المقالات

قوارب الإنتحار … في عرض البحار …
كتب الإعلامي د. باسم عساف

تتكرر المأساة التي تدمي القلوب ، والتي تعطي للعالم مدى عمق النكبات التي يغرق بها لبنان على أرض الواقع المُرُ .. ويغرق أبناؤه في عمق البحر الضُرّ ، ويتساءل معها كل حُرّ ، تاجر الموت هذا في رحلاته كم يضُرُ ، ومن الويلات على الأبرباء يجُرّ فكم من المال والفلوس عليه تدُرّ ، وكم فيها من كسبٍ حرامٍ يغُرّ ، وكم من تاجر إجرامٍ لسبحته يكرّ ، فالإعدام أولى بالقصاص لمن يعترف ويقُرُ ، ليكون عبرة لمن يواصل ويصُرّ ، ولمن يسلك هذا الدرب لينتحِرّ ، بدل أن يتحلى بالتقوى والصبر ، حيث فيها الحسنى والأجر …
مهما كانت تداعيات الأزمات والنكبات التي تمر على شعب لبنان وشعوب المنطقة ، في أبشع صور التحكم والتسلط من الفاسدين والظالمين والحاقدين ، الذين ينفذون مخططات أسيادهم في القتل والإجرام والقمع والإعتقال ، وإلى ما هنالك من تفنن بالتعذيب والتنكيل والضغط المادي والنفسي والمعنوي، وقد شهد التاريخ حقبات مثلها وأمَرُ ، حين وُسِّدَ الأمرُ لغير أهله ، وحين تسلّط على حكم البشر مَنْ قلوبهم أقسى من الحجر ، ولكنهم باتوا بعالم آخر ، يأخذون نصيبهم من العذاب عند العادل الأكبر ، وحساب الظالمين المستبدين خالدين في نار جهنم ، ليلحق بهم من في ركبهم ، والصابرين توفى أجورهم أيضاً عند الرحمن الرحيم ، في جنات النعيم ، إن أحسنوا الإتباع وتحمّلوا الصعاب ، وتيَقّنوا من الوعد بالفرج …
حين يتقصى الإنسان الحقائق ، ويتحرى الصدق بالقول والعمل ، فلا بد أن يجد ضالته ، أو أن يحدد المخرج المناسب لمبتغاه ، ويعالج مصيبته بما يجدد الحياة ، ويعطيه الأمل لينتقل إلى الأفضل والأحسن بالأنفس والثمرات ، مع تحكيم العقل والتبصر للمستقبل الواعد له ولعياله وأطفاله ، وبعد سلوك الطريق التي نورها الخالق له بالرزق الحلال والعمل الصادق ، وبعكس ذلك فالنتيجة أيضاً تأتي عكسية في العيش وفي مستقبل العيال القاتم وفي الخسارة المادية والمعنوية ، إن رَكنً صاحبها إلى ردّات الفعل دون التبصُّر والترشيد في إستخدام العواطف والأعصاب المتشنِّجة …
بدل التحكُّم بالعقل وبالنفس المطمئنّة التي تهدي إلى السداد بالموقف والقرار الحكيم ، خاصة بالمسائل التي فيها القرار المصيري في سلوك الدرب الذي يميز الحياة عن الموت ، لنستلهم العبر من قوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )،وأيضاً بالعبرة من القول : ( إعقل وتوكل) ، ومن قول :( ليس المخاطر بمحمود ولو نجي أو سلك …)
لا يمكن لأي عاقل مهما إشتدت به الظروف وضيق العيش وشظف الحياة ، أن يكون قراره بالإنتحار أو بالقتل العمد أو التهلكة بالبحر ، من دون أدنى معايير السلامة والنجاة ، ومن دون الدراسة والتخطيط الوافي لجميع الشروط والأخذ بالأسباب ، ليس لشكل المركب وصلاحه لهكذا رحلة مع المخاطر والموت المحكم ، لما تحمله البحار وخاصة أعالي البحار من رياح وعواصف وأمواج عاتية ، ولا من مجيب إلا الرقيب الحسيب بين الماء والسماء …
يضاف عليها إن تم الوصول إلى شاطئ الأمان في أي أرض أو جزيرة أو باخرة تمر بالتقدير ، فما هو المصير مع قوارب التهريب غير الشرعي وغيرالمسموح به دولياً ومحلياً ، والعبرة بمن سبق إما إلى السجون أو الإحتجاز والإعتقال والحَجر أو إعادتهم إلى بلادهم إن سلِموا ، فهل الهروب من واقع البؤس ، إلى واقع اليأس هو الحل وهو القرار الصائب …
مع العلم أن كل شخص قد دفع مبلغاً من المال لا يقل عن/ ٥ آلاف دولار ، والعائلة حوالي /٢٠ ألف دولار ، قد ذهبت لتجار الموت ولمراكب الإنتحار ، من عائلات فقيرة قد تكون جمعتها من اللحم الحي ، أو ببيع ما تملك من أثاث ومحتويات ، ليذهب العمر في إلقاء الأنفس بالتهلكة …
إذا عدنا بالأمر إلى البحث عن الأسباب ، فلا يبرأ أحد من المحاسبة والإتهام بالمسؤولية ، فكلكم مسؤول وكلكم مسؤول عن رعيته ، أكان ذلك من الدولة ووزاراتها وأجهزتها ، إلى العلماء والدعاة ، وإلى الموجهين في المجتمع مهما كانت صفاتهم ومسؤولياتهم وجمعياتهم ، وإلى الإعلام ووسائله في تشويه صورة الأحداث وإلى نشر ما يسيء إلى المشاعر المعيشية، من خلال بث الإشاعات أو بث روح العصبيات التي تزيد من الإحتقان السياسي والمعيشي وأيضاً الطائفي والمذهبي والفئوي …
الذي يعزز التنافر والمؤدي إلى التناحر والإنتحار ، هذا إذا سلمت النوايا من وجود مخطط تهجيري وتغيير ديموغرافي أو جيو سياسي كما يدور في المنطقة العربية ككل ، ومنها طرابلس الشام والشمال العروبي …
ولئلا تكون هناك ثغرات على البحر المتوسط دون ترسيم حدود برية وبحرية أمام تسويات مصلحية دولية ومحلية ، وحتى شخصية تدور جميعها في فلك المخرج الأكبر للفيلم الأميركي الطويل …
فهل قوارب الإنتحار ..في عرض البحار ..هي فقط للتجارة والتوفير ، أم للتهجير والتسفير ؟؟؟؟؟ ّ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى