المقالات

أوكرانيا \ كتب: د. قصي الحسين

لا أنسى ما بقي لي من العمر، هذا التاريخ. لا ينسى أهلي كلهم، بعد هذا اليوم، هذا التاريخ. لا ينسى من سيبقى من الأوكران الناجين، بعد اليوم هذا التاريخ. لا ينسى العالم الأوروبي، ولا العالم الأميركي، ولا العالم الأسيوي، ولا ألارض كلها، بعد هذا اليوم هذا التاريخ.

من ينسى من البشرية كلها، هذا اليوم الأسود، هذا “الأربعاء” 22/2/2022، الأسود، حين سطر قرار الحرب، بالحبر السري الأسود. حين وقع قرار الحرب على أوكرانيا، بالحبر السري الأسود. حين طار الغربان السود من أوكارهم، وغطوا دفعة واحدة على “شجرة أوكرانيا”، يريدون إقتلاعها من جذورها. يريدون أن يحملوا رمادها، ويذرونه في البحر، مثل رفاة الهندوسي، بعد المحرقة.

منتصف ليل الأربعاء22/2/2022 المشؤوم، غط ملك البوم، على شجرة أوكرانيا. غرز منقاره الأسود في نسغها، جرح ورقتها. كتب عليها قرار إعدامها حرقا، وحمل رفاتها ورميها في نهر الفولغا.

بعد يومين إثنين، نصبت أوكرانيا، يوم الجمعة الحزينة، في24/2/2022، على خشبة. صار رميها بكل أنواع السهام الحارقة. خرج الجلاوزة من الصناديق. صناديق حصان طروادة. وشهروا سيوفهم. شهروا مديهم. حملوا النار، إلى “كييف”. إلى صدر أوكرانيا.

لماذا رجمت أوكرانيا. لماذا سحلت. لماذا سحبت إلى الجلجلة. لماذا وقعوا قرار إعدامها، بعد منتصف ليل الأربعاء في22/2/2022. لماذا وقعوا على إعدامها. لماذا حكموا بإعدامها. لماذا أوكلوا لملك الغربان، أمر المهمة، في الليلة الليلاء في24/2/2022، يوم الجمعة العظيمة.

يوم جنائزي عظيم، يوم الجمعة24/2/2022. تجسدت أوكرانيا. تجسدت الأرض. تجسدت الإنسانية… تجسد العالم. والمجرات. والكواكب. تجسدت السماوات السبع الطباق. إتحدت. توحدت في إرادة الموت. في إرادة الصلب.

كان نعيق الغربان يملأ الأرض. كانت أسلاك الكهرباء، شرائط سودا للغربان. وقفوا يشهدون على موت الأرض. ماذا بعد، تقول العمائر الفارغة من روحها. ماذا بعد، تقول ساحات الإعدام. تقول الأنفاق. تقول المدارس والجامعات وحادقات الأطفال. ماذا بعد. تقول الأمهات، يودعن أزواجهن إلى ساحات الموت. إلى خنادق الموت. يحملون على ظهورهم أكفانهم من الثلج.

الأربعاء22/2/2022، منتصف الليل. صدر قرار الإعدام، من الحجرة السوداء. وقعها ملك الغربان. بالحبري السري. صدر الأمر بالحبر الروسي. قدمت ثلة من الغربان، يوم الجمعة العظيمة، 24/2/2022. حطت على شجرة أوكرانيا. قصفتها. عرتها ورقة ورقة، حتى حتفها. فزعت إلى مليكها، فإذا هو هي: رماد في رماد . نهضت أوكرانيا. تركت ملك البوم جثة هامدة لدود الأرض.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى