الأخبار اللبنانية

الراعي: كل عمل حربي يهدف لتدمير مدن أو مناطق بسكانها جريمة ضد الله ومدانة بحزم

اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أن كل “عمل حربي يهدف، من دون تمييز، إلى تدمير مدن أو مناطق بما فيها من سكان، جريمة ضد الله وضد الإنسان ويجب إدانتها بحزم وبلا تردد”. وناشد مع الكنيسة “رؤساء الدول والسلطات العسكرية وكل حامل سلاح، أن يقدروا في كل لحظة مسؤولياتهم الجسيمة أمام الله والإنسانية جمعاء”، معلنا “أن السباق إلى التسلح جرح بالغ الخطورة في جسم الإنسانية، ويصيب الشعوب الفقيرة بشكل جائر لأنه يحجب عنها حاجتها بصرف المال على السلاح”.

ترأس الراعي قداسا احتفاليا من أجل السلام، دعت اليه جمعية أصدقاء مريم ملكة السلام، على مذبح الباحة الخارجية للصرح “كابيلا القيامة”، عاونه فيه لفيف من المطارنة والكهنة بمشاركة العديد من المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات من مختلف الطوائف المسيحية. وشارك في القداس إيفان دراغيسيفيتش، وهو أحد الشهود الثلاثة الذين يحظون بظهور السيدة العذراء ويتلقون منها الرسائل، عضو المؤسسة المارونية للانتشار سركيس سركيس، آمر فصيلة جونية في قوى الامن الداخلي الرائد طوني متى، وحشد كبير من المؤمنين من مختلف المناطق.

بعد الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة بعنوان “ها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال، لأن القدير صنع بي عظائم”، استهلها بالقول: “ها نحن مع جمعية “أصدقاء مريم ملكة السلام”، وبدعوة كريمة منها، نرفع الطوبى لمريم ونعظم الله مثلها، هو الذي صنع فيها وعلى يدها العظائم، على ممر الأجيال. لقد كرمناها وطوبناها في بداية هذا الإحتفال وتأملنا بفضائلها، بتلاوة مسبحتها المقدسة. والآن نلتمس شفاعتها فيما نقدم ذبيحة ابنها الخلاصية من أجل السلام في عائلاتنا والمجتمع والوطن والعالم، ونحييها مع الكنيسة بملكة السلام. وفي الختام نسجد للمسيح الرب الحاضر في سر القربان، وننال بركة نعمته لخلاصنا. ثم نعود إلى بيوتنا ومجتمعاتنا وأمكنة عملنا، لنزرع فيها سلام المسيح”.

أضاف: “إننا نحييكم جميعا، أنتم الذي تنتمون إلى جمعية “أصدقاء مريم ملكة السلام”، وتلبون دعوتها وتواكبونها في النشاطات الروحية المتنوعة التي ينظمها مكتب هذه الجمعية، شهريا وأسبوعيا، وفي الرحلات التقوية إلى مزارات السيدة العذراء ولاسيما إلى مديوغوريه حيث تجتذب ظهورات السيدة العذراء على أرضها، على جبل الصليب، مئات الألوف من المؤمنين والمؤمنات من مختلف أنحاء العالم. ما استدعى عناية الكرسي الرسولي فأنشأ لجنة كنسية لدراسة هذه الظهورات وقراءة رسائل السيدة العذراء، في إطار تصميم الله الخلاصي، وإصدار توجيهات راعوية بشأن الرحلات التقوية إلى مديوغوريه، من أجل تثبيت الإيمان المسيحي ونموه.
ويسعدنا أن يكون معنا، في هذا الاحتفال السيد إيفان دراغيسيفيتش، وهو أحد الشهود الثلاثة الذين يحظون بظهورات السيدة العذراء، ويتلقون منها الرسائل. وما زلنا نتذكر زيارة الأب يوزو زوفكو الذي زار لبنان سنة 1998، بدعوة خاصة من “أصدقاء مريم ملكة السلام”، والتقى سلفنا صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار نصرالله بطرس. والأب يوزو هو أول كاهن يشهد لظهورات مريم العذراء في مديوغوريه”.

وقال: “السلام هو الغاية من ظهورات العذراء التي بدأت في 25 حزيران 1981، ومن تكوين جمعية “أصدقاء مريم ملكة السلام”، منذ سنة 1996، كجمعية تنشر رسالة السلام من خلال عيش رسائل السيدة العذراء التي تعطيها في مديوغوريه. إننا نصلي لكي تنجلي حقيقة الظهورات ورسائل العذراء للجنة الكنسية التي أنشأها الكرسي الرسولي لهذه الغاية.
مريم ملكة السلام، هكذا تحييها الكنيسة في الطلبة المخصصة لها، لأنها أعطت العالم يسوع المسيح الذي هو أمير السلام، كما يسميه أشعيا النبي (32: 17)، والذي “هو سلامنا”، كما يقول بولس الرسول (أفسس2: 14). عند ميلاده أنشد الملائكة في سماء بيت لحم ميلاد “السلام على الأرض”. ويسوع نفسه أعطانا سلامه المختلف عن سلام العالم: “أعطيكم سلامي لا كما يعطيكم العالم، أعطيكم أنا” (يو14: 27)، وائتمنا عليه في إنجيل التطويبات كوسيلة تجعلنا أبناء لله: “طوبى لفاعلي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون” (متى 5: 9). نحن نلتقي الليلة لنلتمس من المسيح، بشفاعة أمنا مريم العذراء، عطية السلام، ونعمة الالتزام بنشره في العائلة والمجتمع والكنيسة والوطن”.

تابع: “السلام حاجة الإنسان والمجتمع. فلفظة سلام نفسها تعني الخيرات المادية والروحية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي يحتاج إليها كل إنسان لكي يعيش سعيدا وبسلام في بيته ومجتمعه ووطنه. ولهذا، السلام هو ثمرة العدالة (أشعيا 32: 7). من يمارس العدالة مقبول من الله لأنه يساهم في إحلال السلام. العدالة والسلام ينبعان من أمانة البشر لله ولإرادته. والسلام هو ثمرة الحب الذي يتعدى ما يمكن للعدالة أن تقدمه. فمن يحب يحترم كل إنسان وشعب وكرامتهما، ويمارس الأخوة تجاه كل الناس، ويحمي خيرهم، ويتبادل معهم غنى النفس والمواهب. والسلام ثمرة الحقيقة التي تحرر وتجمع، فيما الكذب والافتراء يرتهن ويستعبد ويفرق. والسلام ثمرة الانتصار على الخطيئة، لأننا بالإنتصار عليها ننتصر على العنف والتعدي على الآخر وعلى البغض والحقد.
وبالانتصار على الخطيئة ننتصر على الحرب (الكنيسة في عالم اليوم، 78). بهذا المفهوم الشامل للسلام، ندرك ونعي أن السلام يبنى كل يوم، ولا يمكن اعتباره وضعا يكتسب دفعة واحدة (المرجع نفسه). يبنى في كل مرة نعطي كل إنسان وشعب حقوقه الأساسية ونحترمها ولا ننتهكها. يبنى في كل مرة نحب إخوتنا بالقول والفعل ونساهم ونتعاون معهم ونتضامن. يبنى في كل مرة نقول الحقيقة ونبحث عنها بالحوار المخلص، وندافع عنها، نابذين الكذب والافتراء والاحكام المسبقة. يبنى في كل مرة نتصالح مع الله بالتوبة، ونغفر للآخر إساءته ونسامحه بطي الصفحة، ونعامل كل شخص كما نريد أن يعاملنا الآخرون”.

أضاف: “السلام يقتضي منا موقفا من الحرب. إننا مع الكنيسة نعتبر أن كل عمل حربي يهدف، من دون تمييز، إلى تدمير مدن أو مناطق بما فيها من سكان، جريمة ضد الله وضد الإنسان ويجب إدانتها بحزم وبلا تردد. ومع الكنيسة نناشد رؤساء الدول والسلطات العسكرية وكل حامل سلاح أن يقدروا في كل لحظة مسؤولياتهم الجسيمة أمام الله والإنسانية جمعاء (الكنيسة في عالم اليوم، 80). ومع الكنيسة نعلن أن السباق إلى التسلح جرح بالغ الخطورة في جسم الإنسانية، ويصيب الشعوب الفقيرة بشكل جائر لأنه يحجب عنها حاجتها بصرف المال على السلاح؛ وأن السباق إلى التسلح لا يشكل الطريق الأكيد للاحتفاظ بالسلام ولإحلاله سلاما حقيقيا وعادلا عندما تنفق ثروات مذهلة على صناعته وامتلاكه على حساب النمو الإنساني والاقتصادي والثقافي والاجتماعي (المرجع نفسه، 81).
ما الفائدة من الدعوة إلى السلام أو الكلام عنه، عندما نحتفظ بمشاعر العداوة؟ ونمارس الاستكبار والاحتقار؟ ونعيش الحذر من الآخرين؟ وننمي الأحقاد السياسية والفئوية والحزبية والمذهبية؟ ونعمل على الانقسامات بين الناس وافتعال الخلافات والعداوات؟ (المرجع نفسه، 82)”.

وقال: “نحن الذين في لبنان وبلدان الشرق الأوسط تسلمنا من يد قداسة البابا بندكتوس السادس عشر الإرشاد الرسولي: الكنيسة في الشرق الاوسط، شركة وشهادة، في شهر ايلول الماضي أثناء زيارته للبنان، نلتزم بما جاء في هذا الإرشاد حيث نقرأ: “السلام هو حالة الإنسان الذي يعيش بتناغم مع الله ومع ذاته ومع كل الناس والطبيعة. السلام هو في الداخل قبل أن يكون في الخارج. إنه نعمة. إنه توق إلى واقع أفضل في الحياة الإنسانية”. (الفقرة 9). ولذلك نقول بعضنا لبعض والمسؤولين عندنا: تعالوا نفتح قلوبنا لسلام المسيح الذي يشدد الضعيف والمظلوم والمستهدف، ويلين المستكبر والمستبد والظالم. سلام المسيح يزرع في القلوب التواضع والتجرد والمحبة والغفران. سلام المسيح يدعونا لنبحث بالحوار والتشاور عن الحلول لأزماتنا في العائلة والمجتمع، في الكنيسة والدولة. سلام المسيح يخرجنا من الاحكام المسبقة والاتهامات والتخوينات.
لقد علمنا بولس الرسول أن “المسيح هو سلامنا: ففيه أنتم الذين كنتم من قبل بعيدين، صرتم بدمه قريبين. لقد جعل الاثنين واحدا، وفي جسده نقض الجدار الفاصل بينهما، أي العداوة ليخلق الاثنين في شخصه إنسانا واحدا جديدا، بإحلاله السلام بينهما، وليصالحهما مع الله بالصليب. أجل، لما أتى المسيح أرضنا، جاء فبشر بالسلام البعيدين، وبشر بالسلام القريبين” (أفسس2: 13-17)”.

تابع: “ها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال، لأن القدير صنع بي العظائم” (لو1: 48-49). أجل، لقد صنع الله القدير العظائم في مريم وبواسطتها، إذ رفعها ملكة السلام. لقد جعل فيها سكناه في اللحظة الأولى من الحبل بها، فعصمها من الخطيئة الأصلية وملأها نعمة وحياة إلهية. وهي صانت نفسها بفضل هذا الحضور الإلهي فيها من كل خطيئة شخصية. فسماها الملاك جبرائيل عند البشارة “بالممتلئة نعمة”. ولما قالت “نعم” لكلمة الملاك وتصميم الله، أضحت هي السلام كإبنة للآب وأم للإبن وعروس للروح القدس. وبالميلاد، أعطت العالم من هو السلام نفسه، يسوع المسيح، الذي جمع بشخصه بين الألوهة والإنسانية، وبين الأرض والسماء. فكان سلامه كلمة الإنجيل الهادية، ونعمة الاسرار الشافية، والمحبة الإلهية المسكوبة في قلب الإنسان بالروح القدس. وبمشاركتها في آلام ابنها الخلاصية، وفي موته على الصليب فداء عن كل إنسان، زرعت ملكة السلام في العالم، مع ابنها أمير السلام، صليب السلام والانتصار على الخطيئة والموت، صليب الغفران والمصالحة، الصليب الذي يجمع بالشركة والمحبة، عموديا مع الله، وأفقيا مع جميع الناس.
وبانتقالها بالنفس والجسد إلى مجد السماء، حيث توجت ملكة السلام وسلطانته في السماء وعلى الأرض، رفعت البشرية من مستنقعات صغائر الأرض إلى سمو الكرامة الملوكية التي أشركنا بها المسيح الملك الحقيقي الأوحد، ومريم ملكة السلام هي علامتها الساطعة وأيقونتها”.

وقال الراعي: “في هذه الليلة المقدسة التي نجتمع فيها مع مريم ملكة السلام، حول ذبيحة المسيح الفادي أمير السلام، الذي هو سلامنا، نلتمس هبة السلام لوطننا ولمنطقة الشرق أوسطية، ونعلن التزامنا ببناء السلام كل يوم مع الله ومع ذواتنا ومع كل إنسان. ونقول:
– لا للحرب والعنف والإرهاب، بل نعم للسلام والحنان والرحمة.
– لا للظلم والاستبداد والاستكبار، بل نعم للعدالة والطمأنينة والأمان.
– لا للحقد والبغض والعداوة، بل نعم للمحبة والمسامحة والمصالحة.
– لا للانقسام والتباعد والتنافر، بل نعم للوحدة والتقارب والحوار.
– لا للاحتكار والاحتقار، بل نعم للمشاركة والاحترام.
– لا للاستمرار في الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل نعم للسعي ولوضع الحلول العاجلة والعادلة والمنصفة لها كلها.
يا مريم، يا ملكة السلام، احملي طلباتنا ونوايانا هذه إلى عرش ابنك ملك المجد، لكي يمطر علينا وعلى عالمنا عطية السلام، وليستعملنا لسلامه.
ومعك وبواسطتك نرفع نشيد التعظيم للآب والابن والروح القدس، إلى الأبد، آمين”.

وفي ختام القداس كانت شهادة حياة لايفان تحدث فيها عن ظهورات السيدة العذراء.
وكان قد سبق القداس صلاة المسبحة الوردية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى