المقالات

أطفال نازحون يتابعون مشاهد من الحرب التي هجرتهم – كتب: سامي كليب

ما إن هبَّت بعض رياح التفاؤل من لقاءات موسكو بشأن سوريا، حتى اهتزت دمشق أمس على وقع تفجيرات دموية حصدت المئات بين قتيل وجريح. تزامن ذلك مع تهديدات أطلقها أحد القادة العسكريين في «الجيش السوري الحر» ضد «حزب الله».

منذ اندلاع الازمة ثم الحرب في سوريا، لم تتوقف المعارضة السورية بمعظم رموزها، من الدكتور برهان غليون الى المراقب العام السابق لتنظيم «الإخوان المسلمين» علي صدر الدين البيانوني، عن اتهام الحزب وايران بالتورط في سوريا. كذلك فعل رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب الذي قال ان سوريا محتلة من قبل ايران ويديرها اللواء قاسم سليماني رئيس «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الايراني».

في العودة قليلا الى الوراء، يمكن الوقوف عند تصريحات مماثلة في هجومها على ايران و«حزب الله» من زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. لم يعلق الحزب آنذاك. انتظر الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله فترة طويلة قبل أن ينبه «القاعدة» من انه وقع في «كمين» القتال في سوريا.

ميَّز الحزب حتى الآن بين سعيه لوأد الفتنة المذهبية وتحديدا الشيعية السنية في المنطقة، وبين دعمه العلني للنظام السوري في معركته، معتبراً أن الحرب التي يخوضها هذا النظام بقيادة الرئيس بشار الأسد انما هي أيضا معركة ايران و«حزب الله» وكل محور المقاومة وصولا الى فلسطين.
تقاطع موقف السيد نصرالله مع القرار المركزي الايراني عند مرشد الثورة في ايران. حسم آية الله علي خامنئي كل الجدل عند القيادات الايرانية المترددة منذ الاشهر الاولى للأزمة السورية وقرر أن إسقاط الاسد «خط أحمر» وعمل على هذا الأساس.

كان طبيعيا اذاً أن يهدد سليم إدريس رئيس هيئة أركان «الجيش الحر» باستهداف «حزب الله». سبق ذلك اغتيال رئيس «الهيئة الايرانية العامة لإعادة الإعمار في لبنان» حسام خوش نويس وهو عائد من سوريا. تزامن ذلك مع معلومات مصدرها أجهزة استخبارات غربية وتحديدا فرنسية وبريطانية تساعد مباشرة أطرافا في المعارضة السورية المسلحة. حكي ايضا عن تورط اسرائيلي مباشر في بعض الاغتيالات التي تحصل في سوريا، خصوصا تلك التي تطال علماء وضباطا كباراً من ذوي الاختصاصات العسكرية أو العلمية الدقيقة.

لا شك بأن «حزب الله» لا يقف مكتوف الأيدي أمام ما يحصل في سوريا. هو يعتقد أن مساعدة النظام السوري تشكل سدا لعدم وصول القتال الى مواقع الحزب، خصوصا في الضاحية الجنوبية. يشعر الحزب بأنه مستهدف منذ سنوات، فكيف لا يكون في ذروة الاستهداف الآن بعد أن ضعف الظهر السوري واخترقت معابر لبنان – سوريا تشكيلات مسلحة وعمليات هائلة لتهريب السلاح وسط كلام ديبلوماسي سطحي عن «النأي بالنفس».
التعاون الأمني السوري ـ الايراني ومع «حزب الله» ليس سراً. وهو ليس وليد الأزمة السورية، لكن الأزمة فعَّلت بعض جوانبه. حقق هذا التعاون نتائج مهمة على أرض المعركة. شعرت المعارضة السورية المسلحة بخطره. أقلق ذلك أكثر من طرف سوري وعربي وغربي. حصلت مساعٍ كثيرة للضغط على الحزب في لبنان. تم تجهيز مجموعات مناهضة لفكر الحزب ومذهبه. برزت ظواهر سلفية لافتة للانتباه من شمال لبنان وصولا الى صيدا. يحكى عن مبالغ مالية كبيرة دفعت وساهم فيها بعض السياسيين. يقال إن أمن الحزب تفادى بعض الحوادث الأمنية حين كشف عنها قبل وقوعها. بعض الخطط كان يستهدف الضاحية الجنوبية نفسها.

ماذا سيمنع إذاً انتقال التفجيرات السورية الى بعض المناطق اللبنانية المحسوبة على «حزب الله»؟

لبنان بلد مشرَّع أمام كل الأجهزة والاستخبارات وعمليات تهريب السلاح. شحذ النفوس مذهبيا وعقائديا مستمر منذ سنوات. ثمة أطراف ودول عدة تريد أن تزجَّ بالحزب في حروب مذهبية ومحلية. تعتقد هذه الاطراف انها بعد ان عززت خنق ايران اقتصاديا وجذبتها للاستنزاف في سوريا، وبعد ان ضربت سوريا وأمنها ونسيجها الاجتماعي، يمكنها الآن إغراق «حزب الله» بوضع أمني يشوِّه صورته ويبعده عن الهدف الاساس.

سياسة النأي بالنفس لم تمنع وصول عناصر ومجموعات من «القاعدة» و«جبهة النصرة» الى لبنان. لو استمر الجيش السوري في تقدمه على الأرض فسيؤدي ذلك الى انتقال مجموعات اخرى الى لبنان. لو تعززت فرص الحل السياسي، فسيكون الجيش السوري في المرحلة المقبلة أكثر حرية في ضرب معاقل الجهاديين و«جبهة النصرة». الى أين سيذهب هؤلاء؟ أبواب الاردن مقفلة عبر تعاون دقيق بين الاستخبارات السورية والاردنية وبقرار مركزي من الملك عبدالله الثاني الذي وعد قبل يومين في موسكو محادثيه الروس بالمساهمة في ضرب «القاعدة» و«الجهاديين». تركيا لن تسمح بذلك لأنه يشكل خطرا على وضعها الداخلي. العراق يحاول منذ سنوات ضربهم على أرضه وعند الحدود. سيكون لبنان المكان الأفضل. يحكى عن مجموعات في بعض المخيمات وفي بعض أحياء المدن اللبنانية.

قريبا يدخل لبنان معركة الانتخابات. ما لم يحصل تفاهم ايراني سوري سعودي بغطاء دولي، فإن الانتخابات مرشحة لأن تصبح برميل بارود.

كل شيء يفيد بأن وضع لبنان لا يُحسد عليه. الدول الغربية قلقة. النصائح تمطر بالعشرات من أميركا الى فرنسا وصولا الى وليام هيغ وزير الخارجية البريطاني الذي زار بيروت امس بضرورة تحييد لبنان عن الأزمة السورية.
تبين أن سياسة النأي بالنفس، كانت مجرد شعار جميل، لكنّ خلفه براميل بارود وقذائف ومتفجرات وحقداً وشبكات تهريب، الله وحده يعلم كيف الخلاص منها.

– السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى