المقالات

الشعب لايطبق.. فيدرالية خارططة الطريق \ كتب الاعلامي د. باسم عساف

  

المنطقة العربية الوسطى ، والتي أطلق عليها منطقة الشرق الأوسط ، تغلي على وقع تسوية سياسية عسكرية ثقافية إجتماعية ، وعلى كل الصعد ، لإقامة شرق أوسط جديد ضمن خارطة طريق توصل الكيان اليهودي إلى الإستقرار والأمن والسلام ، على حساب تقسيم الدول المحيطة إلى دويلات وكانتونات ، وتفتيت الشعوب إلى أنظمة فيدرالية وسلطات وإدارات محلية مدنية ، على أساس ديني وطائفي ومذهبي ، حتى تبقى هذه الدويلات والشعوب بصراع دائم فيما بينها ، لتبقى الدويلة الدينية اليهودية هي الكبرى والوصية عليها ، والحاكمة بأمرها ، والمتسلطة على مسار خارطة الطريق ، التي تقود من خلالها العالم أجمع بعدما تكون قد إستولت ، من خلال التطبيع والترويع والتنويع ، على مقومات وإنتاج المنطقة العربية بمفهوم الشرق الأوسط الجديد ، وبالتالي تصبح الدولة الأولى في العالم مع هذه الغنائم غير المحدودة …
لذا فالكيان اليهودي وأتباعه ، إستخدموا كافة طاقاتهم العالمية ، إن عن طريق الدول الكبرى ، أو المنظمات الدولية ، أو الدول الصغرى والمنظمات المحلية لتُجيِّرها وتستخدِمَها بكل طاقاتها المالية والإعلامية والإقتصادية لأجل إنجاح خطة تنفيذ خارطة الطريق للوصول إلى شرق أوسط جديد ، وعليه طرحت أساليب كثيرة من خلال مفاهيم جديدة ، على كل الصعد التي تتوافق مع كيانات الدول والأنظمة ، أو مع المجتمعات والشعوب في المنطقة ، وكلٌ منها حسب الأنماط المتبعة والتقاليد الموروثة ، لتصبّ جميعها في قالب واحد يفيد الهيمنة الآحادية على المنطقة ، بمفهوم العالم الحُرّ المفتوح على بعضه البعض ، وعولمةٍ برأسٍ واحِدٍ يكون فكره من فكرة شعب الله لمختار …
هي فكرة إبتدأت مع إختراع كتاب التلمود ، الذي إعتمدوه بدل التوراة ، وفيه تعظيمٌ لهم بأنهم شعب الله المختار ، والأرض قد دانت لهم ، وقد عادت الفكرة للتطبيق بعد شتاتهم في الأرض ، من خلال نتائج مؤتمر بازل بسويسرا لقادة اليهود سنة /١٨٩٧ / وإقرار إقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين ، وقد تجسدت بعد مؤتمر لندن سنة /١٩٠٧ للدول الأوروبية السبع بدعوة من رئيس وزراء بريطانيا (باليرمن)والإتفاق على تقسيم المنطقة العربية وزرع الكيان اليهودي على النمط الأوروبي فيها …
لقد نفذت الفكرة حينما إنتصر الحلفاء على السلطنة العثمانية ، في الحرب العالمية الأولى ، وباتت فلسطين بيد بريطانيا بعد تقسيم إتفاقية سايكس – بيكو ، وإستقدام اليهود إلى أرضها وإقامة مستوطناتهم عليها وتشكيل عصاباتهم وتسليحها من قبل الإنكليز حيث إستطاعوا التقسيم الأول على أساس قومي عنصري للمنطقة ، بدءاً من فلسطين وزرع الكيان اليهودي فيها ، حيث باشروا بالمجازر التي شردت أهلها الذين نزحوا عن مستوطناتهم وسيطرتهم …
والجولة الثانية من التقسيم للمنطقة بعدما عظمت قوة أميركا على حساب بريطانيا بعد إنتقال عائلتي روتشيلد وروكفلر اليهودية من موطنها ببلدة يورك شمال بريطانيا ، وتأسيسها لمدينة نيو يورك في أميركا ، وعلى إثرها إشتعلت الحرب العالمية الثانية وكانت إتفاقية يالطا التي قسَّمت المنطقة العربية على أساس وطني وعشائري وقبلي ، فتشكلت الدول العربية بكيانات مصطنعة ومنها الكيان اليهودي على أرض فلسطين ، حيث تم تشريع ذلك بقرار دولي عبر الأمم المتحدة …
واليوم نشهد الجولة الثالثة من التقسيم لدول وشعوب المنطقة العربية تحت شعار ، الشرق الأوسط الجديد ، وفي ظل الحرب العالمية الثالثة المعلنة على الإرهاب فقط ، بأسلوب جديد يستخدم كل الوسائل والطرق المتاحة للهيمنة على المنطقة وفي مقدمتها الصراع المذهبي ، الذي يمكن أن يقضي على ما تبقى من وحدة المنطقة جغرافياً ومعنوياً وعقائدياً ونفسياً وفكرياً ، بحيث تفتح كل الجبهات على بعضها لتكون خليطاً من القومية والعنصرية إلى الوطنية والعشائرية ، إلى الدينية والطائفية والمذهبية ، فيكون التقسيم للأراضي ، والتفتيت للشعوب ، أسهل لهم ، والهيمنة والسيطرة عليهم أقسى وأمرّ …
من هنا وإستكمالاً وتحضيراً للوصول إلى تطبيق خارطة الطريق ، نجد معها التيسير والتشجيع للدعوات المشبوهة للتطبيع والتنويع ، في المبدأ والفكر تحت حُججِ ، الحرية والإنفتاح على الآخرين حيناً ، ومنها الشعوذة والنشاذ والإنحراف أحياناً ، ومنها المخالطة والمساكنة والمراوغة والإحتيال والمداهنة والمنافقة والكذب والرياء … وكل الأساليب الشيطانية ، التي يعتمد عليها ويبررها اليهود للوصول إلى غايتهم الكبرى في الهيمنة على العالم بدءاً من المنطقة العربية الوسطى عامة …
أما في لبنان اليوم وبعد التوصل إلى تقويض الدولة بكل مؤسساتها ، وحتى سلطاتها وأجهزتها ، لتبقى مؤسسة الجيش الذي يراهنون عليه بالتضييق والمناورة ليكون آخر المطاف الذي يسقط بأيدي ودعوات التقسيم بمفردات وتسميات مموهة : باللامركزية الموسعة أو بالفيدرالية ، أو بالإدارة المدنية ، والكانتونات …
وقد بات بشبه إجماع على عقد مؤتمر تأسيسي يفضي إلى نظام جديد للبنان أقله المثالثة من جهة ، والحياد من جهة أخرى ، وجميعها تصب بالتفتيت الطائفي والمذهبي ، وقد أجريت عدة إختبارات عليها ، كما حدث في عين الرمانة وفي صيدا وفي طرابلس ، وأفضحها ما جرى من تقديم الساعة أو تأخيرها ، ليكون لبناننا المتحضر ، غير لبنانكم المتأخر ، وقد نسخت من العقول شعارات : الوحدة الوطنية والعيش المشترك ولبنان بلد مالتنوع ، ومهد الحضارات المتحاورة فيه ليكون المثل والمثال في العالم…
هكذا تسير الأمور وتمضي المؤامرة على دول وشعوب المنطقة ، تحت مسميات التطبيع بدل الإستسلام ، والتنويع بالفيدرالية بدل التقسيم ، والإنفتاح المنحرف والديموقراطية التعددية بدل وحدة العقل والفكر والعقيدة ، والتطبيع بالنفوس ، أخطر وأعظم بكثير من التطبيع بالنصوص حيث الحرب النفسية المعنوية ، أخطر من الحرب العسكرية المادية…
وجميعها تصب في خارطة الطريق وشرق أوسط جديد لصالح الكيان اليهودي ، والحق أحق أن يتبع ، والطبع غلب التطبيع ، ومعها فإن الشعب لا يرجو ولا يطيق ، تطبيق فيدرالية خارطة الطريق …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى