المقالات

أزمة تايوان.. هل تنتهي بتسوية أم مواجهة مدمرة بين قوتين عظميين؟

بقلم: ناجح النجار- الكاتب الصحفي- باحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية

لا يزال التوتر سيد الموقف في أزمة جزيرة تايوان، لاسيما عندما فرضت الصين عقوبات على مسؤولين تايوانيين في منتصف عام 2022 وذلك لدعمهم فكرة الاستقلال عن الصين، وإعلان بكين إجراء المزيد من التدريبات العسكرية من البحر والجو بالقرب من الجزيرة.

يكمن الصراع الصيني – التايواني في أن بكين ترى تايوان ما هى إلا مقاطعة منشقة سيعاد ضمها إلى البر الصيني في نهاية الأمر، فيما يختلف الكثير من الشعب التايواني مع وجهة النظر تلك، إذ أنهم يرون أن لديهم شعب منفصل تمامًا، سواء تم إعلان استقلاله رسميا من قبل بكين أم لا.

منذ الحرب العالمية الثانية تشكل جزيرة تايوان نقطة تجاذب دولية وعالمية، فالجزيرة عادت إلى الحضن الصيني بعد هزيمة اليابان وألمانيا في عام 1945 بعد أن كان متنازل عنها لليابان بموجب معاهدة شيمونوسيكي في عام 1895.

لماذا تدافع واشنطن عن تايوان؟

لا يخفى على أحد أن تايوان تسيطر بشكل كبير على صناعة الرقائق الإلكترونية، فهى تقوم بصناعة معظم ما يحتاجه العالم تقريبًا من الرقائق الإلكترونية، وهي رقائق تُستعمل في كل شيء بدءًا من صناعة السيارات إلى ماكينات القهوة إلى الماكينات التي تحصد المحاصيل الزراعية.

وبالتالي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تخشى وبشكل حثيث من سيطرة الصين على تايوان، لأنها ستمثل خسارة كبرى لواشنطن؛ بل للعالم أجمع، ذلك أن التخوف الأمريكي يكمن في أمرين مهمين، وهما: أن تقع هذه المصانع تحت سيطرة الصين وحدها، والثاني: أن تقوم الصين بتدمير هذه المصانع في ظل الصراع الدائر بين البلدين، وفي كلتا الحالتين، بإمكان الصين أن تقرر تقييد وصول الولايات المتحدة وحلفائها إلى الرقائق الإلكترونية المتقدمة في المصانع التايوانية، الأمر الذي سيقلص من التطور التكنولوجي والعسكري والاقتصادي الأمريكي، ومن ثم فمن الممكن أن يشهد العالم أزمة اقتصادية طاحنة مثل الكساد الكبير عام 1929.

وفي ظل التحركات الأمريكية تجاه تايوان، شدد- الرئيس الصيني شي جين بينغ- في عام 2021 أمام قادة الحزب الشيوعي الحاكم على أن قرار “توحيد الصين مع تايوان أمر حتمي وتاريخي”، ما يدلل أن مواجهة ما تلوح في الأفق بين قوتين عظميين (الولايات المتحدة الأمريكية والصين) وفي المقابل خرجت تصريحات مستمرة من البنتاجون حول الدفاع عن جزيرة تايوان ضد أي تهديد صيني، ولو تطلب ذلك تحريك الأسطول الأميريكي السابع القابع في مياه المحيط الهادي.

إذن، تعتبر تايوان جزيرة أو دولة شديدة الأهمية بالنسبة للقوتين واشنطن وبكين؛ بل للعالم الغربي بأكمله، فكما أنها من أهم مراكز القوة الاقتصادية في جنوب آسيا والعالم، كذلك بها العدد الأكبر من الشركات العالمية المُصنّعة للرقائق الإلكترونية، إلا أنها قد تختلف عن الحكم الشيوعي الصيني لما بها من نظام حكم ديمقراطي، مقارنة بالقبضة الحديدية للصين، ومن هذا المنطلق فالولايات المتحدة الأمريكية ترى في تايوان منصة مهمة للغاية في شرق آسيا، أما بكين فترى تايوان الجرح النازف في الجسد الصيني وقد آن الأوان لكي يلتئم ويعود إلى حضنه من جديد ولا يمكن التنازل عنه مهما حدث.

في الآونة الأخيرة وخصوصًا بعدما اشتدت حدة التوتر في شبه الجزيرة التايوانية بعد أن أعلنت بكين أنها راقبت عن كثب تحليق طائرة استطلاع أمريكية عبر مضيق تايوان، وفي الوقت الذي أعلن البنتاجون الأمريكي أن طائرة للبحرية من طراز “بي-8 إيه” عبرت مضيق تايوان في المجال الجوي الدولي، وأن واشنطن ستواصل التحليق والإبحار في أي مكان يسمح به القانون الدولي، لوحت الصين بأن ضم الجزيرة لا محالة عنه مهمها كلفها الأمر، مما يدلل على حرب مرتقبة أو تسوية كبرى بين واشنطن وبكين.

وقد ذكرت الصين في بيان لها إلى أن زيارة النواب الأميركيين قبل بداية العام الجاري، تمثل تعديًا وانتهاكا لسيادة الصين ووحدة أراضيها، إذ وصفت وفق البيان وبشكل كامل الوجه الحقيقي للولايات المتحدة كمفسد للسلام والاستقرار في مضيق تايوان.

من جهتها، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الولايات المتحدة تخطط لزيادة قواتها في تايوان إلى أربعة أضعاف، من أجل دعم برنامج تدريبي لجيش الجزيرة وسط تهديد متزايد من الصين، وأن واشنطن تخطط لإرسال 100 إلى 200 جندي خلال الأشهر القادمة، في حين أعلنت رئيسة تايوان تساي إنغ ون، بعد اجتماع مع أعضاء من الكونغرس الأميركي يزور تايبه آنذاك، أن بلادها ستعزز الروابط العسكرية مع الولايات المتحدة للحد من “التوسع الاستبدادي في إشارة منها للصين”، الأمر الذي أغضب بكين مما جعلها تقوم بمناورات عسكرية واستفزازية في بحر الصين الجنوبي وفي سماء الجزيرة.

بالتزامن مع هذا التوتر، فقد كشف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، أن تقارير بلاده الاستخباراتية تشير إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، أصدر تعليمات لجيش بلاده بالتأهب للسيطرة على تايوان بحلول عام 2027، مؤكدا أنه من الضروري أن تأخذ الولايات المتحدة رغبة الصين في السيطرة على تايوان “بجدية بالغة” حتى وإن لم يكن الصراع العسكري هو النتيجة الحتمية لذلك”.

الخلاصة، أن أزمة جزيرة تايوان ستكون أمام سيناريوهات متوقعة، وهى: إما أن تنتهي الأزمة بتسوية كبرى، أو تكون مسرحًا لمواجهة مدمرة بين قوتين عظميين، هما الولايات المتحدة الأمريكية والصين، كذلك بعد سفر رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان خلال 2022، فقد ظهر على السطح احتمال شن الصين هجومًا عسكريًا على تايوان بعد المناورات، خصوصًا التي قامت بها على أطراف الجزيرة، ولكن بعض التقارير تشير إلى أن التوترات الصينية التايوانية لن تؤول إلى حرب مكتملة الأركان، على الأقل خلال تلك الفترة.

كما أنه من المتوقع ووفق بعض المحللين والمراقبين بأن العالم بات أقرب إلى نظام دولي متعدد الأقطاب، سواءً رغبت أمريكا أو لم ترغب، كما أن التصرفات التحريضية التي تقود إلى حروب إقليمية ستكون خسارة عالمية وسيكون الفائز في هذه الحرب هو الجانب الصيني وربما الروسي على أغلب التقديرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى