المقالات

الأموال العربية … بإستراتيجية غربية…
:*كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف

مع تقادم الأيام ، ومنذ فجر التاريخ ، حيث كان التبادل التجاري يعتمد على المقايضة والإستبدال بين المواد الإستهلاكية أو الغذائية أو بين الحاجات المطلوبة لصالح البائع أوالشاري ، أو بين المتعاقدين بالتجارة المتبادلة ، إلى أن تحول التبادل في بعضه إلى تقدير القيمة بالذهب أو الفضة ، التي إكتشفت بأنها ذات قيمة معدنية غير متعرضة للتلف والتغيير ، ولذا كان لها تقدير رقمي معتمد من التجار ثم من الحكام ، كلٌ منهم حسب نطاق سلطته أو مسؤولياته على قومه أو عشيرته أو على شعبه فيما بعد ظهور المجتمعات المنظمة ، وإعتماد العقد الإجتماعي …
من هنا ، بدأ الحكام على أي مستوى منهم ، أن يضرب القطع المعدنية على إسمه أو صورته عليها ، وباتوا يتداولون بها على مستوى قيمتها من الذهب أو الفضة ، فيما بدأت الكتلة النقدية تظهر مع التجار أو مع الحكام الذين كانوا يحتكرونها لسلطتهم للتحكم بالبلاد والعباد ، خاصة لجهة تطويع الناس وتقييدهم بحكمهم ، أو كما يقال اليوم : أن يكونوا من الموالين للحكم…

إستمر التبادل التجاري ، ومبدأ السلطة بالمال ، سارياً على هذا المنوال ، حتى إختراع المطبعة وتطورها في طباعة الأوراق النقدية بدل القطع المعدنية ، التي تساوي قيمة ذهبية معينة، لتتحول هذه القيمة إلى وحدات نقدية ورقية ، إستطاع الحكام أيضاً إلى إحتكارها …
مع هذا التطور الجديد ، بدأت البنوك بالظهور للتحويل وللتمويل ، وللتبادل النقدي الورقي ، وإحتسابه على قيمة الذهب ، فأعتمدت البنوك المركزية الخاصة ، قبل إعتمادها لدى الدول التي إحتكرتها فيما بعد ، لأجل التحكم بالسلطة ، والهيمنة على التجارة العامة ، خاصة من بعد ظهور الثورة الصناعية والحاجة إلى المواد الأولية الموجودة في أراضي الغير ، مما شجع ذلك على الإحتلال الذي أطلقوا عليه الإستعمار ، وتشغيل اليد العاملة من سكان تلك البلاد من خلال الإستعباد لهم ، ومن ثَمُ التحرير بالإستخدام …
على أساس ذلك ، بدأ التنافس بين المستعمرين ، بالتوسع لإحتلال أراضٍ غنية بالذهب أو المعادن الصناعية، وبالتالي زيادة إصدار العملات الورقية ، لكل دولة من الدول وفق أهواء حكامها وخططهم الصناعية والتجارية وغيرها ، إلى أن تطورت العملات الورقية إلى أسهم في الشركات ، وثم إلى سندات وكمبيالات ، وبعدها إلى شيكات المصارف التي تعددت بعد سياسة الإنفتاح على الأرصدة في حساباتٍ خاصةٍ بالبنوك ، وبالتأمين عليها لتكاثرها بالإستثمار الربحي والفوائد ، التي تشجع المدَّخرين ضمن سياسة التسويق وإغراءآته ، حتى باتت هي الأساس في التبادل التجاري والحركة الإقتصادية المرهونة إلى الحكام من خلال التسعير في المصارف المركزية…
من خلال هذا العرض التاريخي والتكتيكي للعملات ، وتسييرها وتحريكها بين الدول والشعوب في العالم الواحد ، إذ باتت العملات تحدد إتجاهات الهيمنة الإقتصادية والسياسية من خلال ما أوجدوه ، كصندوق النقد الدولي ، أو من خلال منظمة التجارة العالمية ، أومنظمات أخرى تتحكم بتسعير الذهب والفضة ، وأيضاً العملات على إختلافها ، وقيمة المعادن والنفط والغاز وخلافه أيضاً ، التي تندرج في تحديد القيمة النقدية ، والتي باتت تعتمد على العملة الرقمية من بعد ثورة الأنترنيت والتبادل التسويقي عبر الكومبيوتر وحركة شبكات التواصل ، حيث فاقت سرعتها لسرعة الضوء ، ووصل التعامل بها على مبادئ السرعة الرقمية ، إذ وصلت شبكتها إلى /5G و/6G مؤخراً…
وهذا التحول سيجعل من النقد العالمي ، هو النقد الرقمي الذي يلغي كل المعادن والأوراق والسندات والشيكات والأسهم ، للتحكم من جديد بيد عصبةٍ من المحتكرين ، يحركون المال في العالم وكل ما يتعلق به ، ليصب في مخططاتهم بالهيمنة على العالم والتسلط على الشعوب ، بحكم الرأس الواحد من خلال تشفير العملات ، والعمل من خلالها فقط ، وأيُّ نمطٍ آخرٍ من التبادل النقدي ، أو التجاري ، أو الإقتصادي ، من دون رصيد أو إدخار متداول ، اللهم إلا إذا أعيدت التجارة إلى سيرتها الأولى بالمقايضة أو الإستبدال ، وهذا مستحيل …
ومن هنا تكمن العلة في المواجهة المالية ، والمعكوسة على المواجهة السياسية والعسكرية والإقتصادية بين الحقوق المطلوبة للشعوب ، والباطل المحتكر والمستبد بهم ، لذا فإن نمو الثروات بالإحتكار والتحويل ، على عكس توزيع الثروات بالنمو والتمويل ، فالأولى تقضي على البشرية وحرية عيشها الكريم ، والثانية تعطي البشرية حقها بتنمية عيشها الكريم ، وهذا هو الأصل في حياة الإنسان على هذه المعمورة ، ومجيئه إلى هذه الدنيا للعدل والمساواة ، عملاً لا قولاً …
أمام هذه الأوضاع المأساوية ، التي وصلت إليها البشرية ، من التعامل على أساس المغانم المادية ، فأين منها الثروات العربية ، أمام الهجمة الشرسة الغربية ، في تحديد مساراتها المستقبلية ، وتمتين صمودها بقيمتها النقدية ، وذلك بعدم تطييرها بتوزيعات مزاجية ، لا تصب بأي أهداف مبدئية ، لتذهب هدراً لمصالح ومآرب شيطانية ، تستفيد منها الشركات والمنظمات الدولية ، ولا تنتفع منها الشعوب العربية ، ولا حتى البرامج والمخططات العلمية ، وقد أشبعتنا بها مقررات جامعة الدول العربية ، وكمثلها منظمة الدول الخليجية ، في ظل إنتزاع ونزاع النَسَب والهوية ، وتفرُّقٍ وضياعٍ مع الخيانة التطبيعية ، وتحكُّمِ نقضٍ وهيمنةِ نقدٍ بالقيمة المالية ، لنعبثَ ونلعبَ بالمال في الملاعب الرياضية ، أو نهدرها بالحفلات الترفيهية والفنية ، أونهديها لرؤساءٍ ووفودٍ رسمية ، أو نخوضَ بها حروباً تدميرية ، لا تعرف إلا وُجهتها الداخلية ، فلا تسلك طريق النهضة الشعوبية ، حيث أن وجودهم فقط للمطية ، فالأبطال تمتطي الجياد للفروسية ، وأشباه الرجال ترتدي لباس العبودية ، فلا مال ولا رجال مع الطبقة الخيانية ، سيما وأن إنتاج الأموال العربية ، تدخل في إستراتيجيات المشاريع الغربية …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى