المقالات

أسباب اللجوء إلى جنيف2 بقلم: فراس فضل حمزة

سنتان ونصف تقريباً على بدء الثورة السورية التي سرعان ما تحولت إلى أزمة، وليست أزمة سورية فحسب بل أزمة عالمية لما لها من تداعيات مباشرة وغير مباشرة على إستقرار وأمن الكثير من الدول القريبة والبعيدة، وهنا المقصود بالإستقرار والأمن على كافة الأصعدة وليس فقط على الأمن العسكري بحد ذاته، فاليوم الجميع بات مقتنعاً بأن تلك الأزمة من الصعب جداً – إن لم نقل من المستحيل – حلها عسكرياً، كثير من الدول التي لها مصالح في بقاء النظام و تلك التي لها مصلحة في رحيله قد ساهمت في المعارك العسكرية التي شهدتها الأراضي السورية، منها من ساهم بشكل مباشر ومنها بشكل غير مباشر ولكن الجميع إنتهى إلى خلاصة مفادها أنه لا حل عسكري من شأنه الحسم الجذري بل يجب اللجوء إلى الحل السياسي.
هذه الخلاصة هي الحجر الأساس لمؤتمر جنيف2 الذي سيعقد في حزيران المقبل، ولكن يبقى في الحوارات الضيقة لكل طرف أو دولة أسبابه الخاصة التي تدفعه للسعي من أجل إنجاح هذا المؤتمر والعبور من خلاله إلى حل سياسي جذري في سوريا يكون ضامن للمصالح الخارجية جميعها.
فتركيا المجاورة لسوريا هي أكثر دولة يبدو الخوف جلياً على وجهها   – وإن لم تصرح به في العلن – من إنتقال الأزمة إليها وذلك لأسباب تعود بالدرجة الأولى إلى الخلافات العميقة بين الحكومة التركية وبشار الأسد، فقد رأت الدولة التركية إلى الإسراع في عملية الحل لإنهاء مخاطر تكرار تفجيري الريحانية وتوقف اللاجئين.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فأسباب سعيها وراء مؤتمر جنيف مختلفة تماماً في مضمونها عن الأسباب التي دفعت تركيا إلى ذلك، فإن أميركا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا أصبحوا يعيشون في هاجس نابع عن تجارب عدة في العراق وأفغانستان هو هاجس ما يسمونه القوى الأصولية التي أثبتت للغرب أنها عندما تصل إلى هدفها بمؤازرة من الغربيين يصبح من الصعب أن تبقى تحت سيطرتهم وهذه القوى تنضوي في سوريا تحت شعار جبهة النصرة والتي تلقى الدعم المباشر من قطر والسعودية وتركيا التي غيرت في مواقفها تجاه هذا الأمر وأعلنت التخلي عن دعم جبهة النصرة وغيرها من القوى الإسلامية المتطرفة.
هكذا أصبح هناك تقارب في وجهات النظر التركية الأمريكية والتي توحدت حول كلمة واحدة وهي الحل السياسي في سوريا ولكن لأمريكا أسبابها الخاصة أيضاً، وهي حماية مصالحها الإقتصادية الداخلية الناتجة من أموال الإستثمارات الإسرائيلية فطالما أن إسرائيل وسوريا أعداء في العلن وحلفاء في السر فما على أمريكا إلا أن تسعى وراء حماية أصدقائها ويذكر هنا أن إسرائيل قد سمحت  مؤخراً للجيش السورى بالتوغل داخل عدد من المناطق المُحرمة والمنزوعة السلاح بين سورية وإسرائيل على حدود الجولان، والتي لم تقترب منها القوات العسكرية السورية مرة واحدة منذ عام 1973، وذلك لقمع المُعارضين والمُتظاهرين ضد النظام السوري من أبناء درعا وريفها ، وكان من الواضح أن الثناء الإعلامى الإسرائيلى على نظام بشار الأسد هو تعضيد لسياسته القمعية ضد الثوار، حيث أبدت واحدة من الصُحف الإسرائيلية قلق حكومة إسرائيل وخوفها من احتمال سقوط نظام بشار الأسد، وذهبت إلى أبعد من ذلك بقولها إن معظم أبناء الشعب الإسرائيلي يصلون من كل قلوبهم لله بأن يحفظ النظام السوري الحالي تحت قيادة رئيسه بشار.أما عن روسيا والصين وإيران فهم الحلفاء الدائمين للأسد وطبعاً تحالفهم ليس إعتباطياً بل كان قبل الثورة وجاءت تلك الأخيرة لتثبت للجميع مدى إمكانية هذا الحلف على الصمود في وجه كل ما يتعرض له، ولكن أيضاً هذا الفريق بات مقتنعاً كل الإقتناع بالحل السياسي. أما المطب الوحيد الذي ستتولى إزالته أمريكا هو المطب الخليجي الذي تمثله قطر والسعودية والمباحثات جارية على قدم وساق من قبل السفارات الغربية الكبرى بالتعاون مع بعض السفارات الآسيوية ليس فقط لإقناع الخليج بدعم مؤتمر جنيف بل ولإقناعهم أيضاً بالقبول بمشاركة إيران.
إذاً من كانوا أخصاماً بالأمس وفي العلن سيجلسون على طاولة واحدة ليبحثوا في كيفية الوصول للحل السياسي في سوريا، وما سيشهده المؤتمر ينضوي على أمرين : أما الأول فهو بقاء بشار الأسد أو رحيله والثاني كيفية إقناع الرأي العام بهذا الحل سواء آلت الأمور إلى بقاء الأسد أو رحيله فكلا الحليين سيواجهان رفض قاطع من الرأي العام السوري نظراً للإنقسام الحاد بين موالاة ومعارضة للنظام وما تبقى من تفاصيل لا يمكن إستنباطها الآن والأيام القليلة المقبلة ستوضح الكثير من التساؤلات التي تدور في فلك المراقبين والمحللين للوضع السوري، وعلى رأس هذه التساؤلات أنه كيف سيتلقى لبنان هذه التسوية بعدما أثبت فشله الذريع في سياسية النأي بالنفس وبعدما نشأ إنقسام عامودي ربما كان الأكثر حدة في لبنان منذ زمن وهو الإنقسام بين موال للأسد ومعارض له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى