صحة وبيئة

أزمة حليب الأطفال في لبنان .. بدائل وحلول – بقلم: الدكتور محمد علي حجازي (كلية الصيدلة، جامعة بيروت العربية)

مع اشتداد الأزمة المالية في لبنان والإنهيار الغير مسبوق لقيمة العملة اللبنانية وعدم توافر العملات الأجنبية تشهد الأسواق اللبنانية ندرة في حليب الأطفال الذي يتم استيراده من الخارج وتُسدّد كلفته بالدولار الأمريكي. وبحسب التقارير فإن الصيدليات تشهد انقطاعاً للحليب رقم 3، الذي يتناوله الأطفال من عمر سنة إلى ثلاث سنوات، وبات أطفال لبنان – بتلك الشريحة العمرية – مهددون بأمنهم الغذائي، مما اضطر الأهالي إلى البحث الدائم علّهم يظفرون بعلبة حليب واحدة لإطعام أطفالهم1. وفي ظل هذا الواقع الأليم وشعوراً بالمسؤولية المجتمعية، كان لا بد من التفكير بحلول عملية وإيجاد بدائل لحليب الأطفال بشكل يحفظ كرامة الناس ويضمن لهم حقهم الطبيعي بالحصول على الغذاء دون الحاجة “للتسول” على أبواب الصيدليات والسوبر ماركات التي بدورها لا ذنب لها في الأزمة. لقد أكدت لنا الدعاية الإعلامية للشركات المنتجة لمختلف أنواع الحليب المجفف ولسنواتٍ طويلة بأنه “ضروري لاكتمال نمو الأطفال”، وأنه “مُدعَّم بالحديد” و”يحتوي على الفيتامينات والمعادن الأساسية” كما أنه “يحافظ على صحة الطفل العقلية”. وقد شكلت هذه الدعاية الإعلامية رأياً عامّاً خاطئاً ترسّخ لدى غالبية الأهالي بعدم تقبل الاستغناء عن تلك المنتجات المجففة حتى مع تقدم أبنائهم بالعمر. ونحن هنا لا ندَّعي أن تلك المنتجات ضارّة أو تهدد سلامة وصحة الأطفال، ولكنها مجرد سلعة يُمكن استبدالها بمنتج طبيعي مُتاح بوفرة وبأسعار مناسبة لكل طبقات المجتمع.
لقد اعتمدت البشرية لقرون طويلة من الزمن على الحليب الطبيعي أو الطازج في تنشئة الأطفال وكغذاء صحي للكبار أيضاً. وفي العقود القليلة الماضية أُشيع أن الحليب الطبيعي قد يسبب الحمى أو الحساسية أو يؤدي لنقص في بعض العناصر الهامة اللازمة للنمو مثل عنصر الحديد أو انخفاض في مستوى بعض الفيتامينات وإلى ما غير ذلك. وقت ترافق مع هذا، قيام بعض الدول بإنشاء الشركات العملاقة لإنتاج وتصدير تلك المنتجات. لكن الحقيقة التي يجب أن يعرفها الأهالي، هي أن هذه المنتجات ليست إلا سلعاً غذائية تُنتج وتُصدّر بهدف التجارة، حتى أنَّ العديد من البلدان المُنتجة والمُصدِّرة لحليب البودرة تعتمد الحليب الطازج أو الطبيعي كغذاء للأطفال, ولا يتقيدون بنوع محدد أو علامة تجارية.
ويتفق الباحثون في المجال الصحي على أن الأطفال من عمر السنة وما فوق يستطيعون شرب الحليب الطازج بكل مكوناته. ويشكل الحليب الطبيعي للطفل في هذا العمر قيمة غذائية كبرى لما يحتويه من بروتينات عالية الجودة وكالسيوم ودهون ومغذيات دقيقة ضرورية للنمو2. وبحسب المكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة، فإن الدسم الموجود في الحليب الطبيعي هو ضروري لنمو دماغ الطفل، وهي توصي بإعطاء الأطفال الحليب بكامل مكوناته من عمر السنة أو السنتين. علاوة على ذلك، فإن لمكونات الحليب الطبيعي تأثيرات تعزز النمو بشكل مستقل عن مركبات محددة3.
أمّا القول بأن الحليب الطبيعي قد يتسبب ببعض العوارض الغير مرغوب بها للأطفال كالحساسية والإسهال أو زيادة الوزن، فإن هذا قد يحدث أحياناً، كما يحدث أيضاً مع تركيبات الحليب المجفف. وتشير الدراسات العلمية الى أن الحساسية من بروتينات حليب البقر عادةً ما تكون عابرة، وأن ارتباط حليب البقر باضطرابات طيف التوحد ليست مثبتة علمياً، إضافةً إلى أن علاقته بداء السكري من النوع الأول (المعتمد على الأنسولين) لم يتم إثباتها2 .
وهنا لا بُدَّ لنا ان نُقدِّم بعص النصائح لاستبدال الحليب المجفف بشكل آمن وصحي للطفل. أولا, يجب التدرج في اعطاء الحليب الطبيعي للطفل ليعتاد على طعمه وهضمه خصوصا إذا كان معتادا على التركيبة المجففة. ثانيا, إن كان سيُحضّر في المنزل, فلا بد أن يبقى على درجة الغليان لمدة 20 دقيقة للتأكد من تعقيمه وسلامته. كذلك بالإمكان تخفيف نسبة الدسم (خصوصا للمبتدئين) عن طرق قشط طبقة الدهون التي تتكون على سطح الحليب بعد الغليان. ومن النصائح المهمة أيضا أن يترافق ذلك مع غذاء متنوِّع ومتوازن لتعويض الفيتامينات والمعادن من خلال الللحم والدجاج والخضروات المسموح اعطائها للطفل بهذا العمر4. ولا يجب أن ننسى منتجات الحليب ومشتقاته (كاللبن واللبنة والجبنة) كبديل في حال لم يرغب الطفل بالحليب الطبيعي. كذلك نوصي الأهل بتعريض الطفل للشمس بشكل يومي (ولو لفترة قصيرة) لضمان نمو سليم ومستوى كاف من الفيتامين د. وفي حال تعذّر أي من ذلك, فلا حرج أن يُعطى الطفل مكملات دوائية من الفيتامينات والمعادن (كالفيتامين د والحديد) لتعويض أي نقص محتمل وضمان نمو سليم5. وتبقى المشورة الصحية – من قبل طبيب الأطفال أو الصيدلي – ضرورية لمتابعة نمو وصحة أطفالكم بشكل آمن وسليم.
ختاما, لا بد من التذكير بأنَّ الرضاعة الطبيعية هي الأولوية المطلقة لصحة الأطفال خصوصاً لمن هم دون عمر السنة, لما في ذلك من فوائد صحية للطفل, واقتصادية للأهل والمجتمع6. وبحسب منظمة الصحة العالمية, فإن حليب الأم هو الغذاء المثالي للطفل. إنه آمن ونظيف ويحتوي على أجسام مضادة تساعد في الحماية من العديد من أمراض الطفولة الشائعة. كما أنه يوفر كل الطاقة والمغذيات التي يحتاجها الرضيع في الأشهر الأولى من العمر7. كما تؤكد الدراسات أن الأطفال الذي يرضعون من الثدي يعملون بشكل أفضل في اختبارات الذكاء، ويكونون أقل عرضة لزيادة الوزن أو السمنة وأقل عرضة للإصابة بمرض السكري والالتهابات الصدرية والمعوية في وقت لاحق من الحياة8. وفي حال تعذّر ذلك، فهناك العديد من الوسائل المساعدة للأم لتنشيط الرضاعة الطبيعية او استخدام حليب طبيعي معدّل للأطفال بهذا العمر إما من خلال منتجات جاهزة أو تحضيره في المنزل.
بقلم: الدكتور محمد علي حجازي (كلية الصيدلة، جامعة بيروت العربية)
المراجع:
1.جريدة النهار اللبنانية (2021). من هلعٍ إلى آخر… تخزين حليب الأطفال يؤدي إلى فقدانه من الصيدليات. العدد 20 (52) الصادر بتارخ 19-1-2021
2.Agostoni C, Turck D. Is cow’s milk harmful to a child’s health? J Pediatr Gastroenterol Nutr. 2011 Dec;53(6):594-600
3.U.S. National Library of Medicine, U.S. Department of Health and Human Services. Cow’s Milk and Children, 26 February 2021

  1. Banti T, Carsin A, Chabrol B, Reynaud R, Fabre A. [Infant food diversification. Assessment of practices in relation to French recommendations in pediatricians and pediatric residents in southern France]. Arch Pediatr. 2016 Oct;23(10):1018-1027
  2. World Health Organization, Nutrition for Health and Development. WHO guide on safe preparation of formula or cow’s milk for infants (2005).
  3. Fewtrell, Mary S. Promoting and Protecting Breast-feeding: The Importance of Good Quality Data, Journal of Pediatric Gastroenterology and Nutrition: March 2019 – Volume 68 – Issue 3 – p 296-297
    7.World Health Organization (2020). Nutrition and Food Safety, Breastfeeding; https://www.who.int/health-topics/breastfeeding#tab=tab_3
    8.ouw E, von Gartzen A, Weißenborn A. Bedeutung des Stillens für das Kind [The importance of breastfeeding for the infant]. Bundesgesundheitsblatt Gesundheitsforschung Gesundheitsschutz. 2018 Aug;61(8):945-951

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى