المقالات

أهو القرار البلدي بالتأجيل … أم القرار الفيدرالي بالتعجيل \ كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت :

     *إن إقرار اللامركزية الإدارية في مؤتمر الطائف ، كان من المقررات التي أطفأت نار الحرب ، وأعادت للدولة دمها النقي ، الذي جرى في عروق اللبنانيين ، وأعطاهم النشوة ودفقت بهم المعنويات ، على أن لبنان يستطيع الطير بجناحين ، وأن الأمل بالعيش المشترك والوحدة الوطنية ، والتلاقي والتعاون والتضامن ، لبناء الدولة ومؤسساتها ، وكافة أجهزتها التي تلاشت وفرط عقدها ، خلال الأحداث المشؤومة وسنوات الإقتتال العجاف ، وقد أخذ اللبنانيون العبرة بأن الفتنة قد ولَّت ، وذهبت إلى غير رجعة ، خاصة مع إتفاق الطائف ونتائجه ، التي حظِيت بتوافقٍ دوليٍ وعربيٍ ولبنانيٍّ ، وتولَّت السعودية بالتعاون مع سوريا على تنفيذه من خلال حكومةٍ برئآسةِ الرئيس الشهيد رفيق الحريري ، الذي أطلق عليها شعار الإنماء والإعمار ، وإزالة آثار الدمار ...*
   منذ بداية مسيرته في حكومة الإنقاذ ، من بعد الطائف وحتى الإنفجار الكبير ، الذي ذهب ضحيته رجل العطاء والسخاء والرخاء ، والذي جَهِد لتطبيق بنود الطائف بحذافيرها ، ولكن الرِّياح العبثية ، جاءَت بما لا تشتهي سفن مسيرته وسفن كافة اللبنانيين ، الذين إنتظروا طويلاً بالنوايا الحسنة  والأعراف الطيبة ، التي تشجَّعت لترى الوطن يعود إلى سابقِ عهدِه بالزمن الجميل ، يوم كان محطَّ أنظار الشرق والغرب ، حيث إعتبره الجميع ، بأنه نموذج التلاقي الحضاري ، وإعتُمِد كمركزٍ للحوار بين الأديان ، ولكنَّ هذه الآمال ، قد تبخَّرت مع عملية إغتياله ، وضاعَت أيضاً عملية  تنفيذ مقررات الطائف بمجملها ، وأهمها اللامركزية الإدارية ، التي تعطي للبلديات ومراكز المحافظات سلطات ومسؤوليات وصلاحيات ، موسعة لكل منطقة من أجل النهوض بمشاريعها وإدارة مؤسساتها وتسيير شؤونها المحلية والشعبية ...
    *نحن نمر في المنطقة العربية ، ومنها لبنان ، في زمن السباق لتنفيذ خارطة الطريق ، وقد نكون نحن في الفصل الأخير ، من سيناريو هذه التسوية الدولية لشرق أوسط جديد ، وباتت ملامح صورته باديةْ للعلن ، من خلال تقويض الدول ومؤسساتها من الداخل ، حتى يفرُط عقدها وتنهار الواحدة تلو الأخرى ، كما حدث في العراق أو في سوريا واليمن ، وكماشاهدناه في ليبيا والسودان والصومال ، ومعظم البلاد التي شهدت ما يسمى ( الربيع العربي) ، حيث كرَّست أمريكا ثقلها وأموالها لتغذية هذه التحركات والإنقلابات ، لتأتي بأنظمةٍ تتوافق مع درب خارطة الطريق ، التي ترتكز على تفتيت مؤسسات الدول ، وقيام كياناتٍ على منوال الكيان اليهودي ، إثنياً وطائفياً ومذهبياً وعنصرياً ، وهذا ما نشهده في لبنان حالياً ، من دعواتٍ تتجه نحو هذا الهدف ، وتتخذ لها تبريراتٍ في الرؤيا والفكر والثقافة ، والغاية من وجود لبنان ودورهم فيه ، لذا بات طرح الفيدرالية وكانه من الواجبات الطائفية والمناطقية ، التي تتميز بنمط عيشٍ لا يتوافق مع مناطق أخرى ، ويريدون تكريس ذلك في برامج وإعلاناتٍ ودعواتٍ لقيام تلك المناهج إعتماداً على تطبيقاتٍ في بلدان عديدة تنتشر في العالم ....*
   إنطلق ذوي الغايات السوداء من مبدأ اللامركزية الإدارية ، ثم تمادوا بالفكرة ، ليطرحوا اللامركزية الموسعة ، ومهدوا لها بقانون الإنتخاب ، المبني على القوائم المقفلة ، التي تعتمد الحاصل الإنتخابي والصوت التفضيلي للمرشحين ، من أجل حَلِّ العقدة المذهبية ، ووجود مخرجٍ للتناسب مع فارق الأعداد للأصوات من الفئآت الأخرى ، التي قد تجتاح صناديق الإقتراع ، والإستفادة من مبدأ المناصفة ، إلى أن وصلت بهم الحال إلى السيطرة على مفاصل مواقع القرار ، وباتت الفيدرالية تحصيل حاصلٍ في التسوية الجديدة بلبنان كما في المنطقة ...
   *وقد باتت أكثر من فئة جاهزة للقبول بهذا الطرح ، خاصةً من بعد حرب غزة ، ودخول لبنان في أتونها عبر الحدود الجنوبية بفعل قرارٍ فئويٍ ، وربما طائفيٍ ، قد أثار حميَّة طوائف أخرى ، مما عزَّز فكرة ودعوة الفيدرالية لغاياتٍ في نفس يعقوب ، أو كما قال موس عن عصاه : ( ولِيَّ فيها مآرب أخرى ) ...*
    إن ما جرى مؤخراً في مجلس النواب ، من تمديدٍ ثالثٍ للإنتخابات البلدية والإختيارية في لبنان ، ولأسباب واهية بل تافهة ، على الصعيد الوطني ، أو لحاجة المواطنين إلى بلديات فاعلة وعاملة على تحسين أوضاعهم ومشاريعهم التنموية ، وأنشطتهم النهضوية ، التي ترفع شؤونهم الحياتية والإقتصادية ، وأيضاً السياحية ، للكثير من المدن والبلدات اللبنانية ، التي يَبني أهلوها وسكانها أسُسَ عيشِهم على هذه المواسم ، التي باتت مهمّشة بفعل ترهُّل بلدياتها ، وخلافات أعضائها أو إستقالات العديد من مجالسها ، وحرمان الأهالي من أي تفعيل لأعمالها وصلاحياتها ومشاريعها ، خاصةً وأن البلديات لها من الأهميَّة ، التي تلامس حاجات ومطالب المواطنين مباشرة ، وتشغيل مؤسساتهم ، وتحريك العجلة  الإقتصادية ، لكل مدينة وبلدة وقرية لبنانية ، إضافةً إلى مهام ومسؤوليات المختارين فيها ، لتسهيل وتسيير معاملات وحاجات المواطنين في كل واحدة منها ، وما لهم من دورٍ وطنيٍ أيضاً في الإصلاح ، وحلِّ العديد من المشاكل المحلية الشعبية والرسمية...
     *مع كل هذه الأهمية للإنتخابات البلدية والإختيارية ، وتجديد روح العمل والنشاط وتفعيل المجالس المهترئة ، أو النافقة على درب الخلافات ، أو المتشاكسة سياسياً وعشائرياً وعائلياً وطائفياً ، فإن الإنتخابات تعيد لها دورها وقدرها ووزنها لتعيد النشاط والبسمة لأهاليها ، والحركة لمنتطقها ، لتعود إلى مسيرة الإنماء والإعمار و على المستوى الديموقراطي والتنافس الحضاري ، دون سلوك مسرى المزارع وطرش الماعز ، أوشراء الذمم وإستغلال الأزمات المالية ، التي تسببوا بها ليستغلوا حاجات الأهالي بدريهمات وضيعة على قدر مستواهم...*
       إن الإتجاه نحو التسويف لدور البلديات ، والتأجيل للإنتخابات ، ليس ذلك من باب الإهمال ، ولا من باب التبريرات الواهية ، خاصةً وأن العديد من قيادات المنظومة السياسية ، تتشدَّق بأنها تكسب البلديات ومجالسها كيفما كانت ،  وهي تحت البنديرة منذ سنوات ، ولا فرق عندها بالإنتخابات أم بالتمديدات ، وقد تناست أن العديد من البلدات ، تقع أتون الأزمات ، وهي مقيدة بالخلافات ،  ومجمدة فيها المشاريع والإنشاءآت ، وهي تلفظ أنفاسها حتى الممات ، ولم نجد معها أي إقتراح يمرر مع التمديد لإنقاذ هذه البلديات ، فهم يتطلعون إلى مصالحهم الخاصة ، وليس مصالح المواطنين ، الذين أولُوهم ثقتهم ، ليكونوا نواباً عنهم للتشريع والدفاع عن حقوقهم بالعيش الكريم ، ومصالحهم تقضي بالتربع على العروش والكراسي ، وتمرير كافة ما يُملى عليهم من الأسياد ، الذين يُلهمونهم بما يتماشى مع خارطة الطريق ، وما يتناسب مع التسوية بالمنطقة على درب الكيانات الطائفية والمذهبية ...
      *والفيدرالية معها هي العنوان الكبير ، الذي يتلطون خلفه للوصول إلى غاياتهم السوداء ، فما لهم من البلديات التي توجع رأسهم و وتقض مضاجعهم ، وتهدر أموالهم وحساباتهم ، وحين تتحقق أهدافهم بالفيدرالية ، يهبُّون لرفع السواتر والدفاع عن مراكز القوى و التي يتنافسون عليها بالهيمنة على كياناتهم أو غنائمهم منها ، حيث نطاق رؤيتهم إلى منتهى أنوفهم ، حيث عمى' البصر ، قد حدَّ من بصيرتهم ، لذا كانت رؤياهم وتحالفهم على القرار البلدي بالتأجيل ، تمهيداً وإنتظاراً للقرار الفيدرالي بالتعجيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى