المقالات

أسطول روسي على ساحل أبخازيا.. هل تمنع موسكو تمدد “الناتو” نحو القوقاز؟ \ بقلم: ناجح النجار – كاتب ومختص بالاقتصاد والشأن الدولي

يبدو أن العملية الروسية في أوكرانيا ستُغير من الخريطة أو الوضع الأمني في أوروبا عامة، ودول الشرق الأوروبي على وجه الخصوص، لاسيما بعدما انضمام فنلندا والسويد رسميًا إلى الحلف الناتو، إذ يحاول الدب الروسي إعادة ترتيب أوراقه من جديد، وخصوصًا بعدما تقدم الناتو على حدود روسيا خلال السنوات الماضية، لذا يحاول الكرملين إجبار الغرب على إعادة النظر في مواقفه، وتحويل “التعهدات الشفهية”، إلى اتفاق أمني مكتوب ومُلزم يضمن الأمن القومي الروسي.

ورغم الدعم العسكري الغربي اللامحدود لأوكرانيا، لكن يبدو من الصعب هزيمة أو قهر الجيش الروسي، بالطبع روسيا أُنهكت عسكريًا واقتصاديًا، ولكن يحاول بوتين في ظل دعم الغرب لكييف ترتيب أوراقه بعد تعرض القرم ومخزونات الذخيرة الروسية للقصف الأوكراني، وذلك من خلال إنشاء قاعدة عسكرية وأسطول بحري ضخم بالبحر الأسود في مدينة أبخازيا الانفصالية التابعة لأراضي جورجيا، لكن السؤال.. ما هى أهداف وتداعيات الأسطول على الأمن الأوروبي؟ وما هو موقف الغرب أو كيف ستكون ردّة فعله؟ وهل تنجح روسيا في وقف تمدد “الناتو” نحو دول القوقاز؟.

“أبخازيا” المُزمع انشاء بها الأسطول الروسي جوهر حديثنا في هذا المقال، فهى منطقة جبلية بحتة تقع في الطرف الغربي من دولة جورجيا تلك التي تقع في منطقة جنوب القوقاز، تفصلها جبال القوقاز من الشمال والشمال الشرقي عن روسيا الفيدرالية، ومن الجنوب والجنوب الغربي البحر الأسود، وجورجيا تقع في غرب قارة آسيا، يحدها من الغرب البحر الأسود، ومن الشمال روسيا، ومن الجنوب تركيا وأرمينيا، وأذربيجان من الشرق.

كما أن جمهورية أبخازيا هى منطقة متنازع عليها أعلنت استقلالها عن جورجيا عام 1991 مما نتج عنه الصراع الجورجي الأبخازي وهي جمهورية مستقلة عن جورجيا واقعيًا، بعدما أجبرت الجيش الجورجي على الانسحاب من المنطقة بعد حرب دامت لمدة عام مع الثوار الانفصاليين في عام 1993.

أهمية البحر الأسود

ولا يخفى على الأوروبيين والروس أن البحر الأسود يتمتع بأهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة لكل من روسيا وأوكرانيا، كما أن الدول الأخرى المُطلة عليه ومنها دول الناتو مثل: تركيا وبلغاريا ورومانيا، لديها هي أيضا مصالح حيوية في البحر الأسود.

ومنذ الحقبة السوفياتية، ويُشكل البحر الأسود أهمية استراتيجية لروسيا باعتباره الجناح الجنوبي لقوتها، حيث ظل وربما لا يزال نقطة انطلاق يمكن لروسيا من خلالها تعزيز نفوذها في البحر المتوسط والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا.

ووفق ما ذكره زعيم المنطقة أبخازيا لوسائل إعلام روسية منذ أيام قليلة، وبينما تكثف أوكرانيا من هجماتها على الأسطول الروسي في القرم، تعتزم البحرية الروسية إقامة قاعدة على ساحل البحر الأسود في منطقة أبخازيا الانفصالية في جورجيا،

وقال رئيس أبخازيا أصلان بجانيا، إنه ستظهر قاعدة دائمة جديدة لسلاح البحرية الروسية على ساحل البحر الأسود في هذه الجمهورية، مشيرًا إلى أنه تم التوقيع على اتفاق بهذا الشأن بين روسيا وأبخازيا.

وأعلن الرئيس أصلان توقيع بلاده اتفاقية مع روسيا في المستقبل القريب ستظهر قاعدة دائمة للبحرية الروسية في منطقة أوتشامشيرا في أبخازيا، مؤكدا أنه قام شخصيًا بتفقد إحدى السفن الصاروخية الروسية الصغيرة.

وقد تمت مناقشة خطط إنشاء قاعدة لسفن أسطول البحر الأسود مع أبخازيا في ميناء أوتشامشيرا الأبخازي في أوائل عام 2009. ولكن نشطت العلاقات بقوة بين روسيا وأبخازيا بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ففي الفترة من 21 أغسطس إلى 1 سبتمبر من العام الجاري، جرت تدريبات جوية عسكرية تكتيكية وخاصة مشتركة مع روسيا في أربع مناطق في أبخازيا.

ويأتي إعلان زعيم منطقة أبخازيا الإنفصالية إثر عدة هجمات استهدفت أسطول روسيا في البحر الأسود وأحرجت الكرملين؛ نتيجة الدعم الغربي والاستخباراتي لقوات كييف.

ويتصاعد التوتر بين روسيا والغرب بشأن الممر المائي المهم منذ يوليو الماضي، مع انسحاب روسيا من اتفاقية تضمن المرور الآمن لسفن الشحن من المرافئ الأوكرانية واليها على البحر الأسود.

ومن الملاحظ أن الهدف الروسي من الاتفاق هو زيادة القدرة الدفاعية لكل من روسيا وأبخازيا معًا في مواجهة تمدد الناتو في أوروبا الشرقية واتجاه القوقاز، ومن المعتقد أيضًا أن يستمر التعاون بين أبخازيا وموسكو خلال الأشهر المقبلة، لأنه بمثابة الحماية للمصالح العسكرية والاقتصادية، والأمنية أيضًا لكل من أبخازيا وروسيا.

كما توجد لروسيا قواعد عسكرية دائمة في أبخازيا وفي منطقة انفصالية أخرى مدعومة من موسكو هي أوسيتيا الجنوبية وقد اعترفت بهما روسيا كدولتين مستقلتين عقب حربها مع الدولة القوقازية في عام 2008.

قلق غربي جورجي

من جهتها، اعتبرت جورجيا الاتفاق انتهاكًا صارخًا لسيادة جورجيا وسلامة أراضيها، وقالت وزارة الخارجية في تبليسي في بيان لها “نعبر عن قلقنا لبيان نظام الاحتلال الروسي في سوخومي في ما يتعلق بإنشاء قاعدة عسكرية روسية أخرى على الأراضي الجورجية المحتلة”.

ومنذ سنوات تسعى جورجيا، الجمهورية السوفياتية السابقة، للانضمام الى الاتحاد الأوروبي في عملية تسارعت بعد حرب خاطفة مع روسيا في 2008.

ولكن تسبب الاتفاق الروسي الأبخازي في غضب وقلق الغرب، حيث عبّرت وزارة الدفاع البريطانية منذ أيام قليلة عن إن “أنشطة” أسطول البحر الأسود تُنقل بشكل متزايد إلى قاعدة بحرية روسية في الشرق.

الهدف من الأسطول الروسي الجديد؟

بالفعل قد تعرض الأسطول الروسي لعدة هجمات متتالية ومُوجعة من الجيش الأوكراني في ظل الدعم الغربي الكبير، بجانب القصف المستمر على شبه جزيرة القرم التي تقع على البحر الأسود، وكذلك التصدي له من الجيش الروسي، إلا أن كييف نجحت في إحداث خسائر لمخزونات الأسلحة والذخيرة الروسية في القرم، لكنه بالطبع فشل في الهجوم المضاد حتى الآن واعترف بذلك الجانب الأوكراني والغربي.

وبالتالي تحاول روسيا أن أن تجد مكانًا على البحر الأسود يصعب استهدافه بشكل مباشر أو متتالي من الجيش الأوكراني أو الغرب، لاسيما أن القرم تم ضمها لروسيا في عام 2014 بعد استفاء شعبي، وفي الوقت ذاته لا يمكن لروسيا أن تتخلى عن التواجد في البحر الأسود حيث الموانئ في تصدير المنتجات الروسية ومنها الحبوب.

خلاصة القول إذن، أن روسيا نجحت في فرض سيطرتها وهيمنتها على منطقة البحر الأسود في مواجهة الغرب، بهدف تقليل تمدد “الناتو” شرقًا وأيضًا في اتجاه القوقاز، حيث استحوذت موسكو على أكثر من 30% وفق تقارير دولية من سواحل البحر الأسود رغم امتلاكها حوالي 10% فقط من الخط الساحلي بحسب القانون الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى