المقالات

الدولة المدنية والدولة الدينية افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما بقلم الدكتور علي معطي

يُفهم ان الدولة المدنية هي الدولة التي تُحكم بالقوانين المدنية، وان الدولة الدينية هي التي تُحكم بالقوانين الدينية.
والقوانين الدينية هي القوانين التي تُستمد من الكتب السماوية كالقوانين الاسلامية التي تُستمد من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة. وبتعبير آخر هي القوانين التي أنزلها الله سبحانه وتعالى لعباده في الارض بواسطة الرسل والانبياء (ص).
اما القوانين المدنية فهي القوانين التي يضعها الناس او من يمثّلهم وينوب عنهم، ويُطلق عليها اسم القوانين الوضعية.
وهنا يرد السؤال التالي: هل القوانين في لبنان تُستمد من الكتب الدينية أم من المجالس التمثيلية والنيابية؟
الحقيقة انه يوجد في لبنان نوعان من القوانين: قوانين مدنية وقوانين دينية. القوانين الدينية هي القوانين التي تُطبقها الطوائف اللبنانية على احوال افرادها الشخصية في مجالي الارث والزواج. والقوانين المدنية هي القوانين التي تُطبق على جميع اللبنانيين في كل شؤونهم الاخرى: أكانت سياسية او اقتصادية- مالية، او عسكرية- امنية، او تربوية- تعليمية، او قضائية او صحية… الخ.
ويُمكن القول ان الدولة في لبنان دولة مدنية لها دستورها الوضعي، وقوانينها العادية الوضعية ايضا. ولها سلطاتها ومؤسساتها التي تكوّنت وفقا لهذا الدستور، ولهذه القوانين. فرئيس الجمهورية يُنتخب من مجلس النواب، واعضاء المجلس النيابي يُنتخبون من الشعب، وفقا للانظمة الديمقراطية التي تفصل الدين عن الدولة. وكون الشعب اللبناني يتألّف من عدد من الطوائف الدينية (18 طائفة) فقد ارتضى اللبنانيون ان تُوزع السلطات في الدولة على هذه الطوائف. كما ارتضوا ان توزع الحقائب الوزارية على جميع الطوائف، بحيث يكون لكل طائفة وجود في مجلس الوزراء وتُشارك في السلطة التنفيذية التي تتولى شؤون الحكم في الدولة.
ومما لا شك فيه ان اقتسام السلطات بين الطوائف يُضعف من الممارسة الديمقراطية، ولكنه لا يتعارض معها خصوصا اذا التزم هذا الرئيس او ذاك بالقوانين الدستورية والعادية. بيد ان معظم الرؤساء الذين تسلّموا السلطة في لبنان منذ عام 1943 حتى اليوم، لم يلتزموا بالدستور ولا بالقوانين العادية ولا بالاعراف ولا بالميثاق الوطني الذي ارتضوه لانفسهم. ولم يفعّلوا المؤسسات بل عطّلوا معظمها كمؤسسة مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي وماشابه والتي وضع أُسسها الرئيس فؤاد شهاب.
هذه السياسة العرجاء التي اعتمدها هؤلاء الرؤساء هي السبب الرئيس لهذه المساوئ والمصائب التي عاش ويعيش في ظلّها اللبنانيون، وليست الطائفية السياسية ولا القوانين الدينية التي تسري على احوال الناس الشخصية.
ولو عاد هؤلاء الرؤساء الى ضمائرهم واخلاقهم الدينية وشرائعهم السماوية لجنّبوا العباد والبلاد سوء المصير وهذا الشقاء، ققطع يد سارق واحد مسؤولا كان ام غير مسؤول يكون كافيا لردع الاخرين وحفظ اموال الناس والدولة معا ولو جُمعت من الاغنياء زكاة اموالهم – كما ينص الشرع الاسلامي- لما وجد في لبنان فقيرا واحدا. ولو جُلد الانسان الاعزب الزاني ورُجم الانسان المتزوج الزاني لاستقامت الاخلاق وصينت الاعراض وحُفظت الانساب، وعمّت الفضيلة في المجتمع وكثُر الخير وانتشر بين الاهالي الودّ والسلام (هذا في شرع الاسلام)وفي شرع غيره من الاديان السماوية.
ان إقرار قوانين الزواج المدني في بعض دول العالم ساهمت في تخريب الاسر وتفكك العائلات وفي القضاء على علاقات الود والاحترام بين الآباء والابناء، وفي ارتفاع نسب الطلاق التي وصلت الى 70% في دول اوروبا واميركا. كما ساهمت في ازدياد اولاد الزنى وفي انتشار حياة المساكنة وفي إقرار زواج المثليين في هذه الدول.
لذا ندعو اهل لبنان والعالم العربي والاسلامي ان يتمسكوا بقوانينهم الشرعية. وان يعملوا على نشرها في العالم ليعم الامان والسلام والرحمة في الارض.
كما ندعو حكام العالم أجمع ان يعودوا الى قيم الحق والعدل والفضيلة وان يقلعوا عن تطبيق قوانين الديمقراطية والرأسمالية الفاسدة وفي ذلك يقول الله تعالى “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿٥٠﴾المائدة”
فالله تعالى هو احكم الحاكمين واعدل المقسطين وارحم الراحمين واقدر القادرين. هو السلام والامان والخير فمن حكم بشرع الله فقد اهتدى واطمان وسعد في الدارين ومن حكم بهواه فقد ضلّ وطغى وشقي في الحياتين.
“وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٤٥﴾المائدة” الذين يظلمون انفسهم ويظلمون الناس ويعيشون في ضنك وفي تعاسة وألم دائمين. وفي ذلك يقول الله سبحانه:” وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴿١٢٤﴾ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ﴿١٢٥﴾قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ ﴿١٢٦﴾”
صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم نبي الرحمة والهدى للعالمين.

استاذ في الجامعة اللبنانية
عضو في اللقاء الاسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى