إجتماعيات

رسالة مفتوحة من جودي عبد القادر الأسمر قليلات إلى الشيخ مالك الشعار (مفتي طرابلس والشمال سابقاً)

السلام عليكم وبعد،

فضّلت أن تكون الرّسالة مفتوحة، هنا على صفحتي، لتكون مدرجة ضمن تتابع سيل الشهادات في والدي لا زلنا نتلقاها وتنتشر يوماً بعد يوم، من القاصي والداني، من طرابلس حبيبة والدي التي كرس حياته وقلمه لأجلها، الى بيروت والبقاع، وهم الأوفياء من تلامذته وطلابه وأصدقائه وزملائه وجيرانه يرثونه ويترحمون على استقامته ومهنيته وأخلاقه التي قلّ نظيرها في زمن شحّت فيه الرجال.

هذه الرسالة، بمثابة تصويب مسار أضعها أمامك وأمام الرأي العام، وهدفي منها، هو الحديث عن جحودك الصارخ بجهود وتفاني والدي، بخلاف كلّ من أحبّوه وبكوه وسيّلوا الحبر عن سيرته العصامية والغنية بالتضحيات، لأقول للجميع: آسفة جداً، على خطأ والدي في العمل مع المفتي السابق مالك الشعار مسؤولاً إعلامياً منذ عام 2007 ولغاية عام 2014، ثم أصدر كتاباً عن سيرة المفتي الشعار، عنوانه “المفتي الشيخ مالك الشعار رجل الاعتدال والحوار”، فقد خانته تقديراته التي يقيس بها ربما وفاءه بوفاء من يعمل معهم.

أكثر من أسبوع مضى على وفاة والدي رحمه الله، وأمي وأخوتي وأنا نسأل: لماذا لم يقدّم الشيخ مالك الشعار العزاء بوالدي، أو لم يردنا منه إتصال أو رسالة، وأنت تعلم أن والدي وهو طريح الفراش في السنوات الأخيرة كان يسأل عنك، ويرغب برؤيتك، وتتّصل أمّي بك نزولاً عند طلبه، وتحيطك بحالته المتدهورة، فتعدها بالمجيء لزيارته مرّات في المستشفى أو في البيت، ثم تعتذر في اللحظة الأخيرة، وغالباً ما لا تعتذر.

أمّا الكتاب، فعنه حديث آخر طويل: كان “الباركنسون” في عام 2016-2017 قد اشتدّ على أبي، وبالرغم من ذلك، أصرّ أن يعدّ كتابك. يحمل تعبه وألمه الى “impress” ويبقى حتى بعد منتصف الليل أحياناً، بمفرده مع أخصائي التصميم الغرافيكي، يشرف بكلّ جوارحه على مادّتك، ولا أنسى في برد الشتاء القارس في إحدى الليالي، كيف تعثرت خطوات والدي وهو خارج من المطبعة فتولّى السائق حمله وتوصيله للمنزل.

وحان موعد الحفل، في أيار 2017 في مسرح “جمعية مكارم الأخلاق الاسلامية”، حيث توافدت كبريات الشخصيات، العماد ميشال سليمان أولهم وعلى خلفية علاقة شخصية تجمعه بالوالد، وكثر غيرهم… وفي ذلك النهار، لاقى الكتاب ضجة واستقطب جموعًا غفيرة، حتى اضطر البعض لحضور الفاعليات وقوفاً وسدّت المسالك الى المسرح.

في تلك الأثناء، كان شقيقي وسام يختبىء في الكواليس تحسّباً لإنقاذ والدي في حال تهاوى على المسرح. وكان المطران إفرام كرياكوس، بارك الله به، يحاول تجليس عصا والدي كلما وقعت على المسرح، إذ كان جالساً بقربه.

صعدت، حضرتك، على المنبر، وطرب المستمعون لبهاء كلامك وبيانك عن كلّ الشخصيات الموجودة، وأكثرها السياسية، التي أغدقت عليها سيلاً من المدح والشكر، فلم تنسَ من كلمة “شكراً” أحداً، لكنك نسيت والدي، الذي أعدّ كتابك وكنا مجتمعين لأجله!

ينام ويستيقظ جرح “مالك الشعار” في قلبي المتفطر أصلاً على وفاة والدي الحبيب، وأنا أتساءل: ما عساي أن أفعل؟ إن كان والدي على قيد الحياة، كيف يتصرف؟ وتذكرت، أنّ والدي في أكثر من مناسبة ذاد عنّي في مواقف مماثلة، وكتب، ولم يخشَ في الحق لومة لائم، ووعدي له اليوم ان أردّ قليلاً من فضله، فقررت أن أكتب وباركت العائلة خطوتي. ولكن، علّمني والدي أيضاً، وهو مدرسة في الأخلاق، أن ألتمس السبعين عذراً لأي مسيء، فقمت بالآتي: اتّصلت بمرسالَين من دائرتك الخاصّة أسألهم عن صحتك فقالوا أنّك بخير ونجوت من كورونا منذ الشتاء، لكن ربّما لم يبلغوك رسالتي لكي لا يخسروا حظوتهم لديك، وإن فعلوا ولم تكترث فذلك خزي أكبر.

قلنا: ربّما يتجنّب المخالطة، لكن بأي حالٍ، كان الاتصال أضعف الايمان، إلا أنّني وقعت أمس على صورة لك على “فايسبوك” تتناول الغداء مع أصدقاء في قرية نائية، فقررت أن أكتب عن الشيخ الدكتور مالك الشعار “رجل الجحود وإنكار الجهود”، ولا يسعني في ذلك سوى أن أضيف قول أحدهم في رثاء والدي عبد القادر “أحبّه كل الناس باستثناء تجار السياسة وتجار الإعلام وتجّار الدين”، والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى