المقالات

من القصور إلى القبور – بقلم: حسين جمعة

دون مقاومة…!،وجدوهُ مختبئاً في بئر، في إحدى مزارع تكريت،حتى مسدسه الذي كان يتباهى به أمام شعبه ومجلس وزرائه, لم يستخدمْهُ في الدفاع عن نفسه ،  كي  يموت ميتة الأبطال ، وبالتالي يبقى أسطورة القائد الخالد في ذهن الكثيرين من محبيه على الأقل…!.
أجل,في الثامنة من  مساء يوم 2003/12/13 تمَّ القبض على الرئيس صدام حسين الرئيس السابق للعراق,حيث استطاعت  القوات الأميركية المحتلة بقيادة ريكاردو سانشيز، والسفير بول بريمر الحاكم المدني للعراق آنذاك , من بث صور الرئيس العربي صدام حسين الذي وقف بتواضع وأدب شديدين أمام الجنود الغازين وهم يفتشون عن القمل في شعر رأس بطل القادسية!!!. عفواً…، وهم يفتشون عن أسلحة الدمار الشامل في شعر رأس من كانت ترتعش لطلته كل الجزيرة العربية من رؤساء وملوك وأمراء..!.

حينها ,بدأت المطالبة بمحاكمةٍ علنية وعادلة للرئيس المسالم والمعتقل صدام حسين كما هو الحال اليوم مع الرئيس حسني مبارك,”ووراء الأكمة ما وراءها”,وهي محاكمة وإذلال الأمة العربية جمعاء,وما إعدام الرئيس صدام حسين صبيحة عيد الأضحى حين كانت تكبيرات صلاة العيد تتردد من  فوق المآذن وسط الظلام والبرد في بغداد ، إلا حلقة من حلقات هذا المسلسل المشين الذي تعيشه الأمة العربية منذ عقود من الزمن…!.
جرت العادة ، ومن خلال إحياء ذكرى سيدنا إبراهيم عليه السلام(إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)  ، وكذلك إحياء للسنة النبوية، أن نقدم الخراف أضاحيَ (والنسك هو الذبح والأضحية)، إلا أن الأمريكان ضحوا ولأول مرة في التاريخ برئيس عربي له ما له، وعليه ما عليه بصورة علنية…, فهل كانت إشارة لما سبق من أحداث و حصار للرئيس والزعيم الفلسطيني” أبو عمار”  في المقاطعة برام الله ، ومنعه من توجيه  كلمته عبر  الأقمار الاصطناعية الى القمة العربية  المنعقدة في بيروت – آذار  2002 – ، وبالتالي تجاهله واغتياله ، عبر وضع السُّم في طعامه بعد أن اتَّخذَ الموقف المشرف لكل فلسطيني وعربي ، عندما  قال لبيل كلينتون ويهودا باراك : لا تنازل عن القدس ، ونعم لحق العودة للَّاجئين في أصقاع المعمورة منذ عام 1948.،فهل هذه أيضا ,كانت مشاركة خفية ،  و مؤامرة ،  اشترك في حياكتها كل من العرب وأميركا وإسرائيل…؟!. هذا ما ستبينه  الأيام القادمة في ظل تساقط أوراق التوت عن القادة العرب فيما يسمى” بالربيع العربي”…!.
لقد دأب الإعلام العربي على تصوير الحكام العرب بأنهم ملائكة ، وأسبغ عليهم الكثير من الصفات الإلهية ، حتى بات نقد أي حاكم أو نظام عربي جريمة لا تغتفر.
وتكُر السُبحة ويتوالى سقوط هذه الدمى المصطنعة والمركبة,التي حكمت عقوداً من الزمن بالحديد والنار وما يتخللهُ من ترهيبٍ واعتقال، و من سحلٍ و اغتيال…!.
كانت الإفتتاحية مع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي هرب ونجا بنفسه ،  إلا  أن التاريخ سيبقى يلاحقه بكل تفاصيل حياته,والثاني كسجن الرئيس المريض المخلوع حسني مبارك مع ولديه ,والحلقة الثالثة، هي خلع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بعد حرقه جراء قذيفة أبقته حيا وأعتقد أن لله حكمة في ذلك ايضاً (لأن لله في خلقه شؤون),و الحدثُ الأكثر دراماتيكية كان في مقتل زعيم أفريقيا وآسيا العقيد معمر القذافي بعد أن تم العثور عليه في قناة للصرف الصحي حاملاً مسدسه الذهبي…” فيا لسخرية  هذا القدر”!!!.
وما يحصل اليوم في سوريا الأسد يقودنا الى أن نتوقع الأسوأ للرئيس بشار بعد المشاهدات والأحداث سابقة الذكر,فبعد أن بدأت معارك دمشق ووصول عدد القتلى الى ما يقرب من  الخمسين ألفاً ونزوح أكثر من مليوني سوري داخل وخارج سوريا فلن يهدأ التاريخ الإنساني الحديث إلا بتوقيع حكمه العادل لما جرى ويجري…!.
إن الحراك والتململ في عواصم الدول العربية كما يظهر لمن يراقب ويقرأ الاحداث من الأردن والكويت والبحرين وصولاً الى المملكة العربية السعودية، يعطي إشارات ودلالات بأن الصورة السياسية القادمة للمنطقة ، ستختلف عما كانت عليه منذ تقسيم سايكس بيكو وتوزيعنا على المنتصرين من شيوعي ورأسمالي, ولهذا سيكون التعاطي مع المواطن العربي مختلفاً عما سبقه من عقود.اللهم إلَّا  إذا كان هذا العربي قد أفاق من سباته الشتوي…!.
إن الإنسان العربي والذي يعاني الانفصام في وجوده وحقوقه بات يعي ويطالب بحقوقه العادلة ،  بعد أن كسر حاجز الصمت والخوف, كذلك بعد الذي لاقاهُ من استخفافٍ وتهاون بوجوده وحياته ولقمة العيش,فمن أزمة السكر في مصر عام 2010 ،  وأزمة الرغيف أيضا وما جرى مع البوعزيزي في تونس من إهانات وظلم،,إهانات تتكرر كل يوم في كل شارع ومؤسسة في عواصم هذا الوطن العربي الكبير,فكم من بو عزيزي في أقطار وعواصم العرب!!!،كذلك بعد الفورة النفطية وعائداتها بالربح والسيولة على دول الخليج العربي مع عدم الإستفادة منها عبر تحفيز النمو ودعم أقطار عربية أخرى تعاني ما تعانيه ، مثل الأردن ولبنان،وهناك مشاكل جمة سوف تقلب الطاولة والعروش في المستقبل القريب والمنظور في دول الخليج العربي عبر تزايد أعداد الوافدين الأجانب للعمل وإستبعاد اليد العامله العربيه ، ما يشكل تهديداً حقيقياً إنْ على الصعيد الديموغرافي أوالثقافي,حيث يعيش 13 مليون أجنبي في دول مجلس التعاون الخليجي أي حوالي 37% من سكانها البالغ 35 مليون بحسب أرقام الامانة العامة للمجلس. وفي هذا السياق اعتبر وزير العمل البحريني مجيد العلوي مؤخراً أن العمال الأجانب في الخليج يشكلون خطراً أكبر من القنبلة النووية،  وكذلك هناك دراسات كثيرة ، تحذر من هذا الموضوع،فماذا تنتظر سلاطين وملوك وأمراء الخليج بعد؟؟؟.
العبرة لمن اعتبر,أوليس وجود الرئيس صدام حسين مختبئاً ولمدة ثمانية أشهر في بئرٍ كان كافياً!!!،فماذا يبقى للإنسان بعد أن يخسر ما خسره الرئيس صدام حسين, والعقيد معمر القذافي وهروب زين العابدين بن علي والحروق والوضع الذي أمسى فيه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح؟.
فكم حجم الوحشة والألم الذي باتوا يعانون منه ،وكم مضى على انقراض الإنسان الأول ليعود ويطل علينا على هيئة صدام حسين ومعمر القذافي؟؟؟
إن مشهد محاكمة الرئيس حسني مبارك أيضاً, وهو المريض المقعد, وعلى فراش الموت!!!ألا يستدعي منا الرحمة ، والله خير الراحمين، وقولي هذا ليس دفاعاً عن أي دكتاتور حكم هذه الشعوب وقام باستغلالها ، إلا أني أقول ما عودة صدام حسين بعد ثمانية شهور من الاختباء والهيئةِ التي ظهر فيها!وصور الرجل المريض حسني مبارك,ألا تقول للعاملين بالشأن العام من رؤساء وملوك وامراء وسلاطين, ما قاله الله في كتابه العزيز في سورة الحاقة”يا ليتها كانت القاضيه*ما أغنى عَني مالِيه*هلك عني سلطانيه”
إنها وقفة مهمه في حياة الحاكم العربي حتى يسترجع الماضي والحاضر ويتصالح مع نفسه وشعبه وكذلك كي يقوم في  بناء أفضل للإنسان العربي وجيل المستقبل بعيداً عن القهر والاستغلال.
إن ما يحصل اليوم من أعاصير في عالمنا العربي ، ما هو إلا محاكمة إلى كل الوطن العربي من حكام وقادة وشعوب ارتضت لعقود من الزمن الذل والهوان,لأقطار عربية مشتتهة ،لا يوحدها أو يجمعها نهر عابر،  أو حتى اقتصاد و تاريخ ومستقبل,فكل ما كان يجمعها التناحر والضغينة منذ ألف وثلاثمائة سنة وأكثر.
فإلى أين تسيرون بنا ايها الحكام؟ .أوليس انهياركم وسقوطكم من أعظم الدروس؟,كفاكم ظلماً وقهراً ونهباً لثروات الشعوب …!. وكفاكم أن تبقوها مهزومة ، فقيرة ومتخلفة .فكيف هي حال الصناعة عندكم وحال مصانعكم,أين هي المشافي والجامعات ومليارات من الدولارات والتي تصدر الى العالم الأول كي يزداد رقياً وتعالياً على حساب جغرافيتنا وأحوالنا التي باتت تهون على العدو قبل الأخ والصديق….!.
أم نحن خلقنا على هذه الهيئة من الإحباط والهوان والتخاذل والتخلف ، أم جرى ترويضنا إلى ذلك عبر إرهابكم لنا من خلال مراكز مخابراتكم  وعسسكم الليلي،  التي طال بنيانها وتعدادها عدد المشافي ودور العلم والموسيقى في أوروبا والاميركيتين…!
إن الصفقة الأخيرة فقط!!!والتي قامت بعقدها كل من قطر والمملكة العربية السعودية والمقدرة ب 100 مليار دولار كفيلة وحدها بترميم وإنعاش ، وربما حل أوضاع ثلاث دول عربية مجتمعة ، كالأردن ولبنان وفلسطين على سبيل المثال لا الحصر.
إنها دعوة لك أيها الحاكم العربي لترسيخ العدالة الإجتماعية وبناء شعبك على أسس من الحوار والشفافية…، وكلّي أمل بأن تكون ما زلت حياً ، وتعي وتدرك العبر مما أصاب غيرك من  المتغطرسين والساقطين في مزبلة التاريخ.
مدوا أيديكم ،  وكفاكم تشدقاً يإنتصارات الماضي وجماله,الماضي الذي أضنيتموه من كثرة التشدق به بعد أن ضيعتم أوطانكم وشعوبكم بضباب مصطنع,تارة بإسم التوازن الإستراتيجي وطوراً بخطط خماسية، لا تسمن ولا تغني من جوع إلا بسرقات جديدة وسيارات ورحل ترفيهية  لأبنائكم ونسائكم…!!!
إنها وقفة لسؤال يطرح نفسه : إلى أين تسيرون بنا أيها الحكام بعد أن زرعتم الهزيمة والهوان وفقدان الأمل في العقل والإنسان  العربي؟؟؟.
حسين جمعه
5/12/20012في   
[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى