريحة، وسافر أبو عمار إلى دمشق ليفرغ بقايا دمعاته…!!
الاعتقاد الواهم
كان أبو جهاد القائد الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية صاحب اليد الطولى والسيطرة والتوجيه في الأرض المحتلة ويعرف بـ “الرجل الصامت” لمظهره الخجول الهادئ.. لكنه كان جادًا ومخططًا بارعًا وتكتيكيًا عبقريًا… وهو العقل المدبر والمحرك للعديد من العمليات الناجحة التي هزت إسرائيل. سواء أكانت عمليات بحرية.. أو داخلية نتيجة لعمليات تسلل.
ومع الانتفاضة التي اندلعت في شراسة أوائل 1988 .. فشلت أعمال القمع الإسرائيلية في إيقافها.. أو بقطع الصلة بين الانتفاضة وقيادة المنظمة في تونس..  وكانت الحجارة وقنبلة البنزين (المولوتوف) أهم رموز الانتفاضة.. فقد استخدم الفاكس على نطاق واسع لتوزيع المنشورات.. وتلقى التعليمات من الخارج.. وفشلت المنشورات المزيفة التي عمدت “الشين بيت” على توزيعها في خداع الفلسطينيين.
هكذا انفجرت المدن العربية في فلسطين وبات الموقف أمام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حالك وصعب.. فالتنبؤات بالقضاء على الانتفاضة مع زمجرة الدبابات كانت غير واقعية.. مما أصاب الإسرائيليون بصداع مزمن شاق، وعجز كامل عن توقع ما سيجري في اليوم التالي.. وما كان أمامهم إلا الاعتقاد بأن اغتيال أبو جهاد سيقضي على الثورة العربية في معاملتها ويصيبها باليأس.

اغتيال في تونس
اجتمعت كل العقول الإسرائيلية- الاستخباراتية والعسكرية- للتخطيط لعملية الاغتيال..  في واحدة من أبعد مواقع الحرب ضد الفلسطينيين على بعد 1600 ميل من إسرائيل.
شرح ليبكين شاحاك خطة العملية أمام مجلس الوزراء المصغر.. وبرز أن الهدف منها تصفية الانتفاضة.. وإثارة الخوف لدى القيادات الفلسطينية التي تروج أن الانتفاضة تزلزل إسرائيل.
أما الهدف الغير معلن.. فهو “استعراض” القوة لرفع معنويات الشعب الإسرائيلي اليائس من آثار الانتفاضة وعدم قدرة الجيش على قمعها.
وبالرغم من الجدل الذي أثير في الاجتماع.. ومعارضة رئيس سلاح الجو السابق عيزرا وايزمن.. ورئيس الدولة اسحاق نافون.. إلا أن الأغلبية وافقت على العملية.. وتزعم هؤلاء وزير الدفاع اسحاق رابين (الذي قتل بعد ذلك بواسطة يهودي) وحاييم بارليف وزير الأمن (الشرطة) وكانا من قبل قد شغلا منصب رئيس الأركان في الجيش.. ويؤمنان بأن هذا الهجوم رسالة تحذير لعرفات ورجاله.. وفي النهاية اعتمدت الخطة تحت قيادة رئيس الأركان شومرون ونائبه إيهود باراك وآمنون شاحاك رئيس المخابرات العسكرية (آمان).. لسابق خبرتهم.. وليكرروا نجاههم هذه المرة أيضًا.
وفي أوائل أبريل 1988 طار إلى تونس عدة رجال ونساء من عملاء الموساد يحملون جوازات سفر لبنانية.. وصلوا في رحلات مختلفة.. ونزلوا كسواح في عدة فنادق.. وكانت لهم مهمة محددة كتلك التي قام بها رجالهم في بيروت عام 1973، وهي مراقبة المنطقة التي يقيم بها أبو جهاد في الضاحية الشمالية من منطقة “سيدي بو سعيد”.. واستئجار السيارات التي ستنقل رجال الكوماندوز من الشاطئ ثم العودة بهم..
وفي 15 أبريل 1988، كان أربعة من زوارق الصواريخ الإسرائيلية في المياه الدولية قبالة السواحل التونسية، وبواسطة قوارب مطاطية وصلوا في عتمة الليل إلى شاطئ سياحي هادئ.. حيث كانت السيارات المعدة سلفًا تنتظرهم.. ولأن تونس بلد سياحي يزوره أكثر من مليوني سائح سنويًا.. فالأمن هناك لا يدقق كثيرًا في هوية السواح أثناء تحركاتهم.
كانت الاتصالات بين الطائرة البوينج 707 التي كانت تحلق بعيدًا، وبين عملاء الموساد على الأرض التونسية تتم بواسطة أجهزة اتصالات ثنائية الاتجاه.. حيث كان شومرون وباراك وشاحاك يقودون فريق القتل من الجو ويتابعون الخطوات أولاً بأول.
ركبت أجهزة تشويش في كشك التليفون الرئيسي بالمنطقة فعطلت الاتصالات التليفونية.. واقترب الفريق من الفيلا التي دخلها أبو جهاد قبل ساعة ونصف واستسلم سائقه الفلسطيني للنوم داخل سيارته بجوار السور الخارجي.. وعلى مقربة منه جلس الحارس الأمني التونسي منهمكًا بالاستماع إلى راديو صغير بيده.. بينما كان هناك حارك فلسطيني بحديقة الفيلا مسلح برشاش كلاشينكوف معلق على كتفه.
وبمسدسات بريتا الكاتمة للصوت أسكت السائق النائم إلى الأبد برصاصة واحدة في رأسه.. وقبلما يتحرك الجندي التونسي من مكانه أطلقت على رأسه رصاصة أخرى فسكت تمامًا.. وهذا ما حدث أيضًا مع الحارس الفلسطيني بالداخل.. لكنه كان قد أصدر صرخة تنبه لها أبو جهاد وأسرع إلى مسدسه في الوقت الذي اقتحم فيه أربعة من فريق القتل الباب الداخلي للفيلا.. وعندما التقط أبو جهاد مسدسه في الدور العلوي وأسرع بالنزول.. فوجئ بهم، وقبلما تنطق رصاصاته كانت رصاصاتهم الأسرع..
صرخت زوجته أم جهاد عندما رأتهم يفرغون مسدساتهم في بدنه تشفيًا.. وارتجفت ابنته حنان أمام وحشيتهم.. فعانقت أمها واستدارتا بعيدًا تنتحبان وسمعت الابنة أحدهم وهو يقول بالعربية: لماذا تبكين؟ من الأفضل أن تهتمي بأمك.
كانت مع الفريق امرأة تحمل كاميرا فيديو توصر بها مشهد القتل وجسد أبو جهاد الممدد وسط بركة من الدماء ومسدسه بيده.. وبعدما فتشوا المكتب واستولوا على الأوراق والملفات.. أسرعوا بمغادرة الفيلا.. حيث عثرت الشرطة التونسية بعد ذلك على السيارات الثلاث المستأجرة وآثار أقدام كثيرة تتجه إلى عمق الشاطئ.

إدانة دولية
وزير الدفاع اسحق رابين الذي كان يعارف فكرة الاغتيال صرح بأن هذه العملية تتعارض مع اتجاهات السلام.. وتساهم في المزيد من عمليات “الإرهاب”. أما شاحاك فصرح لإحدى المجلات العسكرية الإسرائيلية أن التصفية الجسدية في المخابرات الإسرائيلية أسلوب مناسب على من يوجهوا الإرهاب إلى إسرائيل.. ولم يصدر اعتراف إسرائيلي رسمي بالعملية في حينها.
سافر وزير الخارجية التونسية- محمود المستيري- إلى نيويورك.. وطلب في كلمته أمام مجلس الأمن إدانة صريحة وقوية لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل.. حيث انتهكت بعدوانها سيادة الأراضي التونسية للمرة الثانية.
إلا أن أمريكا استخدمت حق الفيتو ومنعت إدانة إسرائيل بحجة أن الأدلة التي قدمتها تونس عن تورط إسرائيل في اغتيال أبو جهاد غير كافية ولا تشكل دليلاً ثبوتيًا يستدعي الإدانة الدولية. وأيدت أمريكا العديد من الدول التي تحفظت على القرار.. وإن كانت قد أبدت تعاطفًا مع تونس.
لكن الوزير التونسي لم ييأس.. وأيده مندوبو الدول العربية.. حتى صدر قرار الأمم المتحدة في 25 أبريل 1988 الذين يدين إسرائيل صراحة على العدوان الذي تعرضت له تونس وتنفيذ عملية اغتيال خليل الوزير نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية وجاءت الإدانة بأغلبية 14 صوتًا وامتناع أمريكا عن التصويت لتنتصر الدبلوماسية التونسية في استصدار قرار دولي بإدانة إسرائيل التي صرخت أبواق دعاياتها مندد بالقرارز لكن فضيحة الإرهاب الصهيوني كانت قد عمت دول العالم.. وقال محللون إسرائيليون بعد ذلك، إن العمليات الفدائية الفلسطينية التي تمت بعد اغتيال أبو جهاد فاقت العمليات التي تمت قبل موته.. بمعنى أن نتائج عملية الاغتيال كانت وبالاً على إسرائيل وأمنا..!!!

حقائق عن العملية
دفن الشهيد خليل الوزير بمدافن الشهداء في مخيم اليرموك بدمشق.. ولم يحضر ياسر عرفات جنازته تخوفًا من رفض الرئيس الأسد إثر خلافات كانت بينهم. لكن الرئيس الأسد تعجب من امتناع عرفات من مرافقة جثمان الشهيد حتى أنه صارح العقيد القذافي بذلك، وهو ما أدى إلى إتاحة الفرصة لعرفات أن يزور قبر صديقه في 24 أبريل 1988 بعد أيام من دفنه.. وهناك بكى عرفات وهو يستند إلى قبره.. بكى صديق الحياة.. ورفيق الكفاح لمدة ثلاثون عامًا.. وقال:
“كنت آمل آن تحملني أنت إلى قبري.. لكنني آسف يا أخي.. لم أودعك ولم أحملك بيداي.. فسامحني”..
أصدر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أوامره بالبحث في خلفية هذا الاعتداء الإرهابي، وقد استدلت الشرطة التونسية أن ثلاثة إسرائيليين وصلوا إلى تونس بجوازات سفر لبنانية للتحضير للعملية، برسم خرائط للمنطقة ومعرفة الشوارع ومحاور الهرب، وكذا معرفة كشك، التليفون العمومي للحي الذي سيتم تعطيله، واستئجار السيارات الخاصة التي ستستعمل في نقل فريق الكوماندوز لفيلا أبو جهاد. وكشفت السلطات عن أن هؤلاء الثلاثة انتحلوا أسماء:
–    مجيد رياض أبو رياح- مواليد بيروت عام 1948.
–    خليل صبحي كاتم- مواليد طرابلس الشمال عام 1948.
–    حوات علام مصطفى- مواليد فوار انطلياس- بيروت عام 1947.
هؤلاء الثلاثة انتظروا فريق الكوماندوز عند شاطئ (رواد) المقفر، وعادوا به إلى ذات المكان بعد حادث الاغتيال، حيث تركوا السيارات المستأجرة بالقرب من الشاطئ ودلت آثار أقدامهم على انسحابهم الجماعي إلى هناك.
جاء بالتقرير التونسي أيضًا حول ملابسات الحادث، أنه تزامن تحليق طائرة بوينج 707 الإسرائيلية، في ممر جوي على بعد 59 ميلاًا من المجال التونسي، وقت وقوع الجريمة فجر السبت 16 أبريل 1988، بعد خمسة عشرة سنة بالضبط من عملية فردان ببيروت (9 أبريل 1973). وذكرت هيئة مراقبي الجو في إيطاليا أن فنيين إيطاليين بأحد المطارات اتصلوا بالطائرة الإسرائيلية فوق البحر المتوسط وقت تنفيذ حادث الاغتيال.

رزق من السماء
وجاء بالصحافة التونسية:
–    “بعد ساعات من استشهاد الزعيم الفلسطيني في منزله بضاحية سيدي بوسعيد شمالي العاصمة تونس، تصورنا أننا سنجد زوجته (أم جهاد) في حالة انهيار ومحطمة نفسيًا بسبب اغتيال زوجها أمام عينيها. وبالرغم من آثار الدماء التي كانت تغطي مساحات من الجدران، وحجم المأساة البشعة، وقفت أم جهاد متماسكة ثابتة وسط سيدات باكيات متشحات بالسواد، يعلو صراخهن بالعويل المحزن”.
كانت أم جهاد قد عادت من المستشفى الوطني، حيث جثمان زوجها الشهيد بانتظار نقله إلى دمشق، وقالت للنسوة النائحات:
(لقد استشهد أبو جهاد ولن يعيده البكاء وبدلاً من أن نبكي لرحيله يجب أن نكمل رسالته في سبيل تحرير وطننا).
ثم وضعت في الكاسيت شريطًا سجلت عليه أغان وطنية فلسطينية وأخذت تزغرد، بينما عقد أولادها جهاد وباسم وحنان وإيمان دبكة فلسطينية، ويصفق لهم شقيقهم الأصغر نضال.
ومع القهوة المرة وسط ذهول الجميع روت أم جهاد تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة زوجها الشهيد:
–    (قبل منتصف الليل بقريب، عاد أبو جهاد من جلسة عمل مع فاروق قدومي، أبو اللطف، وكان باسمًا منشرحًا مشرقًا، تناولنا طعام العشاء ثم صعدنا إلى الطابق العلوي في غرفة النوم التي تضم مكتبه الذي يجلس عليه للعمل لفترة طويلة من الليل. ذهب الأولاد للنوم بينما كانت ابنتنا حنان معنا.
كنت مستلقية على سريري بجانبي حنان وكان أبو جهاد على مكتبه يقرأ على مسمعي تقريرًا جاءه من الأرض المحتلة قبيل ساعات.. ثم ضحك بابتهاج ودهشة وهو يقول:
سننتصر.. إن الله معنا ولن يتخلى عنا أبدًا.. تصوري.. لقد اصطدمت سفينتا شحن قبالة سواحل غزة فسقطت حمولتهما من مواد غذائية في البحر، سمن وجبن ومعلبات، طفت وجرفتها الأمواج إلى الشاطئ فانتشلها السكان المحاصرون ووزعوها على بعضهم البعض. وأعلنت الحكومة الإسرائيلية أن العلب غير صالحة للاستهلاك الآدامي، وأنها مسمومة، إلا أن السكان ضحكوا من هذه الادعاءات وأكلوا مما رزقهم به الله دون أن تحدث حالة تسمم واحدة)!!

كانوا أربعة
تضيف أم جهاد:
(غلبني النعاس بعد منتصف الليل بنصف الساعة، وتركت حنان تترجم تقريرًا باللغة الإنكليزية كان قد وصل لوالدها من الأرض المحتلة، وسمعتهما قبلما استغرقت في النوم يتناقشان حول الترجمة، وكان  ما يزال مرتديًا لباسه العسكري كاملاً ولم يتهيأ بعد للنوم للنوم.
استيقظت مذعورة عندما قام منتفضًا وتحرك بحذر باتجاه باب الغرفة يحمل مسدسه ويشهره بمحاذاة كتفه. لحقت به فأشار لي بالابتعاد عنه دون أن يلفظ كلمة واحدة. فتح باب الغرفة وانتحى هو مكانًا في زاوية بهو صغير ملحق بغرفة النوم، وأطلق رصاصة واحدة باتجاه السلم الواصل بين الطابقين الأرضي والعلوي الذي نحن فيه.
بعد ذلك مرة لحظات سريعة لكني خلتها الدهر كله. لم نسمع أي صوت إطلاق رصاص جوابًا لطلقة زوجي. وعندما نظرت باتجاه نهاية السلم رأيت أشباحًا تصعد السلم وتتقدم وهي تطلق النار باتجاه زوجي. أحسست بالرصاص ينطلق وأنا ساهمة من هول الذهول والمفاجأة دون أن أسمع شيئًا، ورأيت أبا جهاد وقد انطرح على الجدار بجسده، فيما غطت الدماء وجهه، وسقط المسدس من يده، وهوى بعد ذلك على الأرض بعد إصابته بالعديد من الرصاصات اخترقت صدره ورأسه.
القتلة كانوا أربعة منهم كانوا بحجم  واحد طولاً ونحافة، والرابع كان بدينًا إلى حد ما، وكانوا يضعون على وجهوههم كمامات كتلك التي يستخدمها الأطباء في حجرات العمليات. لذلك لم أر وجوههم ولم ألاحظ إذ كانت بينهم فتاة أم لا. أما ملابسهم فكانت عسكرية داكنة وينتعلون أحذية رياضية ثقيلة. وكانت أسلحتهم رشاشات خفيفة كاتمة للصوت. وعندما صرخت ابنتي حنان تكلم أحدهم بالعربية “روحي لأمك أحسن”.
بعدما سقط أبو جهاد على الأرض تناوب القتلة الأربعة إطلاق الناس عليه، فبعدما كان أحدهم يفرغ رصاصاته صوب جسد أبي جهاد يخلي مكانه لزميله. وهكذا حتى أفرغوا أربعة خزن في جسده المسجى بجانب الحائط، وسال الدم فغطى المكان وتناثر على الحائط.
كنت أرتجف، وكلما حاولت إلقاء نفسي تجاه أبي جهاد صوب أحدهم سلاحه نحوي مشيرًا إلي بعدم الاقتراب. وظل القاتل يراقبني وهددني عدة مرات بالقتل عندما كنت أصرخ، حتى أنه كان يضع فوهة مسدسه على رأسي، فكنت أشيح بوجهي فقدت أعصابي وصرخت بقوة وأنا أتوقع الموت: خلاص.. خلاص.. أبو جهاد مات، ماذا تريدون؟ حرام عليكم.. اتركوه.

الشاهدة الوحيدة
وبعدما انتهوا من أنه فارق الحياة بالفعل، توجه أحدهم بعد أن غاص بحذائه الثقيل في بركة الدماء إلى غرفة النوم وأطلق عدة رصاصات على الجدران والسرير والستائر، ثم خرجوا مسرعين متجهين إلى الطابق الأرضي بينما اعتقدت أن المجرم قتل ابني نضال، فأسرعت إلى حجرة النوم ووجدت الطفل يبكي ويصرخ، فقد أطلق القاتل النار حول جسده وفوق رأسه. حملته وجريت به وأعطيته إلى أخته حنان ثم عدت إلى أبي جهاد. انحنيت فوقه أتحسس جبينه وأسمع نبضه الذي كان لا يزال مستمرًا.
أسرعت إلى التليفون لطلب النجدة لكن الأسلاك كانت مقطعة. لمحت القتلة يسرعون بالانسحاب من باب الفيلا إلى الشارع. كان عددهم أكثر من أربعة، نزلت إلى الطابق الأرضي مع الأولاد وخادمة المنزل التي كانت منهارة تمامًا مثلنا. اتجهت نحو باب البيت فوجدت الحارسين الفلسطينيين مقتولين، وكذلك الرجل التونسي “حبيب” الذي يعتني بالحديقة. الهدوء كان مخيفًا ولا أحد يشعر بما حدث، صرخت في الشارع أمام البيت، صرخت بأعلى صوتي ربما يلحق أحدهم بالقتلة الذين استغرقت جريمتهم بالفيلا ثمان دقائق.
برغم صراخي المرتفع وصراخ الأولاد أمام الفيلا، في الشارع العام، لم يجيبنا أحد، وكنت أتعجب.. هل خلت المنطقة من البشر بعد استشهاد زوجي وحارسيه؟ حتى أن سائقه الخاص كان مقتولاً أيضًا داخل السيارة. وأخذت أهرول بين طابقي المنزل والحديقة والشارع لأكثر من نصف الساعة وأنا أصرخ طلبًا للنجدة، حتى هرعوا إلينا جار فلسطيني قام معنا بنقل أبي جهاد إلى المستشفى، لعل معجزة إلهية تحدث، برغم علمي بأنه فارق الحياة منذ اللحظات الأولى للهجوم، وتأكيد الجار الفلسطيني الذي حمله إلى سيارته بأن عروق أبي جهاد كانت لا تزال تنبض.
روج بعد ذلك أن إسرائيلية شقراء كانت مع فريق القتل، صورت بكاميرا فيديو تفاصيل الاقتحام والقتل لحظة بلحظة، لكن الشاهدة الوحيدة، أم جهاد، نفت ذلك نفيًا قاطعًا، وأكدت بأنها لم تر سيدة وسطهم.. فقد كان القتلة الأربعة بمفردهم بالطابق العلوي، بينما كان هناك عدد آخر بالطابق السفلي والحديقة، لتأمين عملية الحماية والانسحاب.
تلك كانت  واحدة من عمليات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي تسطر تاريخ الدولة الصهيونية وتلقي الظلال على أسلوب إرهاب الدولة. لكن هل خسف بالانتفاضة بموت خليل الوزير..؟ والإجابة نعرفها جميعًا..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى