صحة وبيئة

مرض القلب

بقلم الدكتورة :إيمان نوار

إن القلب محل نظر الله سبحانه وتعالى كما قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم ] إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ، وَأَعْمَالِكُمْ [رواه مسلم(2564).

يقول أبو هريرة رضي الله عنه عن هذا الارتباط “القلب ملك، والأعضاء جنوده ؛ فإذا صلح القلب، صلحت الرعية، وإذا فسد القلب فسدت الرعية”!

ولقد صدق القائل: وإذا حلت الهداية قلبا ………نشطت للعباد الأعضاء

والقلوب هي أسرار العباد.. فمن طابت سريرته طابت حياته..

فضعف الإيمان مرض يعتري القلوب المؤمنة ، وهو من أخطر أمراضها ، لما ينشأ عنه من الوقوع في المعاصي، والتهاون في الواجبات، وقسوة القلب، وضيق الصدر، وتغير المزاج ، وعدم التأثر بقراءة القرآن، والغفلة عن ذكر الله عز وجل .. إلى غير ذلك.

ولا طريق للتخلص من هذا المرض إلا بالسعي في ما يقوي الإيمان، ويكون ذلك بدفع الأسباب الموجبة لضعفه، ومنها:

البعد عن الأجواء الإيمانية ، من حضور مجالس الذكر ، ومجالسة الصالحين.

فقدان القدوة الصالحة ، لذلك لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وووري التراب قال الصحابة رضي الله عنهم:”فأنكرنا قلوبنا” رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

الاختلاط بأهل الفسق والفجور من أعظم الأسباب التي تورث قسوة القلب.

الانشغال الشديد بأمور الدنيا ، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم من هذه حاله ، وعده عبداً للدنيا ، فقال: “تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار ..” رواه البخاري.

الانشغال بشؤون الأولاد والأهل عن طاعة الله عز وجل ، قال تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم)[التغابن:15 [.

طول الأمل قال تعالى: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون)[الحجر:3] وعن علي رضي الله عنه أنه قال: أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى ، وطول الأمل ، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.

الإفراط في المباحات من أكل ، وشرب ، ونوم ، وكلام ، وخلطة ، فكثرة الأكل تبلد الذهن ، وتثقل البدن عن طاعة الله ، وتغذي مجاري الشيطان في الإنسان ، و يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: “خصلتان تقسيان القلب: كثرة الكلام وكثرة الأكل”.والإفراط في الكلام يقسي القلب ، والإفراط في مخالطة الناس تحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها ، والنظر في تدبير أمرها.وكذلك الفتن التي تُعرض على القلوب؛ فإن رفضها القلب فاز وأفلح، وإلّا خاب وانتكس، ومن الأسباب كذلك؛ الشهوات والمعاصي، والانشغال بالدنيا وملذاتها، والغفلة عن ذكر الله، واتّباع الهوى والشُبهات، وأكل ما حرّم الله من الربا والرشوة وغير ذلك.
ويقول طلال عبد الرحمن مشعل 2019 :

ويمرض القلب كما تمرض كل الجوارح ومن أمراض القلب:

الآثام؛ وهي كلُّ ذنبٍ صغيرٍ أو كبيرٍ قال تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).

الزيغ؛ وهو من أمراض القلوب، ويعني الميل عن الهدى والاستقامة، والانحراف عنها إلى غيرها من وجوه الضلالة والعصيان.

الغلّ؛ ويعني الحقد الكامن في النفس، والعداوة والضغينة، قال الله -تعالى- على لسان عباده المؤمنين: (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا).

إباء القلب؛ ويعني رفض الإذعان للحقّ، ورفض الاستجابة لما أمر الله به من الإيمان، والركون إلى الكفر والفسوق والعصيان.

الغلظة؛ وهي شدّة القلب وقسوته، وهي ضدُّ الرّقة واللين.

النفاق؛ وهو من أخطر أمراض القلب؛ حيث يُؤدي إلى موتها إذا ما استفحل واستطال شرره، قال الله -تعالى- عن المنافقين: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا).

ولعل الحسد هو أشد أمراض القلب فتكًا بصاحبه قبل المحسود، إنه يحرم العبد الراحة والطمأنينة والرضا، وينزع من قلبه لذة الاستمتاع بنعم الله، ويصرفه عن شكر نعمة الله إلى تمني زوال النعم من الآخرين، مما يورث الهم والغم والحزن، فالحسد خبيث وخلق ذميم يبدأ بصاحبه فيهلكه، مع إضراره بالنفس وبالغير حتى أمر الله تعالى بالاستعاذة من شره كما قال عزوجل في محكم التنزيل:” ومن شر حاسد إذا حسد”.

 وقد أجمل الماوردي مذمته في قوله:" ولو لم يكن من ذم الحسد إلا أنه خلق دنيء يتوجه نحو الأكفاء والأقارب، ويختص بالمخالط والمصاحب، لكانت النزاهة عنه كرما، والسلامة منه مغنما، فكيف وهو بالنفس مضر وعلى الهم مصر! حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف من غير نكاية عدو ولا إضرار بمحسود".

أما دواء الحسد، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إذا حسدت فلا تحقق” أي لا تعمل عملا يضر المحسود، وعليه أن يتوب إلى الله ويرجع عما في نفسه، بل يجاهدها ويكظم ما في قلبه ولا يفعل ما يضر المحسود بالقول أو الفعل وأن يتذكر نعم الله عليه وأن يعلم أن الحسد منكر عليه لأن فيه اعتراض ضمني على حكم الله وقضائه، فهو الذي قسم الأرزاق بين عباده، وفي الحديث الشريف:” إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”، بل ينبغي على الحاسد إذا رأى عند غيره ما يعجبه أن يدعو له بالبركة وأن يسأل الله أن يعطيه من فضله مثل ما أعطاه دون تمني زوال هذه النعمة من عنده وهذه هي الغبطة.

أما المحسود فلا يضره حسد الحاسد، وليدفع عن نفسه الظلم ما استطاع وليتداوى إذا أصابه مرض بسبب الحسد، وليحصن نفسه بالأذكار والركون إلى جنب الله والإكثار من الدعاء لربه أن يصرف عنه الشر والسوء والعين، ولا يجوز اللجوء إلى تعليق التمائم والتعاويذ والطلاسم والخرز فكل هذا من الشرك بالله أعاذنا الله وإياكم.

ولنعلم أن الله حكم عدل لا يظلم مثقال ذرة، يعطي ويمنع بحكمته وقدرته، فمن أعطي شكر ومن منع صبر، واجتنبوا الحسد فإنه لا يكون إلا من أجل الدنيا، والدنيا فانية لا تبقى وإن بقيت فنحن مغادرون لا محالة، فاسألوا الله العفو والعافية واحذروا شرور أنفسكم وشيطانكم..

وإهمال القلب وهو المؤذن بكثرة الهموم ونكد العيش والضنك وتوطن الوحشة والغربة، وأمراض القلب متفاوتة كما تتفاوت أمراض الجسد، فإذا اشتد مرض القلب لم يجد صاحبه الأنس إلا في مواقعة المعاصي، فلا يؤنسه العمل الصالح، ولا يؤلمه ملازمة القبائح، كما ورد في الذكر الحكيم” في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا”، وإن خفّ المرض؛ فأقل أعراضه تغافل صاحبه عن الطاعات وانصرافه عن جنب الله، وانشغاله بالملهيات وقعوده عن المهمات..

ولا بد أن يصحب ذلك كله الدعاء بالثبات ، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يكثر منه: ” اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك” رواه أحمد.
والدعاء بأن يجدد الله إيمانك ، فقد روى الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الإيمان يخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم”. وقد أحسن من قال:

دواءُ قَلبِكَ خمسٌ عنـدَ قسوتـهِ *** فاذهبْ عليها تَفُزْ بالخيرِ والظَّفَرِ

خـلاءُ بطـنٍ وقـرآنٌ تَدَبـَّرَهُ *** كذا تضـرعِ باكٍ ساعةَ السَّحـَرِ

ثـم التهجدُ جُنـحَ الليلِ أوسَطِهِ *** وأن تُجالِسَ أهلَ الخيرِ والخُبَـرِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى