المقالات

الفرق بين التدمير والتتبير : محمد أسوم

في سورة الإسراء في آية وعد الآخرة حيث سيكون دخول عباد الله المسجد الأقصى فاتحين قال تعالى :
(( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ))

وقفت أمام هذه الآية أتدبرها بعمق ..وأتساءل : لماذا قال الله : ((وليتبروا )) ولم يقل ((وليدمروا ))

■■ ذهبت إلى معاجم اللغة فوجدت أن معنى تتبير هو التدمير الكامل مع الهلاك والتفتيت
ومعنى كلمة تدمير الخراب الشامل وليس بالضرورة أن يكون فيه الهلاك ..
لكن عند مراجعة القرآن نرى أن الله استخدم ((تدمير)) و((تتبير)) مع القوم الذين أهلكهم ..
فأدركت أن ضالتي ليست في معاجم اللغة …إنها في القرآن نفسه

■■ تتبعت كلمة تتبير في القرآن فوجدتها تكررت أربع مرات :

  • في هذه الآية مع بني إسرائيل في المسجد الأقصى
  • مع القوم الذين مروا بهم بنو إسرائيل فوجدوهم يعكفون على أصنام لهم فطلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة فقال لهم :
    ((إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ))

مع قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس الذين أهلكهم الله :
((وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا ))

وفي دعاء نوح عليه السلام على قومه :
(( ولا تزد الظالمين إلا تبارا ))

■■ ثم تتبعت كلمة تدمير في القرآن الكريم فوجدت أن الله استخدمها في مواضع عدة مع القوم الظالمين والفاسقين

((وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا ))

مع فرعون وقومه :
(( ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ))
((فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا ))

مع قوم لوط :
((ثم دمرنا الآخرين ))

مع قوم صالح الذين كانوا يتآمرون على قتله :
((فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ))

عن الريح التي هبت على قوم عاد :
(( تدمر كل شيء بأمر ربها ..فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ))

■■ وجلست أقارن بين الآيات التي وردت فيها كلمة تتبير ، والآيات التي وردت فيها كلمة تدمير

لفت نظري أن الله تعالى ذكر التتبير والتدمير مع كل الأقوام إلا مع قوم لوط ومع فرعون …..

قوم لوط … وفرعون وجنوده …خصهم الله تعالى بلفظ التدمير دون التتبير ..

ولفت نظري أن الله تعالى استخدم كلمة ((تتبير )) مع قوم نوح ولم يستخدم كلمة تدمير ..مع أن الطوفان يدمر كل شيء

■■ من خلال هذه المقارنة عرفت الفرق بينهما

التتبير هو الدمار والتفتيت والهلاك للبنيان والإنسان ولكل ما يتعلق به من معتقد وعبادة وثقافة وفكر وسلوك

اما التدمير فهو الخراب والهلاك للبنيان والإنسان مع إمكانية بقاء ما يتعلق به من معتقد وعبادة وثقافة وفكر وسلوك ..

■■ ولنأت إلى التفصيل
قوم نوح وعاد وثمود ماذا بقي منهم ؟؟
هلكوا جميعا …دمرت قراهم …واندثرت ثقافتهم وأفكارهم وأصنامهم …
فبعد هلاكهم لا يذكرون إلا للعبرة والاتعاظ لما حصل معهم
وقد تأتي اقوام تشبههم في مسلك من سلوكهم ..لكن لا أحد يقول عنهم هؤلاء نوحيون أو هوديون أو صالحيون ….
لقد تبرهم الله تتبيرا …

أما قوم لوط ..
فقد هلكوا جميعا ..ودمرت قراهم …لكن الشذوذ بقي واستمر ..
وهم مصدره في التاريخ ..وهو ينسب إليهم في كل زمان …
فها نحن اليوم نعيش عصر الشذوذ والنسوية بامتياز …وكأن قوم لوط بعثوا من جديد.. ونحن جميعا نصفهم باللوطيين …

وفرعون وجنوده …أغرقهم الله …لكن التأله والاستبداد والظلم واستعباد الشعوب بقي واستمر …
ونحن نعيشه في أيامنا في كثير من دولنا
وكل مستبد في أيامنا نقول عنه فرعونا ..لأنه اتخذ من فرعون قدوة وأسوة له في الاستعلاء والطغيان والظلم وارتكاب المذابح والاستخفاف بالشعوب واستعبادها ..
لذلك كان التعبير بالتدمير هو الأنسب مع قوم لوط ..ومع فرعون وجنوده ….

■■ بنو إسرائيل قضى الله عليهم في الكتاب أنهم سيفسدون في الأرض مرتين وسيعلون علوا كبيرا
(( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ))

ونحن نعيش مرحلة الإفساد والعلو الثانية لهم ..

و الله تعالى كتب عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ..
ولأنهم يعلمون ذلك ..عملوا على ضمان حبل الناس الذي يمدهم بكل أنواع المدد…
فبنوا المنظومات المالية والإعلامية والأمنية والسياسية .. في أغلب دول العالم وخاصة الدول التي تصف نفسها بالعظمى ….

من خلال هذه المنظومات يتحكمون بالقرار الدولي …ويضلون الشعوب ويغرقونها بالرذائل والفوضى والفتن والحروب

فهذا إفسادهم وعلوهم في الأرض …

وبنفس الوقت ..بنوا ترسانتهم العسكرية لإحكام قبضتهم على فلسطين ومسجدها .. وإرهاب كل من تسول له نفسه محاربتهم …

عندما يحين وعد الآخرة …يقوم عباد الله بتدمير منظوماتهم كلها ..وتدمير ترسانتهم العسكرية ..وإساءة وجوههم ..والتنكيل بهم …
سينهار كل ما بنوه تماما …ولن يبقى لهم تأثير …ولن يجدوا لهم وليا ولا نصيرا …
وستنتهي دولتهم إلى الأبد ولن تقوم لهم قائمة من بعدها …

سيحاولون …لكنهم لن يفلحوا ..فالله تعالى قال لهم :
((وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ))

ستطوي البشرية عصر الصهيونية وكل ما يتعلق بها إلى الأبد …
وهذا هو التتبير

اليوم مع طوفان الأقصى نرى أن التتبير لكيانهم ومنظوماتهم الدولية ومنظومة جواسيسهم العربية قد بدأ ..بل قطع شوطا كبيرا …
وما نراه من وعي الشعوب الغربية ليس إلا مظهرا من مظاهر تتبير منظوماتهم التي أحكموا بها القبضة على العالم كله …

بإذن الله لاحت غيوم التتبير السوداء لهم …
وبإذن الله سندخل المسجد قريبا فاتحين …متبرين ما علو تتبيرا …ومكبرين الله في أرجائه تكبيرا

                #التاج_المنير_من_جواهر_التفسير                      محمد أسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى