المقالات

لجأوا إلى دستور غامض وناقص – د. سابا قيصر زريق

يحتوي على مطبّات كثيرة، فتفننوا، عن قصد وجور مغرضين، في تفسيره وبخاصة في تفسير “الميثاقية” التي ابتدعوا بصددها “الإنجاز” تلو “الإنجاز”، فأعطوها مفهوماً جديداً لتعطيل عمل الأولياء المسؤولين، مبتكرين أساليب وعرة. كان التعطيل يقتصر على تعطيل النصاب في جلسات المجلس النيابي، غير أن ذلك لم يكن ليعطل البلد على النحو الذي نعاني منه راهناً. وجاء 4 آب 2020، بشؤمه المجرم الدامي، ليتيح لهم تعطيل عمل القضاء الشريف والنزيه والمترفع. فباسم ميثاقية ما مصطنعة، إنتشلوها من حزمة ميثاقيات في جعبتهم، عُطلت مؤخراً جلسات مجلس الوزراء، كما لو أن الميثاقية كانت مفقودة أساساً عند تشكيل الحكومة!! إن عدم انعقاد جلساتها في هذه الأيام العصيبة، يكرس عرفاً هجيناً جديداً، يحلل، من الآن فصاعداً، التعطيل لمجرد تغّيب وزراء طائفة معينة عن حضور جلسة ما للمجلس، يُطرح على جدول أعمالها أمر قد لا يكون لمصلحة الطائفة المعتكفة. إن الإصرار على التوافق قبل الدعوة إلى اجتماع مجلس الوزراء، المُلح عقده منذ زمن، لارتباط ذلك بشؤون المواطنين الحيوية اليومية، ولرسم خطط نهوض البلد من كبوته، يكرس مرة أخرى مبدأ الديمقراطية التوافقية التي أوصلت بلدنا الى الوضع المزري الذي هو اليوم عليه. إن التوافق أمر مطلوب والتمسك به أمر محمود، غير أن التشبث به، والكل يعلم أن التوصل إليه شبه مستحيل حالياً، لإسباب باتت معلومة، هو تقصير موصوف.

وأتساءل، لماذا لا يحضر الوزراء المعارضون لأمر ما جلسة المجلس للتصويت ضد إقراره؟ أبهذه السهولة يتجرأ أركان السلطة التنفيذية على تعطيل عمل السلطات الأخرى، بما فيها السلطة القضائية؟ في بلد كان في غابر من الأيام يتباهى بديمقراطية فصل السلطات، “المقدسة” فيها صلاحيات كل منها؟

وما هو السبب الكامن وراء الخوف من أحكام القضاء؟ أفعلاً يحرص المعترضون على الالتزام بحرفية الدستور في ما يتعلق مثلاً بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟ أم هنالك سبب مستتر دفين آخر؟ ألهذه الدرجة يستفرسون في حماية الدستور من جهة، بينما هم لا يتورعون عن نقض أحكامه كلما هُددت ديمومتهم على كراسيهم النتنة ومصالحهم الضيقة.

ولماذا لم نعد نسمع باسترداد الأموال المنهوبة والمهرّبة مثلاً؟ ولماذا لا يُطرح بجدية أمر تجديد الترخيص الذي سبق أن أعطاه المجلس النيابي لتجميد العمل في قانون السرية المصرفية؟ وقد شارفت صلاحية هذا الترخيص على الإنتهاء، دون أن يكون قد أنجز المدققون الجنائيون عملهم. كما غابت عنا أخبار المصارف وحتى أخبار المصرف المركزي؛ والكل يعلم أن هنالك محاولة لتذويب ما تبقى من أموال المودعين الشرفاء في إناء المتورطين. إن التعتيم الشامل على مطالب الشعب الأكثر من محقة يبرر كل احتمالٍ وكل شك. فإن كان في بعض الظن إثمٌ، ففي بلدنا، يعادل الظنُ اليقين.

وأخيراً، أضحت صرخات الشعب من ضروب السذاجة. فكيف يُطلب مِن “حاميها حراميها” أن يتوب ويصحح؟ وكيف لمن هدَّم أن يشِّيد، وكيف لنا أن نطلب من “المنظومة” أن تنتظم؟

فلنغَّير الزمرة الطالحة بانتخاب طبقة جديدة من المترفعين والواعدين وأصحاب المشاريع الصادقة وذلك قبل أن تفوت الفرصة وينتصر الباطل مجدداً على الحق يوم الانتخابات العامة المقبلة. فلنتهافت بأفواج كبيرة للتصويت بهدف قلب المعادلة الراهنة وتلقين المسؤولين عن بؤسنا درساً يكون عبرة للأجيال القادمة.

المصدر جريدة النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى