إجتماعيات

نزيه مطرجي عالم عامل داعية قضى إلى الله جل في علاه\ للدكتور محمد علي ضناوي

لم أك أظن أن أرثيه يوماً!! لكن الله سبحانه شاء أن يكون (نزيه مطرجي) رحمه الله اقصر عمرا مني فحملت القلم لأكتب إلا انه عصاني كاد يتمرد علي؟؟ فماذا يكتب عن فتى نشأ منذ نعومة أظفاره ولما يبلغ الخامسة عشر من عمره، في أحضان الدعوة والمنهج الرباني الخالد.. كذا كان نزيه ومجموعة من أمثاله في العمر، قذف الله في قلوبهم حب الإسلام والدعوة إليه، فكانوا ثلة مباركة نُسجت خيوطُ الدعوة في أفئدتهم المليئة بحب الله ورسوله محمد  والإسلام الحنيف وقد ختم الله به الأديان والدعوات.
كان (نزيه مطرجي) ذاك الفتى الذي كبر على عين الله سنين فناهز السبعين وقلبه الرقيق مفعم بحب الله ورسوله والدعوة إلى الصراط المستقيم فغذا، ولله الحمد والفضل، داعيةً مربياً عالماً، ساعياً في الخير، رشيداً في الدعوة والتربية والعمل الصالح والفكر الهادف.

  • * *
    كان الفتى نزيه حريصاً على تلبية طلبي أن نلتقي وبعض إخوانه الفتيان مثله، في صلاة الفجر في احد المساجد أو في مركز الدعوة.. وكذا في إحياء ليالٍ بالصلاة والدعاء ومدارسة القرآن في مسجد طينال. أذكر انني حرصت في احدى تلك الليالي التهجدية أن التقي كل فرد من أفراد المجموعة على حدى، في غرفة ملحقة بجامع طينال، على يسار الداخل إلى الحرم، حيث المحراب. وكان في الغرفة قبر لأحد الصالحين، وبه ترافقت العظة بالموت مع إرادة الحياة، لينضج المسار الدعوى مع بذل الجهد في تربية النفوس فيتأكدان ويستمران أبداً. ذلك أن الحياة مهما طالت دربٌ يختم بالموت، مهما تراكمت معه السنون وصدق الله القائل (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) آل عمران:185.
    كان رحمه الله من أركان (المجموعة) التي شرفني المولى  بتدريسها الإسلام الحنيف وتربيتها على أخلاقه وآدابه حتى غدا فقيدنا، ولله الحمد، كما عددٌ من أفراد أسرته الدعوية ــ واعياً مدركاً، فهم الإسلام كما فهم الحاضر المر وكيفيات التعامل معه بحذر وبخطى ثابتة، على ضوء منظور إسلامي رشيد.. هكذا، ولله الحمد، كان نزيه (رحمه الله) نزيهاً في الفهم والحركة، أديباً في الدعوة والتربية، واعياً لمشكلات العمل الدعوي والمجتمعي والتربوي والخيري، كما كان بحق من أوائل الذين عملوا في ميدان التربية والتعليم ضمن مدارس الإيمان التي أقامتها جمعية التربية الإسلامية وكان هو أحد أبرز قادتها التربويين، مشاركاً مع أخيه الأستاذ أحمد خالد حفظه الله، وقد نشآ معاً، وكادا لا يفترقان، فكانا في عالم التربية والتعليم مع أبرز مؤسسي مدارس الإيمان عنيت الشيخين الأخوين فيصل مولوي ومحمد رشيد ميقاتي رحمهما الله تعالى.
    لم يزد فقيدنا نزيه العمل التربوي المدرسي إلا عطاءً في حب التدريس والتوجيه فنقل تجربة العمل (الأسري) الدعوي إلى ميدان العمل التربوي المدرسي. وهكذا كان الفهم كبيراً مؤكداً بين أركان المجموعة التربوية الأولى في مدارس الإيمان فتخرجت الأجيال الأولى بكثير من التوجيه والتربية والتعليم وصاروا والحمد لله نماذج ناجحة في الحياة العامة.
    لم يتوان فقيدُنا (نزيه) رحمه الله أيضاً عن القيام بدوره التربوي والتوجيهي العام فراح يكتب في زاوية أسبوعية في مجلة أو جريدة «المجتمع» ثم «الأمان» وكذا «الضياء» فغدت كتاباته بحق أثراً طيباً في التوجيه والترشيد، حريٌّ أن تُجْمَعَ وتصدر في كتاب تخليداً لذكراه، وهو ما نأمل أن تبادر إليه إدارة مجلة «الأمان» خاصة.
  • * *
    إنْ ذكرنا الأخ الداعية نزيه، رحمه الله، بما أسلفنا فلن ننساه أبداً وهو يضع بصماته الطيبة في عمل (الإنقاذ الإسلامية) وبيت الزكاة فقد كان رحمه الله من أبرز الأعضاء عملاً وفهماً ووعياً. أذكرُ عندما كلفته بكتابةِ تعريفٍ بفريضة الزكاة وشرحها والدعوة إليها تهيَّب الأمر أولاً إلا انه، والحمد لله، صدَق الله فأصدقه فكتبَ شروحاتٍ طيبةً عن فريضة الزكاة وأثرها في المجتمع المسلم الحديث. وقد كانت تلك الفريضة ــ مع الأسف الشديد ــ أشبهَ بالغائبة أو المجهولة عند كثير من المسلمين فتنبهوا إليها.
    راحت الفريضة الزكوية تأخذ أبعادها في الذاكرة المجتمعية وفي التطبيق والإخراج. وهكذا كان فقيدُنا رحمه الله احد روادها ودعاتها والعاملين فيها وعليها في مجتمع طرابلس منذ أول من رمضان 1404 هـ = 31/5/1984 وما تبعه من تطورات وأعمال في القرن الواحد والعشرين الحالي إلى إن يقضي الله امرأ كان مفعولا.
    وأقول: إن الأخ الأستاذ نزيه لم يغب عن أي اجتماعات للجنة التنفيذية للإنقاذ أو الهيئة العليا للزكاة أو عن اللجنة الشرعية فيهما فقد كان رحمه الله حريصاً على الحضور والمشاركة الفاعلة، فهو يدركُ أنَّ العملَ في التعريف بالزكاة ونشره أو تنظيم توزيعها عملاً تعبدياً رائداً. كيف إذا رافقت الزكاةَ، أيضاً، سنَّةُ الخيرات والتوسعةُ على ناسها المستحقين؟؟
  • * *
    لله الأمر من قبل ومن بعد، كتب الله على (نزيهنا) تجربة صعبة في ابتلاء شديد في عشر سنوات أخيرة من حياته إلا اني أراه قد نجح في ذلك الامتحان العسير فكشف الله عنه الغمة ودعاه إليه طاهراً مبرءاً من كل عيب وخطيئة، أسكنه الله فسيح جناته وجمعنا به في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
  • * *
    جوانبٌ مضيئة في حياة فقيدنا نزيه مطرجي يعجز (الرثاء) عن تدوينها كاملة. فحسبُه، رحمه الله، أنه شاب نشأ في طاعة الله وعمل في ميدان التربية والتعليم والدعوة إلى الله والزكاة، ربَّى أجيالاً تعرفت على الله، وسجَّلَ نقاطاً بارزةً في السجل الإسلامي الخالد، فبات هو نفسه والحمد لله منارةً من منارات الهداية والتربية في الماضي والحاضر والمستقبل إن شاء الله ولم لا؟؟.
    رحماتُ ربي عليه وجعل قبرَه روضةً من رياض الجنة، يجمعنا به في دارِ الخلود كما جمعنا في الدار العاجلة وباركَ في أهله وولده وذريته والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى