المقالات

جعجعة الثورات في فضائيات العربان!! د.شكري الهزَّيل – *كاتب وباحث فلسطيني

يوم غنَّى العرب وتغنوا بطلة الثورات و طلة خيلنا وطلة فرساننا النشاما من كل حدب وصوب, ويوم تغنينا بطلة الفضائيات ونصبنا الصحون اللاقطه على السطوح وفي كل شارع وحاره وحتى في عمق الصحاري لنلتقط العجائب القادمه من الفضاء الطلق مباشر الى مرمى عيوننا وعقولنا, ومن بيننا الكثيرون من علق خدمة صندوق العجب و مذياعه القديم ونسي “هنا لندن” وولع بالجديد الذي غذى عيوننا واذاننا بالصوت والصوره وجذبنا اليه جذبا حتى صار حديث الساعه وحديث كل عربي من المحيط الى الخليج وعلى طول وعرض خارطة العالم .. توحد العرب اعلاميا عبر القارات فصاروا جميعا يسمعون ويشاهدون ويتابعون نفس الاخبار ونفس البرامج ويتفاعلون معها وطنا ومهجرا وما هي الابضعة سنوات حتى صرنا مشاهدين بالملايين نتابع الاحداث في العراق وفي فلسطين ولبنان وفي كل مكان وبعد عقد من الزمن صرنا مدمنين واتباع فضائيات بغض النظر عن مالكيها واهدافهم..صرنا نلهث وراء الخبر وما وراء وراء الخبر ونلهط من هيطلية هذه النعمه دون ان نشعر بسكَّر زائد او ملح ناقص الى حد ان هذه الفضائيات صارت مرجعية صدق وتصديق “” لا بلا صحيح.. الخبر صحيح وجاء في فضائية شعيط”,, هكذا نحسم الجدل ونقطع الشك باليقين بمجرد ان نشير ان الخبر ذكر في الفضائيه او مصدره الجريده الفلانيه وهكذا ايضا وعلى هذا النحو ضمن السلطان عقولنا بعد ان هَّيطلها بهطول اخباره كالمطر على رؤوسنا والى داخل بيوتنا الى حد اننا لم نعد نُكَّذب اي امر ا و نشكك بمصداقيته لان فضائية شعيط بثته وروجت له بكثافه الى حد يصعب فيه ان تقنع الناس بالتروي وتحري دقة واهداف ومصداقية هذا الخبر وذاك.. حالنا في العالم العربي وبالتحديد تعلقنا ببعض الفضائيات كمصادر للخبر والتحليل يشبه حال الخراف الذي يعلفها صاحبها او التاجر وعندما تنضج وتسمن يبيعها للجزار والاخير بدوره يقوم بذبحها وسلخها وتجزيرها وبيع لحومها لكل من يرغب شراءها وهكذا دواليك وصلوا ووصلنا الى مرحلة التجزير الاعلامي والوطني من قبل من اوهمونا باكذوبة حرية الراي والراي الاخر التي تحولت الى غابه من التضليل والى شرَّك وطني بغيض وخطير..شرك مدبَّر سقطت فيه الشعوب العربيه عبر خديعة اعلام العربان الذي اوهم العرب بمصداقيته وقام بعلفهُم بالاخبار والتحاليل حتى جاء زمن الثورات الشعبيه لينقلب كل شئ.. كبرت الخراف ونضجت وحان ذبحها عبر سيكولوجيا مصداقية زائفه أُكتسبت على مدى عقد من الزمن!!
تذكرت حياتنا القديمه مع اذاعة “هنا لندن” التي كانت تملا بيوت العرب واهل فلسطين وشوارعها واحياءها الى حد التندُر على سماع مقولة “هنا لندن” في سيارة الاجره ليطلب احد الركاب النزول من السياره لانه يريد الذهاب الى القدس وليست لندن!..تذكرت المذياع القديم المُغبَّر وانا ارى واشاهد فضائيات ” هنا العربان” وهي تشوطنا غربا وتركلنا شرقا بالجثث الملقاه في دمشق الشام وذبح القذافي على الهواء مباشره وفتاوي الذبح والهدر وقتل الناس في شوارع القاهره وتعرض لنا على شاشاتها اصدقاء سوريه من اصحاب العباءات المهتريه وطنيا والمغمسه في الدم والنفط العربي الذي احرق بغداد الرشيد وطرابلس الغرب ويشعل النيران في سوريا.. عهر اعلامي فضائي يغزو بكل وقاحه العقل العربي ليقول له ان الثوره تعني حرق النظام والبلاد والعباد وتقطيع لحم الشعب السوري وحرقه وتفتيته وجعله عالقا على الاشجار وعلى الارصفه وعالقا في سيارات كثيره محترقه.. لحم مشوي على الطريقه الثوريه الفضائيه لأمير وملك تحميهم الطائرات والاساطيل الامريكيه ويروجون لكذبة نصرة الشعب السوري..نصرة الشعب السوري كما فعلوا بالشعب العراقي…ذبحه وحرقه من اجل بقاء عروش العربان تحميها امريكا واسرائيل…هُنا العربان ويا ساق الله على ايام هنا لندن…كانت ارحَّم بكثير من زمن هنا فضائيات العربان اللتي ذبحت العقل العربي من الوريد الى الوريد ودمرت صورة الثورات العربيه لتجعلها مجرد بحر من الدم ومستنقع كذب ومجالس وطنيه مزيفه واخرى عسكريه ميليشيه والانكى بنكاية فضائيات العربان هو تطييف الصراع وجعله طائفيا…هنالك تبرير مبطن واخر واضح للموت الجماعي والفردي في سوريا وهل يعقل ان تقتل تجرح العشرات من السوريين المدنيين حتى تقتل رجل امن واحد تابع للنظام ومن ثم تخرج للاعلام بالقول ان النظام من وراء هذا وهو المدبر لهذا العمل الاجرامي؟.. ديموقراطية الجثث والجثث مجهولة الهويه اثبتت فشلها في العراق لابل ادت الى تدمير نسيج العراق الاجتماعي والطائفي والانساني الى اجل بعيد وعن
ماجرى ويجري في ليبيا حدث بلا حرج ..هنا العربان وهنا الغربان والنعيق الاعلامي على سوريا.. يريدون مزيد من الموت والدمار والخراب تحت مسميات كاذبه وواهيه وجعجعه اعلاميه ثوريه عدميه تبرر الموت الجاري في سوريا وتريد المزيد وكأن الشعب السوري هكذا يريد!.. الذي يريد هو امارة قطر وفضائية الجزيره ومملكة السعوديه والعبريه.. العربان تريد ذبح سوريا ارضا وشعبا بالثوره المضاده وابواقها من اعلاميين ومفكرين مأجورين يبررون هذا الذبح…هنا العربان وهنا لندن.. كثير من العرب استوعب الجاري وعاد الى “هنا لندن” التي تطورت وصار لها فضائيه ايضا وليس مذياع فقط..عادوا الى هنا لندن بعد ان فتك العربان بوجدانهم وواقعهم وثوراتهم واستهتروا بالثورات والثوار وجعلوهم معاول تهدم اوطانها بدلا من ان يكونوا سواعد طاهره تحافظ على الاوطان في زمن الثوره على النظام..
نعم هنا العربان في كل مكان يغطون فضائنا وسماءنا بغربان الخراب والدمار والحروب الاهليه والدمار والخراب.. في ليبيا بلاد مدمره..في اليمن حرب بين الجيش النظامي والقاعده وامريكا تشارك في الحرب وتقتل الشعب اليمني في حين تبرر وتمرر فضائيات العربان هذا الجاري وكأن الذي جرى في اليمن كان جعجعة ثوره بلا طحين وهو على ما يبدو كذلك..جعجعة ثوره بلا طحين.. بقي النظام هو هو وظل وفيا لامريكا والحديث اليوم عن ثوره يمنيه يبدوغير واقعي في ظل الواقع الجاري في اليمن…. في مصر الفلول يتقدمون ومبارك نائم على سرير من حرير ينتظر الحياه او الموت…جعجعه مليونيه خاصه..هنا العربان وشاهد على العصر واخر شاهد على الثوره.. ثوره.. شئنا ام ابينا..ثوره ومجلس وطني ومجلس عسكري وقتلى وجرحى بالمئات يوميا..هنا العربان ووراء الباب امريكا كامله بشحمها ولحمها وعظمها..تمد المعارضه في سوريا بالسلاح وتقاتل الى جانب الجيش النظامي في اليمن وترسل خبراءها الى ليبيا وتهدد مصر ان مست باتفاقية كامب ديفيد وتؤمن وجود وبقاء انظمة مجلس تعاون خليجي كانت هي أمه ومؤسسته في ثمانينات القرن الماضي وقامت بايعاز ومساندة من دول هذا المجلس الملطخ بتدمير العراق وحل جيشه وقتل شعبه.. اخر سماجه تاريخيه سمعناها مؤخرا هي مطالبة المجرم جورج بوش قاتل اطفال وشعب العراق بدعم الثورات العربيه… اكبر مجرم بحق الشعوب العربيه يطالب بمساندتها…مفارقه سمجه تماما كماهي مفارقة العربان الطغاه الذين يزعمون بدعمهم للثورات العربيه.. قتلوا العراق وطنا وشعبا و يقتلون الناس في البحرين ويزعمون بدعم الثوره السوريه..دعم قاتل… نحن وبدون التباس نؤيد مطالب الشعب السوري واسقاط النظام ولكن ليس تحت مقولة علينا وعلى النظام وقتل الشعب السوري وتدمير بلاده.
.. الثوره قضيه استمراريه وتراكمات نضال وتضحيات وليس نتاج يوم او يومين والثوره ايضا تخطيط واستراتيجيه وليس مجرد تفجيرات هنا وهناك….قد يكون الجاري والذي جرى في العالم العربي مجرد جعجعه ثورات عابره بلا طحين ..تسقط النظام وتبقي الخراب والقوى الرجعيه والميليشيه..اجينا نكحلها اعورناها؟….نعم لاسقاط الانظمه الدكتاتوريه والعميله للغرب وعدوة الشعوب, لكن ليس بهذه الانتقائيه الانتهازيه والتضليليه التي تبرر بقاء انظمة رجعيه وهمجيه واسقاط انظمه اخرى بدعم مزعوم من هذه الانظمه الرجعيه والمجرمه تاريخيا بحق الامه العربيه.. اذا كان هناك عدو للامه والشعوب العربيه تحالف مع امريكا لقتل روح الشعوب وهويتها فهو دول مجلس التعاون الخليجي التي تزرع الخراب اليوم في سوريا كما زرعته في العراق وليبيا واليمن والبحرين ….هؤلاء الهاربون من سوط ايران نحو وحدات ومعاهدات وهميه بين دول كارتونيه تحميها الطائرات والاساطيل الامريكيه والانكى ان هذه الدول الكارتونيه تسيطر على الفضاء الاعلامي..هنا العربان كما كان هنا لندن.. والمفارقه ان فرسان فضائيات العربان تخرجوا من مدارس هنا لندن.. نفس المدرسه ونفس الاسلوب.. تحييد وتضليل وتهجين.. استعمار واستكبار اعلامي جديد..فضائيات العربان..
الجعجعه الثوريه الجاريه في فضائيات العربان ماهي الا استهتار بروح الثورات العربيه وبارواح الشعوب التي تضحي بارواحها من اجل الحريه والانعتاق من انظمة الحكم المستبده وهذا الاستهتار يتجلى بحرف الثورات عن مسارها وتوظيفها لخدمة مصالح الرجعيه العربيه والامبرياليه الامريكيه..هم لا يريدون اسقاط النظام السوري ثوريا وشعبيا وتراكميا لابل يريدون اسقاطه وتدمير سوريه وتنصيب نظام رجعي موالي للرجعيه العربيه وتابع لامريكا…يريدون زيادة عدد اعضاء نادي العملاء التابع لامريكا…العبور من مرحلة وكر شرم الشيخ الى مرحلة وكر الدوحه اخر…يريدون تزييف وتحريف مسار واهداف الثورات العربيه وقد نجحوا في تدليسها وحرفها في كثير من الدول العربيه…هؤلاء التابعين لايريدون نصرة الشعب الفلسطيني ولا تحرير فلسطين والعكس هو الصحيح وهو ترسيخ مكانة ووجود اسرائيل…ببساطه الذي جرى حتى الان هو جعجعة ثورات دون طحين ونتائج ملموسه..جعجعه تغذيها فضائيات التدجين والتضليل لتصنع الاحداث وتنتجها كما تشاء من شاهد على العصر الى شاهد على الثوره او ماشابه..ثوره وثورات ومصطلحات اعلاميه اقل ما يقال فيها انها غوغائيه هادفه وتستهدف العقل العربي لتخلط عليه الامور وتداخلها في بعضها البعض حتى تكون ضبابيه وغير واضحه..ثوريه ام رجعيه..!!واخير وليس اخرا لابد من القول ان اي ثورة عربيه تعتمد على دعم عربان الخليج وفضائيات العربان هي ليس ثوره شعبيه لابل ثوره تشوبها الرجعيه وتشقها الثوره المضاده.. اسقاط الانظمه المستبده امر مطلوب ومشروع وهذه مهمة الشعوب الواعيه وليست المضلله…الفرق بين اسقاط النظام من خلال ثورة الشعب وبين اسقاطه بمؤازرة الرجعيه واعلامها التضليلي هو فرق كبير وشاسع… الاول يعتبر ثوره شعبيه نقيه اطاحت بالنظام لتقيم نظام ديموقراطي وعادل والثاني ثوره مضاده تضليليه تستعمل وتستغل الشعوب لاسقاط نظام وانشاء اخر اكثر سوءا واكثر رجعيه واكثر تبعيه… ماجرى في ليبيا ويجري في سوريا قد ينطبق على الصنف الثاني..نقول قد والايام ستثبت صدق هذا الطرح او عكسه… جعجعة الثورات في فضائيات العربان وشتان بين ثوره وطنيه وثوره رجعيه….مع كل هذا نتمنى ان تنتصر الشعوب في النهايه على الاستبداد وعلى الثورات الرجعيه المضاده!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى