فلسطين

مناظرة “بايدن” و” نتنياهو” والمستقبل!؟ بكر أبوبكر

تتغير المواقف الدولية يومَا إثر يوم فيما يتعلق بالنظر للقضية الفلسطينية ولا شك أن المتغيرات المتصاعدة بالاتجاه المؤيد للحق الفلسطيني في ظل شلال الدم النازف في غزة رئة فلسطين الجنوبية وهو الذي وقع في ضمير العالم، يقابلها مواقف حقد وكراهية وعنف وإرهاب ومكابرة مليئة بالرغبة بالانتقام وإثبات الذات سواء الذات الجمعية (الدولة، الحزب، الهيمنة…) أو الذات الشخصية، ونقصد بها “نتنياهو” و”بايدن” باعتبارهما الحليفين والصديقين حيث يتقابل الحب مع الاختلاف كما يقول بايدن ذاته، حين ذكر إنّ نتنياهو يضع على مكتبه صورة تجمعهما سوياً عندما كان الرئيس الأميركي سناتوراً شاباً، وأوضح بايدن أنّه كتب على الصورة العبارة التالية “بيبي (لقب رئيس الوزراء الإسرائيلي)، أنا أحبك كثيراً لكنّي لا أوافق على شيء ممّا تقوله”.
وأضاف أمام ممثلين عن اليهود الأمريكان تمّت دعوتهم إلى البيت الأبيض “هذا الأمر لا يزال صحيحاً في يومنا هذا”.
وفي نظرة على الصورة المتوثبة والمتغيرة مع اليوم 68 للعدوان يمكننا محاولة فهم العقليات استنادًا لمعطى تصريحات الرجلين، وما تُمليه عدد من مراكز الدراسات على المؤسسات ورجال السياسة، فإما يأخذون بها أو يقتطفون منها أو يقتبسون أو يرفضون.
أولا: ماذا قال “نتنياهو” مؤخرًا
لنعود لآخر ما قاله نتنياهو فلقد قال في نقاش لجنة الشؤون الخارجية والأمن الإسرائيلي 12/12/2023م، أن اتفاقات أوسلو “كانت أكبر خطأ ارتكبته إسرائيل”، مشيرا إلى أن “كلا الطرفين (“حماس”والسلطة) من المجتمع الفلسطيني يريدان بشكل أساسي القضاء على “إسرائيل””.
وكما ذكر بلغة التحدي والشعور الخرافي بالتفوق وكأنه “جابوتنسكي” جديد: “أنا تلميذ لوالدي الذي كان تلميذًا لجابوتنسكي الذي علّمه كيفية الصمود في وجه الضغوط الدولية”.
وضرب خلال تصريحاته مثلًا بالنموذج النقيض له -باعتباره سيدًا مهيمنا لا ينصاع لأحد حتى أمريكا- وهو ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء الكيان، الذي استجاب لمطلب أيزنهاور عام 1956 بإعادة الأراضي المصرية المحتلة خلال ساعات، في حين أنه هو (البطل المغوار) نفسه لم يرضخ للإملاءات الأمريكية. وقال لأعضاء الكنيست: “انهم لم يوافقوا حتى على التوغل في عمق القطاع”. أضاف نتنياهو أن الحرب “ستنتهي بضربة قاضية”. وعلى خلفية النقاشات أيضًا قال: أن “إسرائيل” تستعد لاحتمال شن حرب ضد قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وذلك على خلفية الحديث عن تقديم تنازلات للفلسطينيين والتعامل مع جلب عمال فلسطينيين إلى “إسرائيل”.
وأضاف مؤكداً: “منذ بداية الحرب لم نتلقى أي إملاءات من الولايات المتحدة”. ومتجاوزًا أومتحديًا الرئيس الأمريكي يقول أنه: “إلى جانب البيت الأبيض، لدينا أيضًا قنوات أخرى في أمريكا. ليس من قبيل الصدفة أن تتم مقابلتي مرارًا وتكرارًا في وسائل الإعلام الخاصة بهم. نحن نؤثر على رأي الإدارة ورأي الكونغرس من خلال الرأي العام. وإذا لزم الأمر، سيتم مقابلتي هناك مرارا وتكرارا. ويوجد لهذا بالفعل تأثير ملحوظ.”
وجدّد نتنياهو في كلمة على الفضاء يوم الثلاثاء أيضًا رفضه مجددا تأييد عودة السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب بقيادة الرئيس محمود عباس لحكم غزة، وقال إن غزة “لن تكون حماسستان ولا فتحستان”. مضيفًا “لن أسمح بالعودة إلى خطأ اتفاقيات أوسلو”
ثانيًا: ماذا قال الرئيس بايدن؟
بعد الاستخدام المتكرر للرئيس الامريكي لحق النقض الفيتو لوقف الحرب على غزة والعدوان الفاشي سواء يوم 8/12/2023م أو حول قرار الأمم المتحدة بالجمعية العامة يوم 12/12/2023م وبناء على التصريحات المتشددة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يأتي خطاب بايدن شديد اللهجة بالأمس وكأنه يوجّه عدة رسائل؟
حيث قال خلال لقاء مع مانحين للحزب الديموقراطي يوم 12/12/2023م إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بحاجة إلى تغيير تكتيكاته، لكن الأمر صعب في ظل حكومته المتشددة، مٌشيرًا إلى أن الدعم للحملة العسكرية الإسرائيلية يتضاءل وسط القصف العنيف على غزة. موضحًا أن أمام نتنياهو “قرار صعب يتعين عليه اتخاذه”. موضحًا إن “إسرائيل” بدأت تفقد الدعم في جميع أنحاء العالم.
وهذا لا يتناقض بالطبع مع تأكيداته الثابتة والمستمرة بأنه “سنواصل تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل حتى تتخلص من “حماس”، لكن علينا أن نكون حذرين – عليهم أن يكونوا حذرين. الرأي العام في العالم كلّه يمكن أن يتغير بين عشية وضحاها، لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك”.
وفي إطار الجدل التاريخي بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو نفى بالمقابل الحجج التي قال إنّ نتنياهو ساقها لتبرير قصف الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، ولا سيّما لجهة قوله إنّ قوات التحالف “سوّت بالأرض” ألمانيا النازية واستخدمت أسلحة نووية ضدّ اليابان خلال الحرب الأوربية (المسماة العالمية) الثانية. وأوضح بايدن أنّه قال لنتانياهو إنّه بعد الحرب العالمية الثانية تمّ إنشاء مؤسّسات دولية “للتأكّد من عدم تكرار ذلك مرة أخرى”.
ثالثًا: ماذا تقول مراكز الدراسات الإسرائيلية؟
أ-يقول مركز “استارتا” ASTARTAالإسرائيلي في تقرير حديث (8/12/2023م) ترجمه خالد سليم بعنوان حول السلطة الفلسطينية المُتجددة (Revitalized): التدويل، والترقية، والقضاء على التطرف أنه: يجب على “إسرائيل” تحويل شريكها السياسي من منظمة التحرير الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية!؟ وذلك لأسباب ذلك متنوعة، وتشمل، من بين أمور أخرى، القلق من أن “حماس”، حتى بعد الضربة التي ستتلقاها، ستسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية.
ويقول التقرير أنه في نهاية المطاف، يجب أن تكون السلطة الفلسطينية المتجددة ‘هيكلًا سياسيًا’، أي أن تكون منصّة تؤدي بشكل محتمل إلى نوع جديد من الاتفاقات الدائمة على المدى الطويل.
حيث تعزف الورقة على وتر التهجير ورفض دولة فلسطين بوضوح حين تذكر إن “وجود السلطة الفلسطينية المتجددة سيترك مجالاً للمرونة لمجموعة من الحلول الدائمة على المدى الطويل، والتي قد تشمل كونفدرالية مع مصر، أو صفقة إقليمية أخرى معها من شأنها زيادة مساحة الكيان الفلسطيني في ممر رفح وهي الطريقة التي ستسمح بتوطين اللاجئين في سيناء.”
ب- معهد واشنطن: ما هي الخطة للحكم بعد “حماس”؟
يطرح معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بقيادة دينيس روس وروبرت ساتلوف وديفد ماكلوسكي الصهاينة المؤدلجون (بتاريخ 17/10/2023م) في ضوء المباديء والتأكيدات المتعلقة ب”إسرائيل” هناك ضرورة تشكيل “إدارة مؤقتة” لحكم إوإدارة قطاع غزة ضمن “الفترة الانتقالية” التي يقترحها لسنوات ثلاثة ومؤكدًا بلا لبس أن المؤقت قد يصبح دائمًا!؟
وترتسم ملامح الخطة الأمريكية (التي هي مدار الحوار الحالي بالعالم)على 3 ركائز هي إقامة “إدارة مدنية”، و”جهاز للسلامة العامة/إنفاذ القانون” (تسمية جديدة للشرطة والأمن) يتم تسليمه لعدد من الدول العربية (مؤقتًا) وثالثًا تحالف دولي للإعمار تقوده أمريكا، وتدفع الأموال بكل وضوح وبشكل صريح -في التحليل للمركز/المعهد- كل من دولة الإمارات العربية المتحدة حيث وكما يقول أن” دولة الإمارات، التي هي شريك سلام مع “إسرائيل”، وتمتلك الموارد المالية الكافية لتكون جهة مانحة كبيرة”، والمملكة العربية السعودية! وكنا قد عالجنا هذا الطرح في مقال سابق مخصص ومنفصل.ولربما لهذا السبب وعلى وقع هذه الخطة قال نتنياهو بصلف ووقاحة وكأنه يعطي إملاءات تكرس حلمه بالهيمنة على المنطقة: أن كل من الدولتين عليهما تمويل إعادة الإعمار!

ج-معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب
ويعدّ هذا المركز الإسرائيلي من أهم 50 معهد عبر العالم في مجال الدفاع والأمن القومي وفي ترجمة لأبرز توصياته (وهذه التوصيات صدرت قبل 7 أكتوبر 2023م)، كما كتب مؤخرًا عبدالقادر بدوي من مركز مدار، أنها تحذر من (الانزلاق نحو “واقع الدولة الواحدة” التي لن تسمح لإسرائيل بالانفصال عن الفلسطينيين ضمن أي تسوية مستقبلية. وفي هذا الإطار، أكّدت التوصيات أن على “إسرائيل” الاستمرار بالتعامل مع كيانين فلسطينيين: السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وحركة حماس في قطاع غزة).
وكان التقرير قد ركّز على (الأحداث التي شهدتها محافظات شمال الضفة الغربية وتعاظم ظواهر “المقاومة المحلية” و”التشكيلات العسكرية” التي تسبّبت بموجة مواجهات مسلّحة مع “إسرائيل” تسبّبت في العدد الأكبر من القتلى الإسرائيليين خلال العقد المنصرم، وأنذرت بخطر اندلاع انتفاضة مسلحة واسعة في الضفة الغربية) كما يشير بدوي.
ويضيف التقرير أنه “أمام قطاع غزة، فلا بد من الحفاظ على التفاهمات القائمة، وبالتزامن مع ذلك، ضرورة تعميق دور مصر في القطاع، والتحضير لـ “حملة عسكرية” بهدف تحييد القدرات الإستراتيجية لحماس”
د- دراسة حركة “الأمنيون” في “إسرائيل”
أما حركة “الأمنيون” في “إسرائيل” وعلى ضعف وزن أوراقها مقارنة بمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب وحسب ترجمة عبدالقادر بدوي أيضًا فإنها تقول أن : (لا فرق بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر. ووفقًا لهذا المنظور لا بدّ لإسرائيل من العمل على الحدّ من “الفلسطنة” في حدود “أرض إسرائيل”، وهي بذلك ترى أن الصراع هو بين الفلسطينيين والصهيونية وتعيد الصراع إلى الجذور.)
وبشأن السلطة الفلسطينية تقول الورقة أنه : (يجب على إسرائيل تعريف السلطة الفلسطينية ككيان “إرهابي” وفرض عقوبات سياسية واقتصادية وقانونية حتى تقوم بإيقاف التحريض وتشجيع “الإرهاب” وتمويله علاوةً على ذلك، لا بد من فرض “السيادة الإسرائيلية” بشكل فوري على منطقة الأغوار باعتبارها الجدار الواقي لإسرائيل من الناحية الشرقية، وكخطوة أولى لأي تسوية سياسية محتملة لا بد من فرض “السيادة الإسرائيلية” على منطقة “ج” )
أما عن فصيل “حماس” في قطاع غزة (فتؤكد التوصيات الصادرة عن حركة الأمنيون على أن الوضع القائم في قطاع غزة لا يجب أن يتم التعامل معه كقدر، ولا بد لإسرائيل أن تتخذ سلسلة خطوات للانتقال من رد الفعل إلى المبادرة.)

تركيز وإجمال:
• من الواضح لدينا أن خطة دينيس روس وروبرت ساتلوف وماكلوسكي حول غزة وهي الخطة التي ترافقت مع العدوان الإسرائيلي-الامريكي الفاشي، هي مثار الجدل والنقاش الحقيقي، فيما كان المركز الذي ينتمي اليه الثلاثة السبّاق لطرح الخطة التي رآها بالطبع لمصلحة الإسرائيلي، وهي الخطة باعتقادنا التي يتجاذب الرجلان نتنياهو وبايدن –كما غيرهما-أطراف الحديث بشأنها في مناظرة على الهواء بعبارات منها ما يجذب شمالًا فيقتطف منها جزء، وبالاتجاه الآخر يقتطف أجزاء أخرى ولكنها قي جميع الأحوال بما يحقق مصلحة “إسرائيل”.
• من الواضح أن كلا الرجلين يعبّران عن شكلين من أشكال الصهيونية الاول هو الصهيونية الدينية الإقصائية المتطرفة التي فقدت كل احترام للقانون الدولي وكل احترام لوجود الآخر العربي عامة والعربي الفلسطيني، لذا فإن السعي الأساس مرتبط بثوابت نتنياهو مما نقرأه في تصريحاته العدوانية كعدوانه الدموي والشرس والانتقامي، ومن كتابه “مكان تحت الشمس”، وبما يتوافق جزئيا مع الخطوط العريضة لخطة معهد واشنطُن، وكليًا مع متطلبات المتطرفين، ومنهم ورقة حركة الأمنيون الإسرائيليون التي قالت بوضوح –بما يتفق مع تصريحات نتنياهو- أنه (يجب على إسرائيل تعريف السلطة الفلسطينية ككيان “إرهابي” وفرض عقوبات سياسية واقتصادية وقانونية حتى تقوم بإيقاف التحريض وتشجيع “الإرهاب” وتمويله). ومع مركز “استارتا” الذي يرفض منظمة التحرير الفلسطينية وينظّر للتهجير الى سيناء، عبر “السلطة” كأداة لتنفيذ ذلك.
• إن ذات اللغة العدوانية التي عبّر عنها نتنياهو –كما حركة الامنيون في إسرائيل-تظهر جليّة حين انفجر قائلًا أن (غزة “لن تكون حماسستان ولا فتحستان”. مضيفًا “لن أسمح بالعودة إلى خطأ اتفاقيات أوسلو” ) ما يؤكد تكرار سعيه الأصيل لإبقاء الشرخ الفلسطيني قائمًا من خلال كيانين منفصلين وضعيفين ومتقاتلين الى ما شاء الله.
• اتفق مركز دراسات الامن القومي (المعتدل) مع نتنياهو في قصة ضرورة إبقاء الكيانين الفلسطينيين المنفصلين، لكن مع تشدد من الأخير، فيما يتعلق بسعيه لاضعاف و اسقاط السلطة التي أصبحت الكيان الإرهابي بعد أن عرّف “حماس” كذلك، ويأتي ذلك بتقديرنا وبهذه اللهجة الحادة والمباشرة حين تبين لنتنياهو أن الحوار الدولي الذي قد يجمع على إقصاء حماس العسكرية (الإرهابية) يتفق أو يميل ميلًا شديدًا بالمقابل نحو وجود السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو الذي قد يؤدي لاختراق الخط الأحمر الكبير لدى نتنياهو والمتشددين الإقصائيين في حكومته أي أنه يفتح الباب واسعًا لتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة، ما لايبتغيه الرجل الذي يفتخر بالانتساب لجابوتنسكي وعقلية سحق الآخر بالقوة ثم مزيد من القوة.
• لا تزال فكرة الطرد والتهجير(بالضفة وغزة، وإن امكن بالداخل بكافة الوسائل) راسخة في عقل نتياهو، فهذه “أرض ميعاده الموهومة” من ربّه الضال الذي تأخر أكثر من ألف سنه ليسلمه إياها!؟ وهي فكرة راسخة مرتبطة بالقوة! إذ أن كل “النجاحات والانتصارات” التي يزعم تحقيقها في غزة هي “انتصارات” بحسب افتخاره وزهوه تجلت بقتل العدد الأكبر من الشعب الفلسطيني، ومحاولة تحطيم آمال أطفاله، وإرجاع قطاع غزة الى العصر الحجري، فيما هو سخط نتيجة عجزة من جهة أخرى، وحقد على كشفه وتخلي العالم عنه وحتى لدى عديد التيارات الإسرائيلية، إضافة الى انعدام القدرة العملية على تحقيق سحق الإرادة الفلسطينية القاضية بالانتقال الى اليوم التالي إي استقلال دولة فلسطين القائمة ولكن تحت الاحتلال.
• إن نتنياهو ذو جذور تناخية (التوراة وملحقاتها من أسفار) لا تميز الآخر وتسعى لشطبه أو قتله وطرده، وهو السعي المستقر مهما تغطى بعبارات مداهنة ظرفية، وذلك في ظل فكرة التفوق التي ورثها الرجل عن أبيه ومعلم أبيه متفاخرًا، لا سيما أن مركز دراسات الاستخبارات في 13/10/2023 كان قد نشر هو الآخر خطة للتهجير الى مصر بكل تفصيل وهو إضافة للسحق يمثل عقلية اليمين الإقصائي.
• بالعودة للحوار الصاخب والمناظرة بين الصديقين الصهيونين وهما نتنياهو وبايدن فمن الواضح اختلاف الطرح السياسي في ظل الأزمة الكارثية الحالية، رغم الاتفاق على ضرورة قوة “إسرائيل”، وهو ما يجب العمل (أي استثمار نقاط الخلاف) عليه فلسطينيا وعربيًا وأمريكيًا. إذ أنه نتيجة النجاح الحقيقي للدبلوماسية العربية الفلسطينية، والدبلوماسية الجماهيرية لشعوب أوربا وفي أمريكا، وللصمود الفلسطيني بالوطن بالضفة والقطاع والداخل، أن دفعت كل هذه العوامل باتجاه التغيير الذي عبر عنه الرئيس الامريكي (ويرفضه ويقاومة نتنياهو بصخب ودم) وهو التغيير الذي كان ليكون أسرع لو كان لفلسطين الصوت الواحد.
• ومع ذلك فإن الضغوطات على الإدارة الامريكية عالميا وبعد استخدامها حق النقض ضد العالم كله تقريبًا تضعف من مكانة أمريكا بالمنطقة وتؤذي مصالحها، وتوقظ سعيها للحفاظ على مكانتها الدولية في ظل العالم الجديد الذي يطل برأسه والذي قد يلقي بأمريكا جانبًا فلا تبقى الدولة الوحيدة والتنين والدب على رأس التلة.
• لا شك أن الرئيس الامريكي “بايدن” قريب من تطبيق خطة دينيس روس ورفيقيه الصهيونيين، ولا شك أن نتنياهو يتخذ مقعده في مركز “الممانعة والمقاومة” لهذا الخطة مادامت لا تحافظ على ثبات خط اليمين الذي عبر عنه بالتفوق والعنصرية والقتل والأبارتهايد والتهجير وحديثًا ب(الاستقلالية) عن أمريكا.
• يتمرد نتنياهو على حليفته أمريكا ويتحدى رئيسها، ويعلن أنه (مستقل) رغم أن أمريكا هي التي تقوم بالحرب فعليًا، إذ لولا دعمها المباشر لانهارت الحكومة وتغير الرجل في ظل مواقفه المثيرة للجدل سواء بعد 7 أكتوبر أو قبلها، وهو في تمرده الحالي بمناظرته على الهواء يعلن تفوقه على مؤسس دولة “إسرائيل” ديفد بن غوريون حين خضع لإملاءات أمريكا عام 1956 بينما هو (مهددّاً) لديه الخطوط المتاحة الأخرى خارج نطاق الإدارة الامريكية ما يشي الى ما سبق بأنه سيتدخل بمسار الانتخابات في أمريكا.
• مما سبق من الممكن أن ننظر للموقف الامريكي من زاوية الدجل السياسي والنفاق تجاه فلسطين وتكرار إعلانه عن بشرى الدولة الفلسطينية! بلا بشائر حقيقية، وممكن النظر اليه أيضًا بتفاؤل حذر من زاوية تهديد مقابل تهديد، أو طلب تغيير موجّه مباشرة لنتنياهو أو تحدي الى حكومته، وقد يعني أن بايدن وفي ظل سباق الرئاسة والضغط الداخلي والعالمي قد لايستخدم حق النقض لاحقًا في أي مطلب لوقف النار، وأيضا قد يُفهم تصريحه “الثوري” الأخير على أنه موجّه للقيادات السياسية الإسرائيلية أنه آن الاوان لتتحركوا بمواجهة “نتنياهو”!
• وفي الحقيقة نلاحظ أن الحوار الدائر اليوم ينحدر نحو شرعية اوإرهابية السلطة بمعنى توجيه الأنظار نحو هذا الأمر-على الأقل كما يضغط نتنياهو- فتتحول السلطة كما هي رغم “تجددها” باعتبارها المطلب، أو مجال النظر والتركيز السياسي، وليس حكومة الدولة الفلسطينية وليس منظمة التحرير الفلسطينية! كما قال مركز استارتا الإسرائيلي الذي يبدو أن نتنياهو وحتى بايدن، ينهلون من أفكاره أيضًا من مثل قوله (يجب على “إسرائيل” تحويل شريكها السياسي من منظمة التحرير الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية.)
• المستقبل لن يصنعه العقل الأيديولوجي الإقصائي مطلقًا مهما بدت له القوة العسكرية أوالمادية هي مجال الحل الأمثل، والعقل الاستبدادي المتفوق بالقوة المادية، أوالايديولوجية الفاشية الإقصائية هو عقل مآله الانهيار. لأن هذه هي حكمة التاريخ، فلا كيان أو دولة تستطيع أن تستمر وهي تحمل كل هذا الحقد والغضب والانتقام وإبادة الغير، وفكرة التفوق العنصري أو التميز مهما علا نجمها يومًا ما، ومهما كان حجم القوى الدولية التي تحميها، فلكلّ يوم آفل يوم جديد، وبعد كل ظلمة شمس ساطعة وفلسطين هي المشرقة بلا شك وبكل يقين وقرب اشراقها في يوم العدوان الطويل قد نستطيع تقصيره والوصفة معروفة.
14/12/2023م
https://bakerabubaker.net/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى