الأخبار اللبنانية

جو حبيقة: ألم تعلمنا التجارب أن لا ضمانة لنا سوى وحدتنا؟

أحيا الحزب الوطني العلماني الديمقراطي “وعد” الذكرى ال 11 لاستشهاد مؤسسه الوزير والنائب السابق ايلي حبيقة، في قداس في كنيسة السيدة في الحدث – بعبدا، حضره النائب اميل رحمة ممثلا رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة، النائب ناجي غاريوس ممثلا النائب العماد ميشال عون، وزير الاتصالات نقولا صحناوي، النائبان آلان عون وحكمت ديب، الوزير السابق كريم بقرادوني، العميد أحمد عودة ممثلا قائد الجيش، العميد بشارة جبور ممثلا مدير عام الأمن العام، ممثل حركة أمل عضو المكتب السياسي أحمد جمعة، رئيسة حزب الديموقراطيين الأحرار تريسي داني شمعون، طوني سليمان فرنجية ممثلا رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، رئيس الاتحاد لأجل لبنان مسعود الأشقر، رئيس الحركة التصحيحية في القوات اللبنانية حنا العتيق، قياديون من هيئة قدامى القوات اللبنانية يتقدمهم جو اده وايلي أسود، قياديون من الحزب السوري القومي الاجتماعي ومن جبهة الحرية ورؤساء بلديات وأعضاء مجالس اختيارية من الحدث والأشرفية والرميل والحازمية والشياح وفرن الشباك ووادي شحرور وبليبل وعاريا وحومال ومن بلدات مختلفة من قضاءي بعبدا وعاليه وحشد من المواطنين.

ترأس القداس النائب العام لمطرانية بيروت المارونية المونسنيور جوزف مرهج منتدبا من ممثل البطريرك الماروني المطران بولس مطر، عاونه فيه لفيف من الكهنة، وتلا مرهج عظة قال فيها: “نرفع الصلاة خاشعة إلى الله في الذكرى الحادية عشرة لغياب الصديق الوزير إيلي حبيقه ورفاق استشهاده. ويشرفني في المناسبة أن أنقل إليكم بتكليف من صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي بطريرك إنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى، أسمى مشاعره الأبوية وأحر تعزياته القلبية، خاصا بها عائلته العزيزة بكل أفرادها. وإني لأسأله تعالى أن يسكب ندى رحمته على من فقدناهم من أبناء بفعل ذلك الاغتيال الأسود، وأن يفيض أنعامه على من بقوا يتذكرون هذه اللحظة الأليمة، التي زادت على مآسي لبنان مأساة تمنينا لو لم تكن حصلت لا هي ولا مثيلاتها”.

أضاف: “كان لبنان قد ضرب في الربع الأخير من القرن الماضي بالفرقة بين أهله والقيمين عليه، وصولا بالتدرج إلى العنف القاتل. وكان الشاب الطالع إيلي حبيقه، شغوفا بوطنه ومستعدا للدفاع عنه حتى الرمق الأخير، منذ أن تجند لهذه الخدمة وانضوى تحت لوائها بحماس كبير. لكن تطور فكره وحياته أخذ بيده من لجة العنف والتقاتل إلى ساحة الحوار والمصالحة وصنع السلام. فلبى هذا النداء الطالع من قلب المعاناة وأسهم في وضع أسس للتفاهم اللبناني الجديد كانت هي النواة الأولى لما عرف فيما بعد باتفاق الطائف. وقد عول الكثيرون على هذا الاتفاق ليبدأ اللبنانيون لهم ولوطنهم مرحلة جديدة تحمل في أجوائها فرص الحياة وفرح الحياة”.

وتابع: “غير أن هذا الاتفاق مر بنكسة كبيرة لم تكن متوقعة. فإذا بها تولد عدة نكسات مهددة منجزاته بالتلاشي سنة بعد سنة وحقبة وراء حقبة. وقد تمثلت بمصرع الوزير إيلي حبيقه بالذات، يوم كسرت أول حلقة من حلقات الطائف باللجوء إلى العنف من جديد والقتل الإجرامي المتعمد، فيما كان الاتفاق يقضي بجمع السلاح ودفن آلات الحرب إلى غير رجعة. وكان من الضروري جدا أن تتوصل السلطات المسؤولة إلى كشف الفاعلين، كائنا من كانوا، بغية وضع حد للتدهور الخطير ولقطع دابر الغرق في التقاتل من جديد على أشلاء الوطن المعذب. لكن الأمر لم يحصل ولم توفر للناس هذه الصورة الحضارية التي تظهر الدولة كمرجع أخير لإحقاق الحق، بما يبعدهم جميعا عن التعاطي فيما بينهم بمنطق شريعة الغاب، أي بمنطق اللاشريعة”.

وقال: “كانت الخسارة بهذه الجريمة اللاإنسانية خسارة شخصية وخسارة وطنية كبيرة. فالوزير الذي فقدنا بفعلها كان إنسانا يحب الخدمة العامة ويسعى إلى مساعدة مواطنيه سعيا حثيثا لا يعرف الكلل. وهكذا الوطن فإنه كان يلملم جراحه ويسلك في طرق الحياة المسالمة من جديد. فكان المنزلق الخطير بفتح الباب أمام نار الحرب لتحرق ثانية وتدمر فرص التقدم لا في لبنان وحسب بل وفي المنطقة المحيطة بأسرها. ولطالما ردد المستشرقون وباحثو التاريخ هذه المقولة الشهيرة بأن صحة الشرق هي من صحة لبنان، وبأنه من الضروري أن يزور المرء لبنان والوقوف على حاله ليعرف معرفة أعمق أوضاع الشرق برمته. فلقد أخطأ البعض خطأ جسيما عندما ظنوا أن لبنان بلد كرتوني يمكن الاستغناء عنه، فيما هو بتحديات شعبه وعيش الطوائف والمذاهب فيه عيشا مشتركا سويا يمثل مستقبل هذه المنطقة برمتها وجزءا جوهريا من مستقبل العالم. فلننظر من حولنا إلى أي بلد من البلدان الشقيقة أو إلى أي شعب من الشعوب التي نكن لها جميعا كل محبة واحترام، فإن الأحداث التي تنشب فيها تدمي القلوب، والانقسامات الحاصلة في صفوف أهلها واللجوء إلى العنف بين أطيافها ينذران فعلا بالخراب الذي يهدد فيها البشر والحجر، ويعيد مجتمعاتها إلى ما هو أسوأ من القرون الوسطى. فهل نتصور مساوىء العنف عندما يصبح هو اللغة المتداولة وما من لغة سواها؟ في مثل هذه الحال، يتعطل العقل وتنقطع الرحمة وتجف الإنسانية وتفسد الضمائر”.

وتابع: “ما من شك من أن النار إذا لم تحاصر في بداية نشوبها ضمن نقطة صغيرة، فهي سرعان ما تتخذ اتساعا رهيبا تصعب بعده كل معالجة؟ لقد كان اغتيال الوزير إيلي حبيقه تلك الدلالة عن النار التي أضرمت من جديد لتجر بعدها إلى تدهور فرص السلام وإلى فقدان روح الحوار ومنطق التسامح ودفن الأحقاد في غير مكان وفي غير دولة وشعب. نحن لسنا اليوم في الشرق الأوسط أمام ثورات واضحة تصلح أنظمة حكم لتبدلها بأنظمة أفضل. بل إن ما نراه هو خطر تفتيت للشعوب وإثارة للنعرات تعرض التراث القومي والإنساني المتراكم عبر الأجيال إلى خطر التلاشي. فهل من أصوات حكيمة ترتفع لتقول للناس: كفوا عن هذا الجنون وعودوا إلى ربكم الذي تذكرون اسمه ثم تضربون مشيئته القدوسة عرض الحائط؟”

أضاف: “هذه الصرخة الحق نريدها جميعا أن تدوي وبخاصة في لبنان، ومنه إلى أهل المنطقة جميعا. فنحن إما أن نتفق في بلادنا ويقبل بعضنا بعضا وإما ألا يقبل أحد أحدا، لا في لبنان ولا في غيره من البلدان المحيطة. فالداء في كل مكان هو واحد، وكذلك الدواء أيضا فهو دواء واحد، لو كنا نعلم ونتعظ. فهل يعقل على سبيل المثال أن نكون عاجزين إلى هذا الحد في بلادنا عن إصدار قانون ينظم عندنا الحياة الديمقراطية في أبسط وجوهها؟ لقد سمعنا كلاما صحيحا في هذه الأيام يتساءل فيه مطلقه عن حقيقة قدرتنا على التفاهم حول هذه الأمور دون اللجوء إلى الوصايات التي كانت تحسمها لنا ولو كيف ما كان؟ وهلا ذكرنا في تقاليدنا الشعبية تلك الأمثولات عن قسمة الرزق عند الأخوة كيف تكون. فما من أحد أمام هذه المقاسمة إلا ويفوت من بعض حقوقه لأخيه فيترتب الأمر لهم جميعا ويحافظون على إرث آبائهم وعلى المحبة التي توحد لهم العائلات والبيوت. فلنلجأ إلى هذه الروح حيث يعطي أحدنا الآخر ولا يكتفي بأن يأخذ منه فيصان الإرث الوطني لا بل يزداد كنزه ويزدهر. إذ كيف يكون لنا مصلحة عامة ووطن واحد وأهداف مشتركة إن كنا نشد الحبال في ما بيننا إلى هذا الحد ونقطع أوصال هذا الوطن غير آبهين بدورة الحياة فيه كجسم يوحد كل أعضائه ويضمن لها البقاء؟”

وختم مرهج: “نحيي في هذه الذكرى الأليمة تضحيات الشهداء الذين سقطوا على أرض لبنان أيا كان اتجاههم، واضعين نصب عيوننا في هذه المناسبة شهادة الوزير إيلي حبيقه ورفاقه الأعزاء، ونجدد قناعاتنا بأنهم سقطوا جميعا ليحيا لبنان. ولا نقبلن أن يسقط شهداؤنا مرتين، في ساحات استشهادهم وفي تضييع هذا الاستشهاد على مذابح قصر النظر وجفاف القلوب وتشتيت العقول. فلنحكم الأخوة فيما بيننا واثقين أن من يعطي أخاه إنما هو يعطي نفسه. ومن يريح أخاه إنما هو يريح نفسه. وليلهم الله جميعنا سواء السبيل فهو وحده القادر على أن ينتشلنا من وهدة الانقسام إلى قمة التناغم والوحدة والمحبة والسلام، مجددين تعازينا الحارة لعائلات الوزير الشهيد ومن سقطوا معه من أحباء، ولجميع المحازبين من رفاقه ومحبيه، على رجاء في القلب بأن يرفع الله عنا كل سوء وأن يشمل اللبنانيين جميعا وأهل الشرق الجريح بفيض من نعمه وبركاته”.

وفي ختام القداس، القى رئيس حزب “وعد” جو ايلي حبيقة كلمة قال فيها: “مرة جديدة نلتقي، ومرة جديدة نعود الى صاحب الذكرى، الذي نفتقده كل يوم، في مواقفه وفي صلابته، وفي رؤياه، في الزمن الذي بتنا نصارع فيه في كل شاردة وواردة طواحين الهواء”.

أضاف: “صحيح أن لحظة استشهاد ايلي حبيقة لإحدى عشرة سنة عبرت، كانت موجعة مؤلمة وقاسية على كل محبيه، كما على كل الذين وثقوا بمساره خدمة لشعب ووطن وقضية. إلا أن نظرة صادقة واعية الى الشعب والوطن والقضية اليوم، تدعو الى المزيد من الوجع والألم. وأكاد أقول البكاء. فشعبنا بكل فئاته ومكوناته، يرزح مثقلا بهمومه وهواجسه ومشاكله ومعاناته وآلامه. والوطن، من أقصاه الى أقصاه، تحيط به التهديدات والأخطار والمخططات التي تستهدف كيانه ومصيره ووحدته. أما القضية، قضيتنا كمسيحيين وكلبنانيين، فتكاد أن تضيع كقضية فلسطين في صراعات هذا الشرق الذي تتناتشه التيارات الطارئه عليه من الداخل والخارج. حتى لتمزقه شعوبا وأوطانا بلا قضية وبلا بوصلة، وبلا هدف. بلى أيها الأحباء. إنه زمن بكاء هذا الشرق الضعيف على الزمن الغابر والتاريخ العريق. نعم إنه زمن البكاء على هذا الشرق، وأمام هذا الواقع، وأمام ما نشهد عندنا في الداخل، لا يمكن أن نرى لبنان خارج هذه الصورة القاتمة، والمخاض العسير، والرؤيا القاصرة. فهل بتنا شعوبا تتقاتل قياداتها على كل صغيرة وكبيرة؟ وتعجز حتى عن ابتكار مشروع قانون انتخابي؟ ويجنبنا الوصول الى المأزق؟”

وسأل: “ألم نتخذ عبرة من الماضي غير البعيد، بأن كل غبن أو قهر أو ظلم يصيب أي طائفة، أو شريحة لبنانية، حتما يؤدي الى تفجير الصيغة التي فاخرنا بها العالم بأسره؟ ألم تعلمنا التجارب المرة، بما فيها من دماء الشهداء والخسائر والكوارث، أن لا ضمانة لنا سوى وحدتنا، وأن ليس هناك من يتبرع لمساعدتنا من الخارج بلا ثمن أو مصلحة تناقض مصالحنا الوطنية العليا؟ ثم، ألم يتعلم المسيحيون اللبنانيون أنه بالتأكيد لا ضمانة خارجية لهم؟ ألم يدرك المسلمون اللبنانيون أن ضمانتهم الأكيدة هي في التفاهم مع المسيحيين على ما يبدد هواجسهم، خصوصا في زمن انفجار الغرائز والتطرف والأصوليات والتكفيريات الدينية هذا، الذي يضرب المشرق والمغرب، بل العالم كله؟”

وتابع: “من هنا تحديدا نسأل مسيحيي لبنان ومسلميه على السواء، هل هم جميعا قادرون على انتاج مشروع وطني مشترك يكون نموذجا ومخلصا ومنقذا من هذا الزلزال الهائل الذي يجتاح العالم العربي في مشرقه والمغرب؟ وإذا لم يكونوا مؤهلين لهذا الدور. فما هي قضيتهم ورسالتهم ودورهم؟ خصوصا إذا ما أدت مماحكاتهم ومهاتراتهم الى خسارة صيغة عيشهم ونموذجهم ووحدتهم وميزتهم؟ حتى لا نقول الحرب من جديد”.

وختم: “عندما تضيق الأزمنة بالشعوب وتحاصرها الأزمات والأخطار، وتسد أمامها المخارج والآفاق، لن تجد أمامها سوى العودة الى استلهام مسيرة أبطالها، ودماء شهدائها، وتضحيات قادتها المخلصين. فمن هنا، من أرض الحدث الطاهرة، المجبولة بدماء الشهداء الأبرار الأنقياء، من أرض البطولة والتضحية والفداء، حري بنا أن نتخذ العبرة والمثال، ومنارة الطريق، لا وطن بغير وحدة، ولا وحدة بغير تضحيات، ولا أمن بلا عدالة وقضاء، ولا قضاء بدون اصلاح، ولا استقرار مع أمن بالتراضي. ولا استمرار لوطن لم يقم على دماء شهدائه، ولا استمرار لوطن يقوم على استعارة الأبطال والحماة. تحية محبة وامتنان لكم جميعا على مشاركتكم. تحية للحدث وأهلها وشكرا لوفائكم جميعا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى