ثقافة

ورشة تفكير ونقاش:”إشكالية كتابة تاريخ مُوحّد للبنان”
إعداد: د. مصطفى الحلوة

في مقاربة قضايا إشكالية، ذات راهنيّة، نظّم “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية” ورشة تفكير ونقاش، يَومَي 22 و 23 تموز 2022، بالتعاون مع مؤسسة Hanns Seidel الألمانية، وذلك في جبيل القاعة 1188 للمحاضرات، وقد جاءت الورشة بعنوان:” إشكالية كتابة تاريخ موحّد للبنان”.
في الجلسة الافتتاحية، التي مهّد لها د. مصطفى الحلوة وأدارها، كانت كلمة لرئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره، رحّب فيها بالحضور، لا سيما الطلبة الجامعيين، وتوقّف عند أهمية الموضوع المطروح، الذي يُشكِّل واحدًا من عناوين أزماتنا البنيوية في لبنان. كما كانت كلمة للسيدة عُلا الشريدة، مسؤولة المشاريع في مؤسسة ” هانس زايدل” في كلّ من الأردن ولبنان وسوريا، وقد ثمّنت أعمال الورشة، وتمنّت النجاح للمشاركين. وأعقب ذلك كلمة مُنسّق الورشة العميد البروفسور كميل حبيب، الذي أضاء على خلفيات عقدها، ولجهة محاورها والانتظارات.
تلت الجلسة الافتتاحية ستّ جلسات عمل، قاربت العناوين الآتية: الإشكالية الكبرى: توحيد الكتاب أم المنهج؟ / لبنان التعدّدية: هل يتناسب الواقع اللبناني مع كتاب تاريخ موحّد؟/ كتاب التاريخ الموحّد: بين الميتولوجيا والواقع/ إشكالية كتاب التاريخ المدرسي/ المحاولات المتكرّرة لإنتاج كتاب تاريخ موحّد للبنان/ كتاب تاريخ موحّد: العوائق والحلول.
وقد شارك عشرة مداخلين في الورشة، من أبرز المشتغلين في علم التاريخ والعلوم السياسية، إلى أكاديميين تربويين، وهم : العمداء في الجامعة اللبنانية د. كميل حبيب، ود. أحمد رياح، ود. عبد الرؤوف سنّو. إضافة إلى المؤرخ د. مسعود ضاهر، د. سيمون عبد المسيح، د. جمال واكيم، د. مروان أبي فاضل، د. أمين الياس، د. ليليان زيدان ود. حُسام محيى الدين.
ولقد تميّزت الورشة بحضور طالبي كثيف، من الجامعة اللبنانية، جاء غالبيتهم من عكار، كما من مناطق لبنانية أخرى. وفي نهاية الورشة سلّمت السيدة عُلا الشريدة شهادات حضور ومشاركة للطلبة. وعن البيان الختامي، فقد تضمّن المحاور الآتية:
أولاً- في تطارح أسئلة/ هواجس تُطِلُّ على الإشكالية
• هل ثمة فلسفة واضحة لعلم التاريخ في لبنان، تُبنى على أساسها، ووفق منطلقاتها، كتابةُ تاريخ هذا البلد؟
• هل أزمة كتابة تاريخ موحّد للبنان هي أزمة أكاديمية صرفة، أم هي أزمةٌ محكومة بجدل التاريخي/ الإيديولوجي، بما يجعلها مُعضلة سياسية خلافية بامتياز؟
• كيف لنظام سياسي، هو نفسُهُ مُنتَجٌ طائفي، أن يكون قادرًا أو مؤهّلاً على حلّ إشكالية كتابة تاريخ موحّد للبنان، وإنتاج كتاب تاريخ مدرسي موحّد، “خارج القيد الطائفي”، على حدّ قول المؤرخ مسعود ضاهر؟
• هل يُوفِّر الواقع اللبناني، بكل تعقيداته، فُرصةً لكتابة تاريخ موحّد؟ بل كيف لمجتمعٍ مُتشظٍ هُويّاتيًا أن يخلص إلى كتاب تاريخ مدرسي موحّد؟
• هل صحيحٌ، حسبما يذهب البعض، أن تطرُّق “وثيقة الوفاق الوطني اللبناني” (1989) إلى قضية كتاب التاريخ، جعل من إشكالية تاريخ لبنان مادة للتسييس، أم شرّع أحد الأبواب أمام تعزيز اللُحمة الوطنية والعيش المشترك؟
• هل ستبقى اليدُ العُليا والقولُ الفصل لممثّلي المرجعيات السياسية الحزبية والطائفية في اللجان المكلّفة كتابة تاريخ موحدٌ للبنان، مع تهميشٍ لدور المؤرخين الموثوقين في علم التاريخ والتربويين في علم المناهج؟
• ما هي الاتجاهات التي سلكها المؤرخّون اللبنانيون، في كتابة تاريخ لبنان؟ هل استلّوا من مراجع مُنتقاة ما يوافق أهواءهم، فكانت عملية توظيف مُغرقة في لاموضوعيتها، أم وفق حقائق التاريخ والجغرافيا؟
• ما هو منسوب الإيديولوجيا في السلاسل المعتمدة لكتاب التاريخ المدرسي، التي يجري تدريسها في مختلف مؤسسات التعليم، لا سيما الخاص منها؟
• هل ينبغي تحميل منهج التاريخ وكتاب التاريخ مسؤولية “تاريخية”، عمّا وصلت إليه البلاد من أوضاع كارثية ، على جميع الصُعد؟ وبالمقابل، هل كان لكتاب ذي بُعدٍ وطني أن يمنع الوصول إلى هذه الحالة الكارثية ؟ واستطرادًا ، هل بمقدور المؤرخين التأسيس لمصالحة “تاريخية” بين مكوّنات الاجتماع اللبناني ؟
• في كتابة التاريخ اللبناني ، ما هي حدود العلاقة بين المؤرخ والأركيولوجي ، لا سيما أن التاريخ لا ينبني فقط على مستندات ورقية ووثائق ومرويّات شفاهية موثوقة ، بل ينبني أيضاً على كتابات تحفظها الحجارة وجدران الأوابد والمعابد ، وكل ما يمكن اختزانه على وجه الأرض وفي باطنها ؟
• هل ينبغي الاقتصار على أخذ العبر مما شهده لبنان من أحداث، في العقدين الأخيرين ، وعدم التطرق إلى خلفياتها وتبيان ما خلّفته لجهة تشظّي الاجتماع اللبناني ، ناهيك عن تدمير الاقتصاد ، وحالة الإنهيار المُريع التي بلغتها البلاد ؟
• هل صحيح أن البلد الذي ليس لديه ميتولوجيا ، يدخل في حالة من “الصقيع” ؟ وهل ثمة حاجة لبناء ميتولوجيا لبنانية لكتابة تاريخ لبنان ، على غرار ما كان قد تمّ الاشتغال عليه في “الندوة اللبنانية” ، خمسينيات القرن الماضي ؟
• في تعزيز الهوية الوطنية ، في كتاب التاريخ لدينا ، لماذا لا يكون استيحاء من التجربة الفرنسية ، في هذا المجال ، حيثُ يُعمل ، منذ ثمانينيات القرن الماضي ، على إعادة صياغة كتاب التاريخ وطرائق التدريس ؟
ثانياً – في مرتكزات الإشكالية والرؤى :

  • علم التاريخ هو في عِداد العلوم الاجتماعية ، التي لا تختصّ بدراسة ماضي البشر فحسب ، بل تنكبُّ أيضاً على الحاضر والمستقبل . ويهدف هذا العلم إلى بناء وعي المواطن للتاريخ وجعله أكثر ارتباطًا بالقضايا الوطنية والاجتماعية والإنسانية .
  • تدريس مادة التاريخ ، عبر المؤسسة التعليمية (المدرسة والجامعة) هدفُهُ التأسيس للتكوين الفكري والوطني لدى المتعلِّم، وتنمية ذكائه الاجتماعي وحسِّهِ النقدي ، وتزويده بالأدوات المعرفية والمنهجية ، لإدراك أهمية الماضي في فهم الحاضر والتطلّع إلى المستقبل .
  • كتابة التاريخ عمل معرفي بامتياز ، يفترض تسلُّح المؤرخين بمعرفة تاريخية واسعة ، والتحلّي بالموضوعية ، والبعد عن الأهواء الذاتية ، والشهادة للحقيقة .
  • وظيفة التاريخ ، كعلم ، تعاطي الأحداث التاريخية ، بروح نقدية ، تُنمّي عند المواطن ، لاسيما الطالب ، كيفية حماية الوطن من تكرار التجارب المأساوية .
  • قضية تاريخ موحّد للبنان ، شكّلت واحدةً من القضايا الأساسية، التي توقفت عندها “وثيقة الوفاق الوطني اللبناني ” ، إذ أوصت بـ “توحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية ” ، لدى كلامها على “إعادة النظر في المناهج التعليمية وتطويرها ” . هذه التوصية ، بما يخصّ كتاب التاريخ ، بقيت حبرًا على ورق ، منذ إطلاق الوثيقة في العام 1989 ، وحتى تاريخ اليوم.
  • إن المجتمع اللبناني، المنقسم على ذاته والمفعم بالتعبئة الإيديولوجية والانغلاق وتضخيم الخصوصيات الطائفية والمذهبية ، لن يُقدَّر له كتابة تاريخ موحّد ، لا منهجًا ولا كتاباً مدرسياً .
  • طبيعة النظام السياسي اللبناني الطوائفي لا تفضي إلى إنتاج كتاب مدرسي موحّد للتاريخ ، على رغم المحاولات العديدة ، التي بدأت عبر تشكيل لجان مُتخصصة ، شارك فيها أساتذة ومؤرخون كبار .
  • الاتفاق على أيّ لبنان نُريد؟ وعلى أي هوية تجمع اللبنانيين هما المدخلان الأساسيان المفضيان لوضع منهج موحّد لتاريخ لبنان .
  • تاريخ لبنان ، بل استئناف كتابة تاريخه ، توقّفت عقاربه في العام 1946 ، تاريخ جلاء الجيوش الفرنسية عن البلاد .
  • الذرائع ، التي تحول دون كتابة تاريخ موحّد للبنان ، تُعزى إلى أن استدخال أيّ حدث خلافي من الأحداث التي جرت بدءًا من العام 1946 وحتى اليوم ، كفيلٌ بجرّ البلاد إلى حرب أهلية .
  • لكل طائفة دينية ، ولكل فريق سياسي سرديّةٌ خاصة ، حول تاريخ لبنان ومُجريات أحداثه ، وحول رموزه وأبطاله وشهدائه. بل إن الأفرقاء اللبنانيين ، بغالبيتهم ، لا يتورّعون عن توسُّل سردياتهم ، كمادة للتجييش ضد بعضهم البعض وللتعبئة الإيديولوجية .
  • الذاكرة التاريخية لم تُشكِّل يومًا عند اللبنانيين وحدة مجتمعية ، بل نُظِرَ إليها من منظار انتمائهم الطائفي والمذهبي والعقدي والمناطقي . فالمفهوم المواطني وبناء الدولة غَدَوَا وجهة نظر عند اللبنانيين . وكذا الأمر فيما يعود إلى العديد من القضايا الخلافية ، وفي عدادها الدستور ، وهو القانون الأسمى!
  • المنظومة الحاكمة غير مُتحمِّسة ، لا ماضيًا ولا حاضرًا ، لاعتماد قراءة تاريخية موحّدة للبنان ، كونها تتغذّى على الانقسامات الطائفية، التي تحمي مكاسبها ومكاسب الدائرين في فلكها .
  • بعد مرور ثلاثة عقود على إصدار المناهج التعليمية الجديدة، لم ينجح لبنان في وضع أو إنتاج كتاب مدرسي لمادة التاريخ، ومازال معمولاً بالمنهج العائد للعام 1968 ، مع تعديلاتٍ طفيفة ، طرأت عليه في العام 2000 .
  • بدءًا من مطلع العقد الأول ، من القرن الثاني ، ولغاية العام 2017 ، جرت عدة محاولات لكتابة تاريخ موحّد للبنان، أولاها في العام 2000 ، وآخرها في العام 2017 . وقد كانت أربع لجان تأليف للكتاب المدرسي مُتعاقبة . كل أولئك لم يُفضِ إلى تحقيق الهدف المزدوج : لا منهجًا موحّدًا لكتابة تاريخ لبنان ، ولا كتابًا مدرسيًّا موحّدًا .
  • لجان تأليف كتاب التاريخ المدرسي ، تشكّلت بمعظم أعضائها من حزبيّين وعددٍ قليل من المستقلين ، وقد توهّم بعض وزراء التربية أن وجود الحزبيين يُسهِّل “تمرير” مشروع الكتاب في مجلس الوزراء ، (المتطيِّف والمتمذهب) !
  • العديد من المؤرّخين في لبنان وقفوا وراء طوائفهم ، والتزموا توجّهاتها. وهذا ما أدّى إلى تعدُّد القراءات ، بما يخصّ تاريخ لبنان .
  • الأزمة – الأم ، التي تُواجه اللبنانيين ، لدى مقاربتهم أية قضية إشكالية- في عِدادها كتابة تاريخ موحّد للبنان – تنطلق من التحدّيات الآتية :
  • أيّ لبنان نُريد ؟ وأيَّ موقع له نرتجي ؟ وإلى أي دور للبنان نتطلّع ؟
  • أزمة كتاب التاريخ المدرسي ، التي دخلت مرحلة التجاذب السياسي والطائفي بات حلُّها صعبًا ، جرّاء تقاطع مصالح عدة قوى محلية، داخل السلطة وخارجها. وأبرز تلك القوى المؤسسات التربوية الطائفية، التي ترتاح لتدريس تاريخ طوائفها على هواها. كما أن دور النشر، المحلية والأجنبية، تجني أرباحًا طائلة من بيع كتاب التاريخ المدرسي.
  • التدريس ، غير المنضبط لمادة التاريخ، لا سيما في المدارس الخاصة، أدّى إلى سوء مُقاربة الحقائق التاريخية، وليغدو التاريخ وسيلةً لبناء ولاءات سياسية، لا تعترف بوطن،يقوم على الشراكة.
  • إن ترك الحبل على غاربِهِ، بما يعود للطوائف التي تُدرّس في كتب التاريخ خاصَّتها، سيزيد من مخاطر المسألة الطائفية ومنعكساتها المدمّرة على المجتمع اللبناني، ومن ارتفاع منسوب الكراهية والعداء بين اللبنانيين.
  • لبنان بعيد عن الحداثة في كتابة تاريخه، وكأن تاريخه هو تاريخ المآسي. فهو لا يُعير أهميةً للقضايا التربوية، ولا يستهدف تعزيز المواطنة.
  • الطبقة الوسطى المتنوّرة هي المخوّلة، بل القادرة على وضع سرديّة تاريخية مغايرة للسرديات الطائفية السائدة، التي تعمل الطبقة الرأسمالية على تغذيتها، ذلك أن مصالحها تكمنُ في تشظّي المجتمع اللبناني.
  • عدم كتابة تاريخ موحّد للبنان هو بمنزلة حرب على الذاكرة اللبنانية الجمعية، وتعزيز للنسيان، وتنمية الخوف من الماضي وكبح التطلُّع إلى المستقبل.
    ثالثًا- في التوصيات/ المقترحات
    1- يجب الوصول إلى كتابة نص تاريخي علمي، يُؤسِّس لثقافة تاريخية، ويُوحِّد المجتمع اللبناني” خارج القيد الطائفي”.
    2- يجب الإصرار على كتابة تاريخ لبنان بعيدًا من الأدلجة (بمعناها السلبي)، التي شوّهت الكتابة العلمية، مُغيِّبةً الوثائق الأساسية، أو انتقت منها، بُغية تضخيم صورة الذات الطائفية، وأغفلت عمدًا الدراسات الرصينة، التي حذّرت من مخاطر الصيغة الطائفية، كركيزة للنظام السياسي في لبنان.
    3- لتطوير مناهج التاريخ لدينا وعصرنتها، يجب أن تُستدخل إلى المادة التاريخية موضوعات ثقافية وانتروبولوجية، واقتصادية، اشتغل عليها مؤرخون لبنانيون جادّون ورحالة أوروبيون. وفي هذا المجال نستعيد نداءً لواحد من كبار رجالات لبنان الراحل غسان تويني:” متى نكتبُ تاريخ لبنان الثقافي؟!”.
    4- بعد مائة عام على لبنان الكبير، من الأهمية بمكان قراءة دور الأفراد، الذين كانت لهم بصماتٌ بيض، في صُنع عصر لبنان الذهبي، من مفكّرين وكُتّاب وشعراء وفنانين وعسكريين(..) من هنا لا بد من التأريخ للتراث الشعبي، وللشعر والزجل، والموسيقى، والتعليم العالي، ونضال المرأة اللبنانية، وللمبدعين في الاغتراب اللبناني،وللحياة اليومية الهانئة (..).
    5- في هذا المجال، لا بُدَّ أن نُصغي إلى الفيلسوف الفرنسي فولتير (1694- 1788)، إذْ يقول:” ليس هدفي هو التاريخ السياسي، بل تاريخ الحضارة وتاريخ العقل الإنساني. وإنِّي لأؤثرُ إبداعات موليير وراسين وديكارت، على سبيل المثال، على كل المعارك الحربية للويس الرابع عشر(..)فلم يبقَ من هؤلاء، قادة الجيوش والأساطير اليوم، إلا أسماؤهم(..) أما رجال التاريخ العظماء، فقد انتفع واستفاد ويستفيد منهم البشر، منذ زمنهم لغاية اليوم”.
    6- في كتابة تاريخ علمي للبنان، يجب الاستناد إلى وثائق ذات صدقية، مُستبعدين المرويّات، التي يُدلى بها، وفق منظور رُواتها، مُتعدِّدي المشارب المناطقية والطائفية والسياسية.
    7- بما يخصُّ كتاب التاريخ المدرسي العتيد، يجب وضع مستندات (من مصادرها الأصلية) ونصوص، لا يرقى إليها الشك، بحوزة الطالب، تتناسب مع عمره وقدراته المعرفية، فيعمد إلى تحليلها ومناقشتها، إثر تدريب عليها.
    8- ينبغي عدم الدمج بين المنهج الموحّد للتاريخ وبين كتاب التاريخ المدرسي الموحّد. علمًا أن الدستور اللبناني نصّ على حرية التعليم وحرية التعبير والنشر. ومن المعلوم أن وزارة التربية، خلال تاريخها المديد، لم تفرض على المدارس اعتماد كتاب موحّد، باستثناء كتاب التنشئة الوطنية.
    9- يجب عدم الخلط بين كتاب التاريخ المدرسي وكتب التاريخ عامةً، فالكتاب المدرسي لا يمكن تحميله الشيء الكثير من المادة التاريخية، وذلك بعكس كتب التاريخ أو المؤلفات التاريخية، فهي تقتضي قدرًا معرفيًا تاريخيًا واسعًا، والدخول في التفاصيل.
    10- استكمالاً لما سبق، فإن كتاب التاريخ المدرسي يجب وضعه بلغة مُبسّطة، وإيراد مُعطياتٍ تتناسب مع المرحلة الدراسية( مرحلة التعليم الأساسي- المرحلة الثانوية)، كما وسنّ الطالب.
    11- حول كتابة تاريخ موحّد للبنان، ينبغي الربط بين المدرسة والجامعة لتطوير مستديم للمناهج، وتحسين أداء المعلمين، بحيث تُصبح مادة التاريخ قادرةً على نقل أخبار الماضي، وفق أساليب حديثة، تُنمِّي قدرات الطالب وتُتيح له إمكانية النقد والتحليل الموضوعيين.
    12- إن الواجب الوطني يفرض دراسة تاريخ لبنان، في صفحاتِهِ المضيئة والمظلمة، إذْ لا يجوز إهمال دراسة الفتن الأهلية، بتصويرها على أنها مجرّد مؤامرات خارجية. بل ينبغي تحليل أسبابها الداخلية والخارجية، مع استقاء العِبر منها.
    13- ينبغي التفكُّر في وصية الباحث كمال الصليبي، لدى وضعه كتاب “تاريخ لبنان الحديث”، إذْ يقول:” حاولتُ في معالجتي موضوع الكتاب أن أروي واقع التاريخ من دون تبرير أو إدانة. كما حاولتُ أن لا أستخلص من الأحداث عبرةً، خدمةً للحقيقة”.
    14- العمل على خلق هُويّة لبنانية، من خلال التركيز على القيم الحضارية، التي أسهمت في إنتاجها المجموعات اللبنانية المختلفة، من دون أن يُحسب التطور الحضاري لأيّ منها منفردة، حتى لا تسود فكرة الزهو والتعالي والكمال المطلق، لدى أيّ من هذه المجموعات.
    15- في كتابة تاريخ موحد للبنان، منهجًا وكتابًا، يجب استلهام المبادئ والمرتكزات، التي تقوم عليها مدارس التاريخ الحديثة:من المدرسة الإنسانوية (محورها الإنسان)، والمدرسة العقلانية (رفعت من شأن العقل)، والمدرسة الماركسية (إسناد دور هام للعامل الاقتصادي)، مع اعتماد المقاربة البنائية، والبنائية الاجتماعية.
    16- استكمالاً ، يجب الانزياح عن مركزية “الأنا”، واعتماد الطريقة النقدية، في معالجة المصادر. ناهيك عن الحاجة إلى اختصاصيين في علم المناهج، الذين لهم أولوية، في هذه المهمة، ثم يأتي دور المؤرّخين.
    17- العمل على إبراز تاريخ المناطق اللبنانية، خارج نطاق المركز (بيروت وجبل لبنان)، وعلى أن يكون ذلك من منطلق وحدة الأراضي اللبنانية.
    18- لحلّ القضايا الخلافيَّة، بما يخصّ تاريخ لبنان، على المؤرخين المتخصّصين في وضع المناهج أن يكونوا مقتنعين بأن اللبنانيين يُشكّلون شعبًا واحدًا، مُتعدّد الطوائف، وأن الأرض اللبنانية ساهمت في بلورة الهويّة اللبنانية الجامعة، من خلال تفاعل طبيعي بين التاريخ والجغرافيا.
    19- يجب تعاطي كتابة تاريخ موحّد للبنان، عبر رؤيا غير مؤدلجة- الأدلجة بمعناها السلبي- مع التشديد على ربط التاريخ وتدريسه بالمواطنة والتربية عليها.
    20- على رُغم تعدّدية الاجتماع اللبناني، فإن كتابة تاريخ موحّد للبنان يجب أن تنحُوَ إلى إعلاء الهوية الوطنية على سائر الهويات الجزئية.
    21- ينبغي خروج اللبنانيين من عُقدهم التاريخية، بُغية بناء هوية وطنية، لا سيما أن هذه الهوية هي جزء من الحداثة.
    22- يجب أن تشمل المادة التاريخية مجمل الظواهر والإنجازات الحضارية للمجتمعات البشرية، عبر تجلّياتها السياسية والإدارية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك من منطلق أن الكتابة التاريخية تؤدّي دورًا أساسيًّا، في عملية التواصل بين الأجيال، والإفادة من دروس الماضي لبناء مستقبل أفضل.
    23- في سبيل الوصول إلى كتابة منهج تاريخ موحّد للبنان، يجب الاستناد إلى معايير وطنية خالصة، من قبل “لجنة وطنية”، من كبار المشتغلين بعلم التاريخ المشهود لهم موضوعيتهم ووطنيتهم، وعلى أن تترك حرية التأليف، وفق المنهج الموضوع، وبإشراف من قبل الدولة (المركز التربوي للبحوث والإنماء).
    24- حان الوقت للانتقال من صراع “القبائل” الطائفية إلى حضن دولة المواطنة، التي تُعزِّز مكانة الفرد في الدستور، كما في الحياة العامة.
    25- الدعوة إلى قراءة تاريخية لمساوئ الفكر الطائفي، الذي هدّدَ ويهدّد وجود الوطن اللبناني، عبورًا إلى قيام جيل علماني وطني، بإمكانه رسم مصلحة لبنان العليا، بجرأة وحكمة.
    26- على الطوائف اللبنانية أن تعي أن المناعة الذاتية لكل منها لا تسمح بوجود منتصر ومهزوم، على أرض واحدة. فالتأريخ لأي انتصار ولأي مكوّن يبقى ظرفيًا، في بلد الرمال المتحركة.
    27- على اللبنانيين، حالَ أرادوا العيش بسلام وتعاون، الاتفاق على نظرة مشتركة إلى ماضيهم، أي إلى تاريخهم، والعمل على تنقية سرديّاتهم من الشوائب التي تعتورها.
    28- في كتابة تاريخ للبنان، ينبغي إعادة النظر في مفهوم “أنا والآخر”، إذْ يجب الذهاب إلى مفهوم بديل، يتمثّل في مقولة: نحن/ هم وهم/ نحن، في إطار سويَّة واحدة.
    29- دعوة اللبنانيين إلى تنكُّب القضيّة، التي قاربنا ، أي حلّ إشكالية كتابة تاريخ موحّد للبنان، عبر برنامج عمل، يتضمّن سلسلةً من ورش العمل والندوات ومختلف الفعاليات، في الإطارين التنظيري والعملاني، وبجعل هذه القضية قضية رأي عام وطني واسع. مع التنويه بأن “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية” مؤهّل لقيادة هذا الدور، بعد أن أثبت حضوره الفاعل على الساحتين اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى