المقالات

القضاء والبلد, الى أين؟؟ \ بقلم المحامية رنا تانيا الغُز

“العَدلٌ اساس المُلك” عبارَةٌ تُرَدِدُها الألسن كَشِعارٌ مثالي دون إدراك أنها قاعدة تُبنى عليها الدُوَل. ماهية أدركت اهميتها الشعوب المُستَعمِرَة فسبقَت الشعوب المقهورة في بناء منظومة للعدالة خاصة بها تضمن ،لا استمرارها فحسب بل، هيمنتِها على شعوب أخرى. حين نتحدث عن الدول الاستعمارية فأول ما يتبادَر للذهن هو ” بريطانيا”:الامبراطورية التي لم تكن تغيب عن مُستعَمَراتِها الشمس. والدولة الوحيدة في العالم التي لا يوجد لها عيد استقلال. لماذا؟؟ لأنها الأرض الوحيدة التي لم تَطأها قدم محتل. كيف؟ الجواب بسيط: إنها منظومَة العدالة التي تميزت بها بريطانيا عن غيرها من الشعوب ثم تَبعَتها دولاً اوروبية رأت في نجاح التجربة ما يساعد على بناء الكيانات واستقرارها وقوتها ورفاهية شعوبها.

ورُبَ قائل يقول بأن هذه الدُول مارست ابشع انواع الظلُم والاضطهاد والقَمع والتنكيل في حقٍ شعوب أخرى فكيف يوسَمُ ظالم بالعدالة؟ كلامٌ صحيح ونجيب عَنه بأن إدراك هذه الشعوب لأهمية العدالة إنما نبع من منطلقات عقلانية وليس اخلاقية. لذا, ومن مُنطلَق المَصلَحة الذاتية, اكتفت بِنشر العدالة وتطبيقها على مجتمعاتِها حصراً مَعيدة بهذا السلوك سياسة الامبراطورية الرومانية التي قسمت الشعوب قديما الى فئتن: مواطنين رومان وشعوب مُستَعبَدَة.

ولِمَن لم يَر “إيهود اولمرت” في السجن فيعتَبَر بأننا نَهرِف في الكلام نسألُه:” ها هي أميركا تقصف البلاد بالطائرات وتقتل المدنيين تحت ذريعة “الاعمال الحربية” وهذا بِحَد ذاتِه إجرام. ولكِن هل اهتزت منظومة العدالة في اميركا “؟؟ لن نختلف حول الباعث إن كان مثالياً أم ضروريا بحت. لكن المنظومة قائمة ومتماسكة ومن الغير المسموح المساس بها. لماذا؟ لإن “اميركا” واخواتها تدرك بأن العدل اساس المُلك.

حين كانت طائرات هتلر تقصف “لندن” مُسَوِيَة أبنيتها بالأرض سأل أحد الصحفيين “تشرشل”: كيف ترون وضع “بريطانيا”؟ فأدهش جواب السياسي العجوز كل الحضور: ” “انظروا الى القضاء تعرفون حال بريطانيا”. وحين تأخر القاضي ” النحاس باشا” عن جلسات المحكمة نصف ساعة بسبب عطل في القطار قال مقولته الشهيرة: ” تأخرت العدالة نصف ساعة”. وبعد تَردٍ للعدالَة أخذ مداه هل يحق لنا أن نتساءَل عن الأسباب التي اوصلتنا الى ما نحن عليه؟؟؟

كُل منظومة قضائية وضعت يدها عليها السياسة محكومَة بالفَشل. وهي سياسَة دأبت عليها المنظومَة الحاكِمَة منذ ستينيات القرن الماضي حين منحت لنفسِها حق عزل القضاة بمرسوم وحين نخرت رويداً رويداً جسم اعلى هيئة قضائية وهو أمر انعكس شللاً في الأداء رأيناه وعشناه خلال السنوات الماضية فهل يكون القضاة عبر اعتصامِهِم الحالي قد اطلقوا رصاصَة الرَحمة على منظومة العدالة في البلاد؟؟ وهل يستقيم البلد عبر تعطيل مِرفَق العدالة ما دام العدل اساس المُلك؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى