تكنولوجيا

العقيدة التكنولوجية رؤية جديدة في كتاب بقلم /منال الكندي

“من حين لآخر، تتحول التكنولوجيا الجديدة، و المشكلة القديمة، و الفكرة الكبيرة إلى ابتكار”.دين كامن.

مع التسارع الشديد الذي يشهده العالم مؤخرا في مجال التطور التكنولوجي و ظهور تقنية GPT و الذكاء الاصطناعي..
وجدت كتاب يستحق عرضه لفهم أكثر عن تطور التكنولوجيا و العقيدة التي ينتهجها العالم المتقدم فيها…و ما يحتاجه العالم النامي ليواكب تلك الدول تكنولوجيا..
الكتاب بعنوان “العقيدة التكنولوجية” الذي صُدر عام 2019 للمؤلف المصري/ د.محمود محمد المصري..
حيث يحتوي الكتاب على 6 فصول كالتالي:
الفصل الأول: العقيدة التكنولوجية.
الفصل الثاني: الحرب الاقتصادية.
الفصل الثالث: الصناعة النووية.
الفصل الرابع: هجرة الابتكار.
الفصل الخامس: تكنولوجيا الفضاء.
الفصل السادس: الأمن السيبراني.
يوضح هذا الكتاب البُعد التكنولوجي الذي توصلت إليه الدول المتقدمة وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية و الصين، حيث اعتمد المؤلف في تعريف العقيدة التكنولوجية على المكونات و الأدوات التي ساعدت تلك العقيدة منذ منتصف القرن الثامن عشر و حتى الآن.
يرى المؤلف من الواقع الملموس لتلك الأدوات بأنها جعلت العالم يسير في تلك التكنولوجيا يوما بعد يوم، حيث يقوم العالم المتقدم بتقديم الإبتكارات الخلاقة و الحفاظ على العقول الفذة التي غيرت ملامح نظم الحُكم الدولية و أصبحت تتلاعب بكل الايديولوجيات و النُظم بداءاً من الرأسمالية و حتى النظم الاشتراكية.

يُعتبر الكتاب الأول من نوعه في مواجهة مشكلات الدول النامية بل العالم الذي يواجه مشكلات و اشكاليات اقتصادية حادة، من أزمات البطالة و التضخم الجامح، و الفساد المالي والإداري خاصة عالمنا النامي.
قام المؤلف بتوضيح لأهم التكنولوجيا التي تعتمد عليها دول العالم المتقدم، عن طريق قراءة متعمقة في فلسفة التكنولوجيا الحديثة و كيف وصلت إلى مستوى عقدي لدى دول العالم المتقدم، التي تعمل تحت مظلتها، و لا يُسمح بالتقرب – أي العالم النامي من التقدم قيد أنملة للوصول إلى ذات المستوى للدول المتقدمة تكنولوجيا..

إن الدافع الحقيقي لصدور هذا الكتاب هو الإيمان بأهمية تحسين أداء الدول النامية أو الأخذة في النمو من أجل شعوبها، حيث يرى المؤلف بأن الوقت قد حان لتغيير المعتقد من أجل تطوير أخلاقيات، و رفاه الأجيال الحالية و مستقبل الأجيال القادمة.

سوف أتطرق في هذا الكتاب فقط للفصل الأول الخاص بالعقيدة التكنولوجيا لفهم أكثر طبيعتها و مفهومها والتي بها تقدمت شعوبا و تخلفت أخرى.

مفهوم العقيدة التكنولوجية:
العقيدة هي الثوابت العلمية والعملية التي يجزم و يوقن بها الفرد.
نلاحظ دائما تغير نمط الشعوب الفكري كلما تغيرت أخلاقه و طبائعه و شعوره القومي، بيد أن الشعوب أخلاقها دائما تتمثل في شعائرها الدينية أو البيئة المحيطة أو الخروب التي خاضتها دفاعا عن الوطن. و منذ ظهور التقدم العلمي الذي يشهده العالم، جعل العلم الوسيلة الأساسية لتكوين عقيدة جديدة في الفكر البشري يؤثر في سلوكه، و طريقة تفكيره، و نمط حياته. فنتج عنه حضارة تكنولوجية تضاهي قوة الدول الكبرى و صاحبة السبق في الإيمان بالعقيدة التكنولوجية. فإنتقال الصين واليابان و كوريا الجنوبية من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة و تطوير الأسلحة و امتلاك شركات عابرة القارات، قد وضعها على الخريطة العالمية في مصاف الدول المتقدم عسكرياً و مدنياً، بفضل إيمانهم بعقيدة التكنولوجيا.
و يُعد أركان العقيدة التكنولوجية من أهم الدعائم التي ترتكز عليها اليقين التكنولوجي التي سعت خلفها معظم الدول المؤسسة للتكنولوجيا (الولايات المتحدة و روسيا، و الإتحاد الأوروبي)، و الدول التي دخلت في سبق تطبيق العقيدة التكنولوجية و نجحت عمليا في تطبيقها (الصين، اليابان ، الهند، كوريا الجنوبية)، و كذا الدول الناشئة في استيعاب مفاهيم العقيدة التكنولوجية (ماليزيا، سنغافورة، تركيا و بعض دول أمريكا اللاتينية).
إن العلم روح المعتقد التكنولوجي.
إن كل صناعة لا تأتي إلا بمجموعة عقول تستوعب العلوم الطبيعيه كالكيمياء، و الفيزياء و الرياضيات لتضيف قيمة مضافة للمجتمع. لذلك تقوم الولايات الأمريكية باستيراد العقول الذكية و الماهرة لتصبح الأولى عالمياً في جميع أنشطة الحياة سواء العلمية أو الرياضيه أو خوض سباق التسلح، فأبهرت بها العالم منذ الحرب العالمية الأولى حتى الحرب العالمية الثانية في عام 1945.

معبد التكنولوجيا
إن الاهتمام الحقيقي بمعامل الأبحاث و تطوير محتوياتها من أدوات و عقول و إنفاق اقتصادي، يجعل المعمل التقني بمثابة المعبد لرسم السياسات و تصميم و تطوير الأفكار المبتكرة و الأكثر ذكاءاً.
و هذا الاهتمام و التطوير لمعامل الأبحاث و الإنفاق على تحسين جودة معداتها و باحيثها، عادة ما تقوم به الشركات المحلية أو متعددة الجنسيات مثل” أمازون، و جوجل، و فيس بوك”. أو تبني و تستعين بمعامل أبحاث حكومية أو جامعات في دول أخرى حسب الطبيعية الجغرافية، فشركة “ميكروسوفت و جوجل و أمازون” تمتلك معمل أبحاث في إسرائيل…

العقل الإبتكاري(الذكاء التكنولوجي)
العقل البشري هو الباعث الرئيسي في تطور العالم و حل المشكلات العلمية، و اختبار الفروض و النظريات العلمية و تفسير الظواهر العلمية، و كل هذا يحتاج إلى أفراد ذوي عقول فذة ذكية. و تتوفر تلك العقول من مصدرين.
المصدر الأول: أبناء الوطن و يطلق عليه العقل الإبتكاري المحلي.
المصدر الثاني: هي العقول الإبتكارية المستوردة أو هجرة العقول.

و لا يستغرب المؤلف من أن هناك مجتمعات تملك العقول الفذة ولا تمتلك الحد الأدنى من التكنولوجيا و المعنى هنا “الدول النامية” بل قد يندلع بها الحروب مثل سوريا و العراق، حيث أن تلك الدول تفرز العلماء و أساتذة الجامعات و العقول الفذة لتخدم دولاً بعيدة عن ويلات الصراع و الحروب ، و خاصة أوروبا و الولايات المتحدة.
لذلك يشدد المؤلف على حكومات الدول النامية في الحفاظ على جودة التعليم و الحفاظ على العقول الإبتكارية المحلية من الانتقال لمرحلة هجرة الإبتكار.

يسأل المؤلف سؤال مهم في كتابه حول كيف تتكون العقيدة التكنولوجية لدى الشعوب!

يرى المؤلف أن نقطة انطلاق التكوين الذاتي للعقيدة لدى الشعوب لابد أن تنبع من دوافعها الحقيقية لنهضة الدولة و إراداتها الحقيقية لتنمية قدراتها، و ينجلي هذا في شكل اخلاق و بيئات و استغلال العقول الفذة في تطوير حياة الوطن و الارتقاء بالشعب ليصبح في مصاف الشعوب المتمدن و الاكثر استخداماً للعلم التقني في مناحي أنشطة حياتها المدنية و العسكرية و الإجتماعية.
فالمجتمعات الغربية قد استطاعت استيعاب دروس الحضارة منذ زمن بعيد. أما المجتمعات العربية و الدول النامية لم تصحو بعد من غفوة الزمن البائد..
إن حضارة العرب و المسلمين في بلاد الأندلس و ما قدمته من تقدم علمي أثرى القارة العجوز مما أدى لتقديمها و تغير ثقافتها العلمية.
بيد أن أوروبا استطاعت بإرادة شعوبها و علمائها أن يبنوا الصرح العلمي و التقني.
الحرب التكنولوجية
هي تنازع الشعوب و الدول في الحفاظ على مقدراتها العلمية و المالية من خلال إرغام الخصم على شراء منتجات الدولة الزراعيه و الصناعية و العسكرية و جعله سوقاً كبيراً، دون اللجوء إلى استعمار تقليدي( التدخل العسكري)، و في المقابل لا يُسمح للخصم تصدير التكنولوجيا إليه و تبادل الخبرات بشأن التقنيات، لجعله تابع تكنولوجي و تجريد الخصم من العقول الفذة باستيرادها(هجرة العقول الإبتكارية) أو اغتيالها إذا لزم الأمر ..
يذكر المؤلف هنا بأمر هام حيث من غير المعقول تصديق أن الدول الكبرى و التي تمتلك كل مقومات العقيدة التكنولوجية و الأفكار الإبتكارية و الأفراد الأكثر ذكاءاً ، سوف تسمح بسهولة اقتناء الدول النامية التكنولوجيا في صورة مادة خام و تسمح لعلمائها و أبناء شعبها باختراق معامل أبحاثها لمنافستها في السوق العالمي بسهولة.
ومما لا شك فيه أن الدول المالكة للعقيدة التكنولوجيه تتعامل بذكاء التكنولوجيا مع الدول المستهلكة للتكنولوجيا، من حيث تصدير الدول الكبرى لسياستها الاقتصادية أو تصدير ثقافة دخيلة على الشعوب، أو زعزعة الأخلاق بمدخلات يرفضها الشعوب نظرا لعدم اتساقها مع الأخلاق العامة للشعب و تاريخه.
وبهذا فنحن نقف أمام معركة عظيمة لا يفهمها احد سوى مالك التكنولوجيا.
نجد أن الشعوب النامية اكتفت بلعب دور المستهلك..فأصبحت نسبة صادراتها من السلع و الخدمات أدنى بكثير من نسبة وارداتها من السلع و الخدمات، و هنا تظهر المشاكل الاقتصادية و تفاقم معدلات الديون و الاقتراض على شكل سندات حكومية أو قروض من مؤسسات دولية (صندوق النقد الدولي) و ذلك لسد عجز الموازنة و لتعظيم الاستهلاك و تدني الإنتاج. و اللاعب الأول في هذا الموضوع، الشعوب و الحكومات إذ أن عقيدة التكنولوجيا لم تصيب إنتاجهم بل خضعوا لقواعد الحرب التكنولوجية التي شنتها عليهم الدول المتقدمة لتصبح الدول النامية تابعة و مستوردة فقط في عالم الصناعة التقنية.
كما يتطرق المؤلف إلى الثورات التكنولوجية و التي قسمها إلى أربع موجات رئيسية وهي:
1-الطاقة البخارية.
2-الطاقة الكهربائية و المغناطيسية.
3-الحوسبة الرقمية.
4-تقنية النانو و الذكاء الاصطناعي.
في نهاية الفصل الأول بعنوان العقيدة التكنولوجية يوصي المؤلف بضرورة تحسين مستوى التعليم و استغلال العقول الفذة المبتكرة و الروح القومية التي تدفع الفرد نحو تقدم بلاده. وعليه لابد:
اولاً: الاعتراف بأن هناك فجوة بين عالمنا النامي و العالم المتقدم بعقيدته التكنولوجية.
ثانيا:البحث عن وضعنا على الخريطة العالمية اين نحن؟ و أين هم؟
ثالثاً: البدء في إرسال البعثات العلمية للخارج، و إستيراد البعثات العلمية من الخارج بروح القومية و ليس بالوساطة و المحسوبية.
رابعاً: القضاء على الفساد و البيروقراطية في جميع المصالح و الهيئات الحكومية، و القطاع الخاص و ردع كل فاسد بأشد العقوبات و التي قد تصل إلى السجن مدى الحياة أو الإعدام.
خامساً: العمل على توجيه التعليم نحو آفاق جديدة بعيداً عن الحفظ و التلقين من خلال الاستعانة بأساتذة الجامعات و توجيه جزء كبير من الدخل القومي نحو زيادة الإنفاق على التعليم في جميع المراحل التعليمية.
سادساً” توجيه الإعلام بأن الدولة تتجه نحو التنمية و بث روح الوطنية و الأخلاق الحميدة في نفوس الشعب.

أن التكنولوجيا تعمل على تسريع و دقة وتيرة النظم و خلق النماذج و الأنماط الإدارية و السياسية و الاقتصادية للتعامل مع مشاكل الدولة و أزماتها سواء على مستوى إدارة الموارد أو على مستوى الأزمات الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى