الأخبار اللبنانية

أنطوان حداد في قراءة استراتيجية للذكرى الثامنة لانتفاضة الاستقلال “14 آذار الرسمية” متعثرة لكن “14 آذار الشعبية” ما زالت حية وراهنة

أكدّ أمين سر حركة التجدد الديموقراطي د. أنطوان حداد أن حركة التجدد لم تعد منذ 2009 عضواً في “قوى 14 آذار” الرسمية، لكنها من الأعضاء المؤسسين لهذه الحركة وما زالت تعتبر نفسها معنية بأهدافها الإستراتيجية وبـ”الطبعة الأصلية” لـ14 آذار، موضحاً أن هذه الحركة الشعبية الواسعة التي عبرت عن نفسها بشكل عفوي يوم 14 آذار 2005 تم اختصارها مع الوقت بـ”14 آذار” مؤسساتية أو حزبية هي أقل بكثير من حجمها الطبيعي والأصلي، والتي همشت أو تخلت مع الوقت عن العديد من مكوناتها وخصوصاً تلك العابرة للطوائف والتي كانت تعطيها شرعيتها المدنية والديموقراطية والحداثوية.
وأشار حداد في قراءة استراتيجية للذكرى الثامنة لانتفاضة الاستقلال الى أن قوى 14 آذار تعرضت لانتكاسات عدة، أولها كان بعد أسابيع من إنشائها مع الاتفاق الرباعي الذي شكّل تسوية سمحت لحزب الله وحركة أمل باحتكار التمثيل الشيعي على حساب الخيارات الأخرى الموجودة داخل الطائفة الشيعية والتي كان لها إسهام أساسي في انتفاضة الاستقلال وفي التحضير لتلك الانتفاضة، مما شكل ضربة قاسية لـ14 آذار التي باتت في مواجهة تمثيل شيعي محتكر من قبل تنظيمين مرتبطين بمشاريع إقليمية.
وأضاف أن الانتكاسة الثانية كانت مع حرب تموز 2006 التي تمكن حزب الله عبرها ومن خلال استدراج عدوان إسرائيلي واسع النطاق على لبنان من تغيير قواعد اللعبة وتصويرها كأنها انتقال من انتفاضة شعبية ضد الوصاية السورية ومن اجل بناء الدولة الى انقسام وطني على مواجهة العدوان. وهذا بالطبع غير حقيقي، لكن حزب الله نجح في ذلك نتيجة إمساكه بورقة التمثيل الرسمي للطائفة الشيعية.
ورأى أن التعثر الثالث لقوى 14 آذار، وهو الى حد ما وليد ما سبق، تمثل في عدم إقدامها على انتخاب رئيس للجمهورية مع أنها كانت تملك الأغلبية النيابية، ما أدخلها في تسوية سلمت فيه أنها تستطيع الإتيان بالأغلبية النيابية ولكنها لا تستطيع أن تحكم. وقد تكرر هذا الأمر بعد توقيعها اتفاق الدوحة الذي ينسف جوهر الديموقراطية إذ يعطل نتيجة الانتخابات، مما أبقى الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي والثلث المعطل للحكومة في قبضة حزب الله، كما شرّع بقاء سلاح حزب الله خارج كنف الدولة تحت غطاء ما يسمى “الجيش والشعب والمقاومة”.
وأوضح أن التعثر الرابع لقوى 14 آذار هو التخلّي تدريجاً عن القوى المدنية والمستقلة والعابرة للطوائف، والذي تجلى بوضوح في صفقة توزيع المقاعد النيابية في انتخابات 2009 بين المكونات الحزبية. أما التعثر الخامس والأكبر، في رأيه، هو ما نشهده اليوم من اختلاف جذري في الرؤية والطروحات بين أحزاب 14 آذار حول قانون الانتخاب.
وأشار الى أن حركة 14 آذار بالمعنى الشعبي لم تنته صلاحيتها كما يتردد، لأن القضايا والتحديات والأهداف الأصلية التي قامت من أجلها ما زالت راهنة وحية وقائمة وتواجه اللبنانيين في كل مفصل من حياتهم اليومية. هذه القضايا هي باختصار: بناء الدولة، الحياد الايجابي للبنان، حماية الديموقراطية، وحماية لقمة عيش اللبنانيين. وستبقى فكرة 14 آذار حية وضرورية الى حين استكمال تحقيق هذه الأهداف.
وأوضح حداد أن أسوأ مرحلة تعثر شهدتها 14 آذار كان في مشكلة قانون الانتخاب، وكان يفترض على هذه القوى أن تتنبه الى أن مهندسي مشروع “اللقاء الارثوذكسي” كان هاجسهم التفتيش على تأمين حصة أكبر في التمثيل وليس تصحيح التمثيل المسيحي، والبرهان هو هذا الانتقال البهلواني من مشروع اللقاء الارثوذكسي الى مشروع “لبنان دائرة واحدة” الذي لا يبقي شيئا من صحة التمثيل وفقاً للمنطق الطوائفي نفسه الذي يروّج له مهندسو “الارثوذكسي”.
وأضاف أن ان الفكرة البسيطة التي يطرحها مشروع اللقاء الارثوذكسي لا شك تخاطب عواطف المسيحيين بطريقة فعالة وشعبية وجاذبة للأصوات، لكن الحزبين المسيحيين الأساسيين في قوى 14 آذار، أي القوات والكتائب عودانا تحدي الصعوبات وقيادة الرأي العام وليس الانقياد وراء الموجة الشعبية عندما تكون خاطئة وتقديم التضحيات كتحمل مشاق السجن والنفي والاستشهاد في سبيل ذلك.
ولفت في المقابل الى انه كان على تيار المستقبل، وهو الطرف الأكبر والأقوى في 14 آذار، أن يتنبه باكراً لهذه الإشكالية والمبادرة الى تقديم مبادرة إصلاحية جذرية حول قانون الانتخاب تتصدى لإشكالية صحة التمثيل وتحافظ على وحدة لبنان وفلسفة 14 آذار. لماذا لم يقدّم الرئيس سعد الحريري مبادرته الشاملة الأخيرة منذ 6 أشهر؟ لو فعل لكان لها وقع شديد الايجابية والفاعلية.
ورأى حداد أنه بالنسبة الى مهندسيه، فإن “المشروع الارثوذكسي” قد لا يكون غاية بحد ذاته، بل هو عصا غليظة تستخدم للضغط على المعارضة للوصول أما الى قانون يؤمن ربح الانتخابات لفريق 8 آذار أو لعدم إجرائها وإبقاء الوضع القائم حالياً والحكومة الحالية. وفريق حزب الله واضح في موقفه: اما انتخابات له الغلبة فيها أو لا انتخابات. وأضاف أن أولوية حزب الله حالياً ليست الوضع الداخلي اللبناني بحد ذاته الا بمقدار ما يؤمن له الإمساك بمفاصل السلطة وتغذية مقومات الحرب التي يخوضها الى جانب النظام السوري، داخل سوريا وخارج سوريا، سواء على الجبهة الداخلية اللبنانية أو في المحافل العربية والدولية. من هنا مبادرته الى تقديم الدعم المفتوح لوزير الخارجية في موقفه الداعي الى إعادة النظام السوري الى مقاعد الجامعة العربية، وذلك بالرغم من الإحراج الشديد الذي يشكله هذا الموقف بالنسبة الى الرئيس نجيب ميقاتي.
وأكد حداد أن الأولوية المطلقة في هذه المرحلة بالنسبة الى اللبنانيين وبالنسبة الى المصالح العليا للبنان هي منع انتقال العنف الدموي من سوريا الى لبنان. وهذا لن يتأمن الا عن طريق حكومة حيادية تعمل تحت رعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان ومؤلفة من كفاءات وطنية مؤمنة بحياد لبنان وقادرة على تفعيل الاقتصاد وحماية لقمة عيش اللبنانيين والموسم السياحي وغيرها من مقومات البقاء والصمود، وقادرة على الإشراف على انتخابات حرة ونزيهة وتنافسية تنقل لبنان الى بر الأمان وتحافظ على الديموقراطية وارث تداول السلطة الذي تميّز به لبنان.
بيروت، في 14 آذار 2013

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى