المقالات

محاولات ربع الساعة الأخير !! ما هكذا تشكل اللوائح – د. سابا قيصر زريق

مع دنو استحقاق يترقبه اللبنانيون بحذر، مجبول بآمال معلقة، قد لا يرى النور لأسباب غير مقنعة، لا بد من وقفة نقدية حول طريقة تشكيل اللوائح الإنتخابية التي شهدتها أكثر من دائرة.

لا تعترض مبدئياً أقطاب السياسة مشاكل تذكر في استقطاب مرشحين للإنضواء في لوائحهم، أو أقله لتكوين نواتها الصلبة، على أن تستكمل لوائحهم في وقتٍ لاحق، وذلك لأن بعض المرشحين، ومعظمهم للمرة الأولى، يتطلعون إلى الانضمام إلى لوائح من المعروف أنها سوف تحصل على حاصل إنتخابي أو أكثر. وبالطبع، إن ما ييسّر الأمر هو كون مشكِّل لائحة ما يتمتع برصيد شخصي من الأصوات يؤهله للفوز، دون الحاجة إلى أي دعم من مرشحين آخرين ؛ رصيد منبثق عن إرثٍ سياسي، أو مسيرة نضالية، أو خدمات يكون قد أدّاها لناخبيه؛ ويرغب في زيادة عدد الحواصل التي يرجو أن تنالها لائحته.

غبر أن هذا الأمر يختلف عندما يحتاج مشكِّلو اللوائح إلى حشد أصوات أكثر من مرشح، على أمل أن يؤدي ضمها الى تحقيق حاصل إنتخابي واحد على الأقل فيتبارون في تصرفاتهم الخرقاء ويقعون في إرباك ما بعده من إرباك.

إن مبدأ النسبية الذي يرى أمثل تطبيق له في الأنظمة الانتخابية التي تعتمد على تنافس الأحزاب المنظّمة، أُقحم بشكل مشوّه في قانون الإنتخاب الحالي. فهو يفترض أن تشكل لوائح قوامها أفراد ينتمون إلى الحزب نفسه، أو إلى الفكر السياسي نفسه، يتشاركون استراتيجية طويلة الأمد، وليس تكتيكية ظرفية، بحيث يمنحون لائحتهم هوية سياسية محددة، تنصهر فيها هويات كل منهم. فيظهرون إلى العلن متكافلين ومتضامنين، مما يسمح للمقترع أن يدلي بصوته عن قناعة ترتكز على تماهي المرشحين على اللائحة مع تطلعاته، دون أن يخشى انفراط عقد اعضائها بعد إعلان النتائج، فيذهب كل أو بعض من يفوز منهم في طريقٍ مختلف عن الطريق التي تكون اللائحة قد خطّتها في برنامجها الإنتخابي.

من الطبيعي أن تتشكل اللوائح غير الحزبية، نتيجة مساعٍ ومفاوضات ومناقشات بين الأطراف المعنية للتأكد من أن الأهداف التي يرمي الى تحقيقها المرشحون مشتركة إلى أقصى حد ممكن. غير أن ما حصل مؤخراً في بعض الدوائر الإنتخابية، وبخاصة خلال الأيام، لا بل الساعات الأخيرة، قبل انتهاء مهلة تسجيل اللوائح، يدل على خفة في التعاطي. إذ جاءت محاولات استقطاب المرشحين بمثابة استطلاعات للرأي بدلاً من بحث جدي في إمكانية التعاون الانتخابي. وقد نُمي إلي أن اتصالات كانت ترد إلى مرشحين أو مرشحين محتملين، من أطراف غريبة عنهم تماماً، قبيل حلول اجل المهلة المذكورة، عارضة أن ينضم المرشح إلى لوائحهم، بعد أن يُشبِع المتصل “طريدته” بكلمات الإطراء المعسولة ليغويه بهدف ضمه إلى لائحته.

بالله عليكم، وفي حال نجح المستقطِب في إقناع المرشَّح بطلبه، ماذا يا ترى يتوقع منه في حال الفوز؟ بنظري، إن مقاربات من هذا النوع تولّد “زيجات متعة”، لا أمل فيها بالاستمرار. أهكذا تشكل اللوائح؟ عن طريق التسوق في سوق حراج إنتخابي؟ بالطبع لا.

ولا بد من الإشارة أن الجامع، أو الذي يبدو أنه جامع كافٍ، بين من ينضوون في لائحةٍ واحدة، هو حالياً في معظم الدوائر، العداء أو الولاء لسوريا ولحزب الله. ولكن ما هي الضمانة أن من يلتقون على هذا “المعيار” لا يختلفون في معايير أخرى كثيرة. ألم نرَ في بعض الدوائر أخصاماً سياسيين لدودين يتحالفون في لائحة واحدة لكي يؤمّنوا الحواصل الانتخابية لتثبيت منظومتهم؟ ألم نرَ كذلك، ولسوء الحظ، قصر نظر المستقلين أو المجتمع المدني أو أرباب الثورة أو المجتمع الأهلي في عدم تجميع قواهم في لائحة واحدة موحّدة تضمن لهم حاصلاً إنتخابياً أو أكثر؟

وعودةً إلى محاولات ربع الساعة الأخيرة لتشكيل اللوائح.

ما الضير يا ترى من قيام المرشحين الجدّيين بالإعداد لاستحقاق نيابي ليس في الربع الساعة الأخير بل بعد دراسة وافية وتمحيص لأهواء الناخبين. تصوروا أفراداً لا ينتمون إلى أي حزب أو تكتل سياسي، يرغبون في التعاون آملين في تحقيق هدف معيّن. يقوم هؤلاء بدراسة الوضع السياسي على الأرض ويرصدون نقاط قوة وضعف من يريدون استبداله من ممثليهم ويعملون على حشد الطاقات البشرية الواعدة، فيرسمون خريطة طريق انتخابية لتحقيق أهدافهم ويعدّون أنفسهم سياسياً واجتماعياً وحتى مالياً، لكي يكونوا جاهزين عند أول استحقاق نيابي لإطلاق لائحتهم.

المصدر جريدة التمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى